بعد انتصارات المحاكم الإسلامية ترتيبات عسكرية أمريكية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مليشيات صومالية

حققت مليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية انتصارات كاسحة وسريعة خلال الأسابيع القليلة الماضية في حربها ضد ما يسمى "التحالف من أجل إرساء السلام ومكافحة الإرهاب" المدعوم أمريكياً، وعقب الهزائم المتلاحقة التي مني بها التحالف بدأ أعضاؤه مغادرة العاصمة، بعد أن تأكدوا أن مقديشيو لم تعد مكانا آمناً لهم بعد فقدان أهم المواقع الإستراتيجيةº من مطارات ومواني، بل وانقسام مليشياتهم على نفسها.

وكان آخر من غادر معاقله "محمد قنياري أفرح"، حيث سلم أسلحته إلى "اتحاد المحاكم الإسلامية" يوم الإثنين5-6-2006م، كما تجري أيضاً محاولات مكثفة لإقناع "موسى سودي يلحو" بمغادرة المعسكرات التي يملكها في شمال شرق العاصمة، وتسليم الأسلحة إلى عشيرته، مقابل فتح طريق آمن له ليلحق بزملائه الموجودين حالياً في مدينة جوهر أو أن يذهب أي مكان يفضله.

 

إقالة وزراء تحالف مكافحة الإرهاب

وفي خطوة يبدو أنها استجابة للتطورات الأخيرة أصدر رئيس الوزراء الصومالي على محمد جيدي بعد ساعات قلائل من سيطرة المحاكم على مدينة بلعد واستسلام عدد كبير من مليشيات "تحالف مكافحة الإرهاب" بياناً حكومياً أعلن فيه إقالة أربع وزراء من حكومته كانوا أعضاء في التحالف وهم "محمد قنياري أفرح" وزير الأمني الداخلي، و"موسى سودي يلحو" وزير التجارة، و"عمر محمود فلش" وزير الأوقاف والشؤون الدينية، و"عيسى عالم" وزير تأهيل المليشيات.

 

صياغة إجماع وطني

وقد أكد جيدي في مؤتمر صحفي عقده في مقره المؤقت في مدينة بيدوا أن حكومته تجري حالياً اتصالات مكثفة لإجراء حوار مع قيادات المحاكم الإسلامية في مقديشو وعدد من العلماء وشيوخ القبائل ورجال الأعمال، لتحديد مصير العاصمة بعد طرد مليشيات أمراء الحرب الذين عرقلوا استقرار مقديشيو خلال الفترة الماضية. وقد تزامنت تصريحات رئيس الوزراء مع تصريحات أخرى لرئيس المحاكم الإسلامية "الشيخ شريف شيخ أحمد" أعلن فيها أن المحاكم لا تنوي الانفراد بشؤون العاصمة وحدها، وأنها على استعداد كامل للتشاور مع كافة القوى الوطنيةº من أجل استتاب الأمن والاستقرار في مقديشيو وكل المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية.

 

تسخين أمريكي

وبعد فرض المحاكم الإسلامية سيطرتها على معظم مناطق ميليشيا مكافحة الإرهاب السابقة، بصورة أفشلت كافة السيناريوهات الأمريكية التي ظلت تخطط لها على مدى أكثر من 15 عاماً، بدأ الطيران الأمريكي عمليات تحليق على ارتفاع منخفض استعدادا لتوجيه ضربات جوية لمليشيات المحاكم أثناء الاجتياح الأثيوبي المتوقع.

كما كثفت السفن الحربية الأمريكية التي تجوب السواحل الصومالية منذ عام 2001م تحركاتها في الآونة الأخيرة.

يذكر أن واشنطن تحاول منذ فترة طويلة إيجاد ذريعة للتدخل في الشأن الصومالي، من خلال تلفيق تهمة ما يسمى "الإرهاب" ووجود عناصر من تنظيم القاعدة في الصومال، وتهمة واستضافة "المحاكم الشرعية" لعناصر من الذين قاموا بالتدبير لتفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998

وفي سياق متصل أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية "شون ماكورماك" قلق بلاده المتزايد إزاء التطورات الأخيرة في العاصمة الصومالية مقديشيو، وقال في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن بعد ساعات من سيطرة المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشيو يوم الإثنين 6-6-2006م: " نحن لا نريد ولا نقبل أن تتحول مقديشيو مكانا آمناً للعناصر (الإرهابية) الدولية، وإن حكومتنا في حالة قلق متزايد تجاه الصومال"، كما أكد الرئيس بوش، أن إدارته تعكف حالياً لدراسة الرد المناسب للحيلولة دون سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم في الصومال.

 

خطط خبيثة

ويبدو أمام صانعي القرار الأمريكي أن خطط المواجهة مع المحاكم الإسلامية تأخذ ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: الاستمرار في سياستها القديمة بتشويه صورة اتحاد المحاكم الإسلامية، والذي بدأته منذ فترة طويلة، وتجلى من خلال افتعال محاكمة صورية لأحد الأشخاص وتنفيذ حكم الإعدام عليه، على مسمع ومرأى وسائل الإعلام، بالرغم من أن مسؤولي المحاكم أكدوا عدم تبعية هذه المحاكمة لهم.

السيناريو الثاني: الاتصال بزعماء العشائر والمنظمات المدنية من أجل حث هؤلاء على الوقوف في مواجهة الاتحاد، أو على أقل تقدير المطالبة بتخلي العشائر عن أفرادها المنضمين للاتحاد، حتى لا تدخل واشنطن أو أي قوى داخلية تابعة لها مثل زعماء الحرب، أو إقليمية مثل إثيوبيا في مواجهات مع هذه القبائل، في حال تصفية أبنائها، كما كانت تمارسه العام الماضي وحتى الآن من خلال السفارة الأمريكية في كل من كينيا وجيبوتي، والاستمرار في دعم بعض أمراء الحرب الباقين في مواجهة المحاكم الإسلامية وإثارة الاضطرابات الإقليمية وعمليات القتل والنهب لتسويغ التدخل الدولي في الصومال مجدداً، حتى وإن كلفها تقديم 8 ملايين دولار أخرى كما فعلت في فبراير الماضي عندما أعلن أمراء الحرب قيام تحالفهم، ويحمل هذا السيناريو أخطاراً داخلية جمة قد تشتت الشارع الصومالي لعشرات السنين، إذ تخشى واشنطن من التدخل العسكري على الأرض مباشرةº خشية أن تتكرر أحداث عام 1991م ضد قواتها.

السيناريو الثالث: التدخل العسكري والذي يبدو الأقرب للتنفيذ بعد تفوق قوى اتحاد المحاكم الشرعية، وعجز التحالف الموالي لواشنطن، إلا أن طريقة التنفيذ ستكون مختلفة، حيث تخشى واشنطن التدخل المباشر في ضوء المأزق الراهن الذي تواجهه في العراق من ناحية، فضلاً عن تجربتها المأساوية الناجمة عن تدخلها في الصومال في الفترة من 19941992 من ناحية ثانية.

 

إلا أن الأقرب للتنفيذ أن يتم توجيه ضربة عسكرية جوية أمريكية، مع تدخل قوات أثيوبية داخل الأراضي الصومالية لضرب مراكز السيطرة لدى المحاكم الإسلامية، خاصة أن إثيوبيا معتادة على التغلغل في الأراضي الصومالية لاحتواء قوى المعارضة، خاصة الإسلامية سواء أكانت صومالية أم إثيوبية تنطلق من أراضي الصومال. وهذا ما يجري بالفعل حيث رفعت إثيوبيا حالة الاستعداد العسكري لقواتها المتمركزة على طول حدودها المتاخمة للأقاليم الوسطى وجنوب الغرب في الصومال، مع ورود تقارير استخباراتية تشير بقرب شن إثيوبيا هجوم عسكري خاطف ضد الصومال، لكسر شوكة المحاكم، قبل أن تمتد سيطرتها إلى مدينة جوهر والأقاليم الوسطى بشكل سريع.

ويربط المحللون في توقعهم التدخل الأثيوبي باستدعاء السلطات الأثيوبية السريع لحاكم مدينة جوهر "محمد عمر حبيب" عضو تحالف مكافحة الإرهاب إلى أديس أبابا، وتجميع مليشيات التحالف هناك.

وعلى أي الأحوال فإن التحديات المتسارعة في الساحة الصومالية تفرض على قيادات المحاكم الإسلامية إحداث توازن سياسي بين القبائل ورجال الأعمال والتيارات الإسلامية السلفية والصوفية والوطنية المنضوين في التحالف، حتى لا تفقد تأييدها الشعبي العارم، مع ضرورة تفعيل تواصلها الإعلامي والسياسي مع محيطها الخارجي، والعربي خاصة لتطمين العالم وكشف الشبهات والتلفيقات التي تحاول واشنطن وإثيوبيا إحاطتها بها، للتمهيد للقضاء على تجربتها الوطنية الممتدة منذ عام 1992م في كافة مناحي الحياة الصومالية (اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسياسياً).

في النهاية وفي ضوء تلك التحديات..هل يستسلم شعب الصومال لهذه المخططات الأمريكية والإثيوبية؟ أم سيؤدي ذلك لمزيد من التعاطف مع اتحاد المحاكم الشرعية؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply