مصير الأقلية المسلمة بعد انقلاب تايلاند


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
تحتفظ تايلاند بتاريخ حافل من الانقلابات العسكرية التي وصلت إلى 18 انقلاباً، وذلك خلال عهد الملك بوهيمبول ادولياديج الذي احتفل في شهر يونيو الماضي بالذكرى الـ60 لاعتلائه العرش.

ورغم أن تايلاند 'مملكة سيام سابقاً' لا تحتل مكانة بارزة في الخريطة السياسية أو الاقتصادية العالمية، إلا أن ما يهم في الانقلاب الأخير الذي وقع يوم الثلاثاء 19- 9- 2006 هو أنه أولاً جاء على يد أحد قادة الجيش الذين ينتمون إلى الأقلية الإسلامية.

الأمر الثاني هو طبيعة حالة الاحتقان السياسي التي خرج من رحمها الانقلاب، هذا الاحتقان الذي يرتبط بشكل أو بأخر بفشل حكومة رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناوترا في التعامل مع ملف الأقلية المسلمة في جنوب البلاد التي تعرضت في عهده إلى حملات قمع واعتقال واسعة.

غير أن الوقوف عند حد ربط الانقلاب الأخير بإخفاق شيناوترا في التعامل مع مسلمي تايلاند يعد نوعاً من التجاوز للحقائق الموضوعية، حيث أن القراءة الصحيحة تتطلب البحث عن الظروف الموضوعية الأخرى التي سهلت أو وفرت مناخاً ايجابياً للانقلابيين، والتي يمكن تلمسها في سلسلة الفضائح الاقتصادية التي ارتبطت برئيس الوزراء السابق، فضلاً عن حالة التأزم السياسي القائمة بين الحكومة والمعارضة، وهي الأمور التي أعطت جميعها لزعيم الانقلاب المسلم 'سونتي بونياراتغلين' الحق في القول بأن 'هذا الانقلاب كان ضرورياً للحفاظ على وحدة تايلاند'.

 

شيناوترا قمع سياسي وفضائح اقتصادية:

رغم أنه ولد لأسرة فقيرة في يوليو من عام 1949 إلا أن رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناوترا استطاع جمع ثروة كبيرة بعد زواجه من سيدة ثرية قادته إلى عالم المال والأعمال، ثم الدخول بعد ذلك في فلك السياسة التي لمع نجمه فيه إثر اختياره وزيراً للخارجية في عام 1994 ممثلاً عن حزب بالانغ داهما [حزب قوة الفضيلة]، وبقى في منصبه لمدة عام واحد.

وفي 14 يوليو 1998 أسس شيناوترا حزبه الجديد تاي راك تاي [التايلنديون يحبون التايلنديين]، واختير زعيماً للحزب الذي فاز بالانتخابات عام 2001 بأغلبية 374 مقعداً من أصل 500.

وفي مارس من عام 2005 نجح شيناوترا في الفوز بالانتخابات التشريعية التي قاطعتها المعارضة التي كانت تطالب بتعديل الدستور الذي يعطي رئيس الوزراء صلاحيات واسعة، مما منح رئيس الوزراء السابق الفرصة لتشكيل الحكومة الخامسة والخمسين منذ قيام الملكية في عام 1932.

وبالنظر إلى السنوات الست التي قضاها شيناوترا في سدة السلطة نجد أنه فشل على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فعلى الجانب السياسي اتسمت العلاقة بين المعارضة وشيناوترا بالتوتر على طول الخط خاصة وأن الأخير اتبع أسلوباً صلفاً مع المعارضة التي سعى لتهميشها لصالح حزبه 'تاي راك تاي'، إضافة للاتهامات التي لاحقته بتزوير الانتخابات الأخيرة التي جرت في مطلع عام 2006 الجاري.

كما أن شيناوترا تعامل مع أزمة الأقلية المسلمة في جنوب البلاد على اعتبار أنها قضية أمنية وعسكرية في الأساس وليست قضية سياسية، الأمر الذي تسبب في حدوث انتهاكات وقمع بحق المسلمين على يد قوات الجيش والشرطة بحيث قتل نحو 1400 شخص منذ عام 2004.

هذا التوتر تسبب في خروج عدة تظاهرات في شوارع العاصمة بانكوك تطالب بإصلاحات دستورية لتقييد سلطات منصب رئيس الوزراء، مما دفع شيناواترا إلى حل البرلمان في فبراير الماضي داعياً إلى إجراء انتخابات جديدة كان مقرراً أن تجرى في أكتوبر المقبل، وذلك قبل حدوث الانقلاب الأخير.

أما فيما يخص الملف الاقتصادي فإن شيناوترا ارتبط اسمه بالعديد من الفضائح المالية، وشراء الذمم، وخرق القوانين، والتي كان أشهرها قيام عائلته ببيع شركة 'شين' للاتصالات المملوكة لها إلى شركة سنغافورية بـ 1.9 مليار دولار، هذا القرار الذي اعتبرته المعارضة خيانة بعد التفريط في بيع أصول الوطن الثمينة، وبيع قطاع اقتصادي أساسي لشركة أجنبية.

كما أن شيناوترا [الذي تلقى تعليمه في أمريكا] اتبع سياسيات اقتصادية وصفها العديد من المراقبين بأنها إعادة صياغة للمنهج المالي الأمريكي، خاصة وأنه اتبع سياسة التحرر الاقتصادي، وبيع الشركات والمؤسسات الحكومية والتي كان أبرزها على سبيل المثال بيع 25 بالمئة من أسهم شركة توليد الكهرباء الحكومية التي تبلغ قيمة أصولها الإجمالية 890 مليون دولار، غير أن المشروع توقف بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية التايلاندية العليا حكماً ضد عملية البيع هذه.

 

الأقلية المسلمة بين شيناوترا وبونياراتاكلين:

عانت الأقلية المسلمة التي تشكل نحو 5% من سكان تايلاند حالات واسعة من القمع والاعتقال في عهد رئيس الوزراء السابق، والتي كان أبرزها بشاعة مقتل 78 مسلماً اختناقاً خلال نقلهم بشاحنات تابعة للجيش إثر اعتقالهم خارج مركز للشرطة تجمعوا أمامه للاحتجاج وذلك في أكتوبر من عام 2004.

كما أن البرلمان الذي يسيطر عليه حزب 'تاي راك تاي' أقر في أغسطس 2005 مرسوماً يعطي رئيس الوزراء سلطات استثنائية في جنوب البلاد تنص على سلسلة من الإجراءات الخاصة بما فيها فرض رقابة على وسائل الإعلام، والاعتقال من دون محاكمة بحق الأقلية المسلمة التي تتركز بصفة أساسية في جنوب تايلاند.

سياسة شيناوترا القمعية لم تؤد فقط إلى تذمر الأقلية المسلمة، بل إنها امتدت لقطاعات كبيرة من الشعب، والتي حاولت حكومة شيناوترا تخفيف حدتها بتعيين الجنرال المسلم سونتي بونياراتاكلين قائداً للجيش ليكون أول مسلم يشغل هذا المنصب في تايلاند وذلك في 8 سبتمبر 2005.

وبالنظر إلى سونتي بونياراتاكلين قائد الجيش المسلم الذي قاد الانقلاب العسكري الأخير نجد أنه من مواليد أكتوبر 1946 لأسرة مسلمة استقرت في البلاد منذ فترة طويلة.

تخرج بونياراتاكلين من الكلية العسكرية في شولاشومكلا، وقاتل في الحرب الفيتنامية ضمن القوات الحليفة، وانضم إلى فيلق المشاة الملكي قبل الالتحاق بوحدات المقاتلين الخاصة، فمنصب مساعد قائد الجيش ثم أخيراً تعيينه قائداً عاماً للجيش في أكتوبر من عام 2005.

وقد عرف عن بونياراتاكلين قربه من الملك بوميبول الذي استقبله غداة وقوع الانقلاب في القصر الملكي مضفياً بذلك شرعية على الانقلاب العسكري الأخير، واستقراء بسيط لتصريحات بونياراتاكلين بعد تعيينه قائداً عاماً للجيش نجد أن هناك ثمة توافق بينه وبين الملك بوميبول من أجل إيجاد مخرج للأزمة السياسية التي تعيشها تايلاند خاصة ملف الأقلية المسلمة في الجنوب، والفضائح الاقتصادية التي تلاحق الحكومة حيث صرح بونياراتاكلين قبيل الانقلاب الأخير إن 'مشكلة [تايلاند] أحزنت جلالته، وأود بصفتي أحد جنود جلالته التخفيف من قلقه، وسيلتزم الجيش بشكل تام بأية نصيحة يقدمها لنا'.

كما أن نظرة أخرى على خطابات بونياراتاكلين سواء بعد تعيينه قائداً عاماً للجيش أو بعد قيادته للانقلاب العسكري ضد شيناوترا نجد أنه حاول فيها معالجة أخطاء شيناوترا بالتركيز على نقطيتين جوهريتين:

الأولى: أن البلاد عانت في عهد شيناوترا انقساماً كبيراً مزق وحدة البلاد، ومن ثم فإن هدف الانقلابيين الأساسي هو 'الحفاظ على وحدة تايلاند'.

الأمر الثاني: أن الجيش سيغير من سياسته وأسلوبه الذي انتهجه في عهد رئيس الوزراء السابق والذي كان أداة قمع وتنكيل، هذا الأمر عبر عنه قبيل تسلمه رسمياً قيادة الجيش في أكتوبر 2005، حيث أوضح بونياراتاكلين 'أنه سيدير علميات الجيش في الجنوب بطريقة تأتي بنتائج ملموسة مع المواطنين'، مضيفاً 'سأجعل جيش تايلاند الملكي جيشاً للشعب، وسأجعل من الجنود جنوداً محببين لدى الشعب'.

ورغم البوادر الطيبة التي عبرت عنها خطابات بونياراتاكلين بشأن الأقلية المسلمة إلا أنه من الخطأ الحكم مبكراً على هذا الجنرال، وسياسات الحركة العسكرية التي أطلقت على نفسها اسم 'الإصلاح الديمقراطي في ظل المجلس الملكي'، فالأيام القادمة ستكشف إلى حد كبير إلى أي مدى أعاد الانقلابيون صياغة الدستور بما يحفظ للأقلية المسلمة حقوقها السياسية، أو الاستمرار في التعامل مع ملف الأقلية المسلمة باعتبارها 'قضية أمنية'، بما يؤشر إلى مزيد من القمع والقتل، ولكنها أشد فتكاً هذه المرة خاصة وأن السادة الجدد هم من أبناء المؤسسة العسكرية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply