بتخطيط أمريكي وتنفيذ أمراء الحرب : الصومال في طريقها للحرب الأهلية !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قتال في شوارع الصومال

تشهد العاصمة الصومالية مقديشيو منذ الأحد الماضي اشتباكات عنيفة بين تحالف أمراء الحرب الذين شكلوا "قوات مكافحة الإرهاب وإرساء السلم" وتدعمه المخابرات الأمريكية بنحو 80 مليون دولار، ويضم عدداً من الوزراء الحكوميين "التجارة والداخلية.." وميليشيا المحاكم الإسلامية المشتركة.

 

وتأتي هذه المعارك الشرسة التي خلفت ما يزيد على 150 قتيلاً ومئات الجرحى بدعم أمريكي لزعماء الفصائل الذين لا يملكون شعبية بين كثير من المواطنين الذين كانوا ضحية هجمات أو انتزاع أموال من جانبهم عند حواجز التفتيش على مدى سنوات، وذلك بعد عدة اجتماعات لقادة أمريكيين وأمراء الحرب تمت مؤخراً في جيبوتي، أعلنت عنها السفارة الأمريكية، قائلة إنها تبحث عن حلفاء لها لمواجهة ما تدعيه بعناصر للقاعدة موجودين بالصومال وتدعمهم ميليشيات المحاكم الإسلامية.

 

يذكر أنه عقب تأسيس التحالف "مكافحة الإرهاب وإحلال السلم" في فبراير الماضي وجه قادة المحاكم الإسلامية الانتقادات لهذا التحالف، ووصفوه بأنه "تحالف شيطاني يحارب التدين والمد الإسلامي في البلاد". وفي أعقاب تبادل الاتهامات اندلعت الاشتباكات بين الطرفين في شوارع مقديشيوº مما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص في جولتين من المعارك خلال شهر واحد. ويقول مراقبون: إن الإدارة الأمريكية استغلت هذه الاشتباكات لإدارة الصراع بين الإسلاميين وتحالف زعماء الحرب.

وتسعى واشنطن لتطبيق إستراتيجية عسكرية استباقية في منطقة القرن الإفريقي لما يسمى ب "مكافحة الإرهاب" في الصومال تقوم على استقطاب وإقناع القبائل الصومالية برفع الحماية عن الإسلاميين الذين ينتمون إليهاº بهدف محاصرة التيار الإسلامي.

وكانت الاجتماعات الأمريكية مع قادة وشيوخ بعض القبائل قد تواصلت بصورة متسارعة منذ مطلع العام الجاري، وعقدت عدة اجتماعات علنية في منطقة القرن الإفريقي مع أطراف فاعلة على الساحة الصومالية، هما المنظمات المدنية وشيوخ العشائر. وكان آخرها اجتماع السفير الأمريكي وليام ماك بالامي ودبلوماسيين أمريكيين بالعاصمة الكينية مع شخصيات من قبيلة "عير" التي تضم إسلاميين تعتبرهم الولايات المتحدة ينتمون لتنظيم القاعدة، منهم وجهاء من عشائر القبيلة، إضافة إلى زعماء حرب وضباط سابقين وأعضاء بالبرلمان نهاية شهر أبريل الماضي.

وبالعودة إلى الأهداف الأمريكية التي استفادت كثيراً من غيبة الحكومة الصومالية عن الفعل السياسي في الداخل الصومالي منذ معارك 1991م والتي أخرجت قوات الاحتلال الأمريكي من الصومال.. وتسعى واشنطن لتصفية حسابات سياسية ضد الإسلاميين تحت دعاوى الإرهاب، حسبما جاء على لسان الجنرال ماك كيميت المسؤول في القوات الأمريكية الوسطى مؤخراً الذي أكد قلق بلاده من تنامي ظاهرة "الإرهاب" في الصومال! وقال: إن لدى الولايات المتحدة معلومات عن تنامي نشاط عناصر "القاعدة" في جنوب الصومال، وعن وجود معسكرات تدريب للجماعات الإسلامية المتشددة ذات الصلة بالقاعدة في الأقاليم الجنوبية وإقليم "أوجادين" في أثيوبيا.

 

عرقلة نشاط المحاكم الإسلامية

 

 

وتستهدف ميليشيا مكافحة ما يسمى بالإرهاب ومن ورائها واشنطن لتأجيج نار الخلافات والانقسامات بين الصوماليين، في وقت يعاني فيه الصومال وبقية القرن الإفريقي أقسى مظاهر المجاعة والجفاف، والتي عرقلتها المعارك الدامية بعدما تمكنت هيئة المحاكم الإسلامية في مقديشيو من جمع نحو 100 ألف دولار خلال حملة إغاثة لمتضرري المجاعة التي تضرب شرق إفريقيا والقرن الإفريقي للحيلولة دون الصراعات القبلية حول المراعي والمياه، الأمر الذي لم يعجب الأمريكيين وأعوانهم من المنتفعين من تفكك الصومال، والمتضررين من تصاعد التيار الإسلامي وجهود الإغاثة والدعوة الإسلامية في الصومال التي تشهد تقدماً كبيراً في مواجهة حملات التنصير العاتية في أدغال شرق إفريقيا مستغلة الجوع والفقر..

 

انتهاك السيادة الصومالية

ولعل الأمر المخزي الذي اتخذته حكومة يوسف الانتقالية من الأحداث الأخيرة بصمتها المريب، على الرغم من أن وزراء مهمين دخلوا الصراع المسلح مع الإسلاميين في شوارع مقديشو، يكشف الكثير من الأهداف التي تقف وراءها واشنطن وإثيوبيا اللذان يتعاونان بصورة كبيرة في منطقة القرن الإفريقي.

وفي هذا الإطار الذي أثار شجون الشعب الصومالي الذي ينظر بعين الثقة إلى جهود المحاكم الإسلامية التي نجحت في بناء نظام اجتماعي قوي في مقديشيو حاربوا من خلاله الرذائل وجهود المنصرين وحفظوا أمن واستقرار المناطق التي يسيطرون عليها، الأمر الذي أثار ضغينة واشنطن التي لا تريد للصوماليين إلا التفكك والانهيار جزاء بطولتهم ورفضهم الاحتلال الأمريكي لهم في بداية التسعينيات، وقد توافقت مع تلك الإستراتيجية الخبيثة رغبة الفصائل الصومالية الموالية لرئيس الحكومة علي جيدي والرئيس الصومالي عبد الله يوسف ووزير داخليته الذين أجبرهم الشريف آدم عدن رئيس البرلمان الصومالي قريب الصلة بالإسلاميين على نقل جلسات البرلمان الانتقالي إلى بيداوة بمقديشيو الذي أصر على أن تكون مقراً للحكومة الصومالية الدائمة مستقبلاً، بما يخالف رغبة الفصائل المتناحرة، فأرادوا معاقبة مقديشيو ورجالها عبر التصعيد العسكري ضد الإسلاميين في مقديشيو.

ولعل زيارة وفد المخابرات المركزية الأمريكية "سي. آي. إيه" مدينتي جوهر ومقديشو قبيل التصعيد الأخير، ولقاءهم أبرز أمراء الحرب وقادة الفصائل المنضوين في تحالف "مكافحة الإرهاب وإحلال السلام" يبرز هذا المنحى جلياً، الأمر الذي أثار مزيداً من السخط الشعبي المتصاعدº حيث انتقد نائب رئيس رابطة علماء الصومال الشيخ نور بارود تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شؤون بلاده، وقال: إن واشنطن تسعى دوماً إلى تقويض جهود السلام وإعادة الشرعية والنظام إلى الصومال.

 

مأساة إنسانية

ولعل الجانب الأبرز والأكثر خطورة من وراء التصعيد العسكري والأمني على أراضي الصومال هو ضياع جهود منظمات الإغاثة الإنسانية التي تؤكد تقاريرها أن حوالي مليون شخص على الحدود الصومالية الكينية يموتون جوعاً بسبب نقص إمدادات الغذاء والدواء والماء، يصعب من مهمة إنقاذهم انعدام الأمن والاستقرار وغياب دور الحكومات الفاعلة على أرض الواقع.

وعلى صعيد آخر أشد قسوة تسعى واشنطن لوسم كل المنظمات الإغاثية الإسلامية بالإرهاب لتفريغ الساحة الصومالية من جهودها، في الوقت الذي تصعد المنظمات التنصيرية من أعمالها وأنشطتها مستغلة فراغ الساحة لتستولي على المدارس والمراكز التي توقف عنها الدعم. فعلى سبيل المثال فرضت إحدى المنظمات التنصيرية على أهل قرية دار السلام جنوب غرب مقديشو، نزع النقاب من الفتيات الدارسات في مدرسة القرية لقاء دعم المدرسة مالياً. وفي سابقة خطيرة ولأول مرة في تاريخ الصومال أفرغت منظمة كنسية هي (Swiss church) حمولة تزن الأطنان في مدينة مركا جنوب غرب مقديشو على بعد 100 كم تقريباً وهي عبارة عن علب كرتونية تحتوي على لعب أطفال وميداليات مفاتيح عليها صلبان، بالإضافة إلى نسخ من قصص الأناجيل المحرفة، وكذلك بطاقات تهاني تحمل أسماء العائلات المهدية وعناوينها، ودعوة صريحة إلى الارتداد والتنصر، ووزعت هذه المواد السامة على طلبة المدارس في مركا، على أنها هدايا قيمة، وهذا التوزيع العلني للأناجيل المحرفة والصلبان هو ما لم يحلم به التنصير في الصومال قط من قبل.

كما أوقفت تقارير الإرهاب الأمريكية نشاط مؤسسة الحرمين الخيرية السعودية التي كانت تعول نحو 2600 يتيم وأسرة فقيرة، وكذلك إغلاق بنك البركات بالرغم من تقارير الأمم المتحدة نفسها التي حذرت من مغبة إغلاقه على أمن واستقرار الصومال، إضافة إلى أنه غير متورط في دعم أيه أنشطة غامضة أو إرهابية والذي يعد الممول الرئيس للشعب الصومالي الذي يعيش أغلبه على مساعدات أبنائه العاملين بالخارج.

 

تجارة بآلام الصوماليين

يذكر أن الصومال التي يصل عدد سكانها إلى عشرة ملايين نسمة تعاني من اضطرا بات مزمنة ويتقاتل فيها أمراء الحرب والميليشيات للسيطرة على المقاطعات التي ظهرت بعد الإطاحة بنظام بري في عام 1991م، ومنذ ذلك الوقت يفتقر البلد إلى حكومة مركزية فاعلة، وفشلت الجهود في إنشاء إدارة جديدة قابلة للحياة، وسط صراع دموى على السلطة بين السياسيين المحليين وأمراء الحرب. وقد رصدت تقارير الأزمات الدولية العديد من الجرائم التي ترتكب ضد أبناء الشعب الصومالي على أيدي حكامه الذين لم يتورعوا عن السماح لسفن صيد أجنبية من الصيد داخل المياه الإقليمية بصورة غير مشروعة وبالتعاون مع قادة ميليشيات صومالية محلية تجني ما يقدر بنحو 300 مليون دولار سنويّاً من الصيد في المياه الصومالية إضافة لظاهرة تهريب أفارقة عبر الصومال وخليج عدن إلى اليمن بصورة غير شرعية مقابل تكلفة تتراوح بين 30دولارًا و50 دولارًا للفرد. وغالبية من يتم تهريبهم، إثيوبيون يتسللون إلى منطقة بلاد بونت ويغادرون من ميناء بصاصو. ويضاف لذلك أوضاع حقوق الإنسان المهدرة بشكل تام تحت رعاية السفن الأمريكية في خليج عدن التي باتت معتقلاً أساسياً لكل الشعب الصومالي ما لم يثبت ولاؤه للأمريكان، وللأسف يتم ذلك تحت سمع وبصر الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة دون أن يحرك أحد ساكناً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply