مسلمو غانا بين الإرث الاستعماري والواقع المر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أكد الشيخ عبد القادر السيد نباري مدير المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في غانا أن المسلمين في غانا رغم أنهم يشكّلون أكثر من 35% من عدد سكان البلادº إلاّ أنهم لا يلعبون دوراً سياسياً يناسب هذا العدد الكبير، معتبراً أن الوزن السياسي الضئيل للمسلمين من مخلفات الإرث الاستعماري الذي عمل على تكريس النفوذ السياسي للوثنيين والنصارى.

وأوضح نباري في حوار مع شبكة (الإسلام اليوم) أن مسلمي غانا يعانون من مظاهر تمييز وتهميش شديدة خصوصاً في الالتحاق بالمدارس والجامعات، فضلاً عن أن الدستور العلماني للدولة لا يجعلها تقدم دعماً مالياً للمدارس ذات الهوية الإسلامية، وهو ما يصعِّد من أزمة الأمية في أوساط المسلمين، ويجعل مستوى وزنهم في المجتمع يتراجع.

وتابع مدير المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بالتأكيد على أن المسلمين لم يتأثروا سلبياً بشكل كبير نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بالإضافة إلى إخفاق حملات التحريض عليهم من قبَل قوى محاربة، مشدداً على أن ذلك يعود للعلاقات الوثيقة بالنصارى والوثنيين.

وحذر الشيخ نباري من أن تجاهل الدول الإسلامية لمسلمي غانا ستكون له عواقب وخيمة على هويتهم في ظل الزحف التنصيري الرهيب الذي يهدد جميع مدن غانا، مطالباً الجمعيات الإغاثية للعودة بكثافة إلى البلاد للتصدي للزحف، وفي السطور التالية النص الكامل للحوار مع الشيخ عبد القادر نباري:

* تُعدّ مناطق القرن الإفريقي من أهم الروافد الدعوية للإسلام في القارة السمراء فهل لك أن تعطيَنا نبذة عن طرق دخول الإسلام إلى غانا؟

دخل الإسلام غانا عام 717 هـ عبر قوافل التجار العرب الذين وفدوا إلى البلاد، وكذلك عبر تجار ميائل الهوسا والفلاتا الذين كانوا يأتون من نيجريا ومن مالي، وكان السلوك الطيب، والخلق القويم، والأمانة العالية للتجار المسلمين سبباً كبيراً في اقتناع أهل غانا بالإسلام، فتعاطَوا إيجابياً مع الدعاة المسلمين، وأقبلوا بأعداد غفيرة على الإسلام بصورة مشابهة لأقرانهم في دول الغرب الإفريقي، واستمر هذا النمو في العقود والقرون الماضية حتى تحوّل الإسلام إلى الديانة الأولى في غانا وفي غرب إفريقية جميعاً حتى وصلت نسبة السكان المسلمين إلى 30% من عدد سكان غانا الذين يصل عدد سكانها إلى (22) مليوناً، يتركزون بصورة مكثفة في شمال البلاد في مدن تمالي وكوماسي في الغرب الأعلى، وهناك وجود إسلامي كذلك في العاصمة، وفي مدينة بوكر في الشرق الأعلى.

 

الإرث الاستعماري:

* على الرغم من حديثك عن الإسلام كديانة أولى في البلاد إلاّ أن الوزن السياسي للمسلمين لا يتناسب مع هذا الأمر فماذا تقول؟

أشاركك في هذا الطرح، فالمسلمون لا يلعبون الدور السياسي في البلاد الذي يتناسب وأعدادَهم، وأعتقد أن هذا الأمر يعود إلى الإرث الاستعماريº إذ نجح الاستعمار الإنجليزي في تدشين خريطة سياسية في البلاد أوسدت الأمر إلى النصارى والوثنيين، وهو الأمر الذي ما زال مستمراً حتى الآن، على الرغم من أن المسلمين قد نجحوا في الوصول إلى مناصب سياسية رفيعة في السنوات الأخيرة، فمثلاً نائب رئيس الدولة مسلم ويسمى علي محمد، ووزير العمل مسلم ويطلق عليه مصطفى علي، فضلاً عن شَغل مسلمين لمناصب دبلوماسية رفيعة المستوى مثل سفير غانا في السعودية بشير عبد الرازق، ووجود عشرات من كبار ضباط الجيش في غانا يعتنقون الإسلام، ومع ذلك فإن المناصب لا تعكس الوزن النسبي للمسلمين في المجتمع، ونأمل أن تتحسن هذه الأوضاع في المستقبل.

 

* التقارير تؤكد أن المسلمين في غانا يعانون من مظاهر تمييز عديدة هل يتسبب هذا التمييز على أداء شعائرهم الدينية؟

بالطبع المسلمون في غانا يعانون من مظاهر تمييز واضحة وخصوصاً الالتحاق بالكليات والجامعات، وفي تخصصات معينة كالطب والهندسة، وهو إرث استعماري بغيض، فقد يُجبر المسلم على تغيير اسمه ليلتحق بهذه الكليات، أما فيما يخص العبادات والشعائر الدينية فالدستور في غانا علماني لا يفرق بين مسلم وآخر في أداء الشعائر، ولا يوجد أي قيود على الصلاة أو بناء المساجد أو المراكز الإسلامية، بل إن الدوله تقدم دعماً للمساجد ما دامت تحظى بطابع رسمي ومسجلة لدى الحكومة.

 

* عانت دول إفريقية كثيرة مما أُطلق عليه "الحرب على الإرهاب" كيف واجهتم هذا الأمر؟

لم تتأثر غانا بشكل كبير إزاء ما يُسمّى "الحرب على الإرهاب"، ولم يُفرض على المسلمين في البلاد قيود، وأخفقت حملات التحريض على المسلمين، وهذا يعود إلى العلاقات المتميزة التي تحكم المسلمين هناك بالنصارى والوثنيين، وهو ما كان له عامل كبير في عدم وجود تأثيرات سلبية على المسلمين في البلاد ولا الموطنين بشكل عام.

 

تحدٍ, كبير:

* يعدّ نقص الوعي الديني من المشاكل التي تقضّ مضاجع المسلمين في إفريقية هل يتكرر السيناريو في غانا؟

نعم وهذا يعود إلى حزمة من الأسباب يأتي في مقدمتها نقص الإمكانيات المادية، وندرة وجود العلماء والدعاة القادرين على تنمية الوعي الديني لدى المسلمين، والنقص الحاد في أعداد المصاحف والمراجع التي تتحدث عن مبادئ الإسلام وعبادته، وهذا ما يفرض علينا تحديات كبيرةº لمعالجة هذه المشكله المزمنة.

وقد نجحنا عام 1985 في إنشاء المجلس الأعلى للدعوة والبحوث الإسلاميةº للمساهمة في إخراج كوادر قادرة على حمل لواء الدعوة، ونشر الثقافة الإسلامية، واللغة العربية في القارة الإفريقية، وإيجاد روافد جديدة من الدعاة القادرين على تربية الأجيال الصاعدة بصورة بناءةº لتنشئتهم تنشئة سليمة ليكونوا قدوة للأجيال الشابة، ولهذا المعهد أفرع ثلاثة: في كوماس وتمبالي والعاصمة أكرا، وقد نجحت المعاهد الملحقة بالمجلس في إخراج أكثر من عشر دفعات متخصصة في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ولا يكتفي المجلس بذلك بل إنه يسعى لغرس التمسك بالكتاب والسنة النبوية، ومقاومة المذاهب والفرق المشبوهة والمناوئة للإسلام.

 

* لكن هل تقف مهام المجلس وفروعه عند هذه المهام؟

بالطبع لا، فهناك دور دعوي آخر يتمثل في بناء المساجد والمراكز الإسلامية في معظم أنحاء غانا، وإقامة الدورات والمعسكرات الشرعية، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، فضلاً عن كفالة الدعاةº لتفريغهم للعمل الدعوي.

كما أن للمجلس دوراً اجتماعياً يتمثل في إقامة مشروعات لكفالة الأيتام، وكفالة طلبة العلم العاجزين عن دفع المصروفات، ومشاريع إفطار الصائم، والرعاية الصحية، والأضاحي، وحفر الآبار.

 

* ولكن هل هذا الدور يكفي لتخريج كمٍ, مناسب من الدعاة أم أن الأمر يحتاج إلى دعم عربي وإسلامي؟

نحن بحاجة شديدة لهذا الدعم عبر مضاعفة المنح المقدمة لطلاب غانا في الجامعات الإسلامية، فعدد المنح العشر التي نحصل عليها سنوياً ليست كافية على الإطلاق، ونطالب بمضاعفتها خصوصاً أن الدولة لا تقدم أي دعم في هذا المجال، وهذا ما يضاعف التحدي أمامنا في ظل تنامي أعداد الجمعيات التنصرية المشبوهة التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، ولا همّ لها إلاّ تذويب هوية مسلمي غاناº مستغلةً غياب العمل الدعوي بصورة مكثفة بالمقارنة بما كان في السابق.

 

الزحف التنصيري:

* لكن هل حقق هذا الزحف التنصيري نتائج ذات أهمية خصوصاً في أوساط المسلمين؟

لم تفلح جماعات التنصير في تحقيق نتائج مهمة على الساحة في غانا، خصوصاً في أوساط المسلمين لدرجة أنه قد يئس الكثير من هذه المؤسسات من تحقيق نجاحات في أوساطنا، فركزت على التنصير في مناطق الوثنيين واللادينيين خصوصاً جمعية مادرتس الكاثولوكية التي ينتشر مناصروها في جميع أنحاء البلاد، وعلى الرغم من الإمكانيات المالية الكبيرة التي تتمتع بها هذه الجماعات المشبوهة، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المسلمون، وضعف الوعي الديني لديهمº إلاّ أن هذه الجماعات لم تنجح في اختراق صفوف المسلمين، بل على العكس تماماً فهناك إقبال من جانب نصارى غانا على اعتناق الإسلام، بل إن أكبر قسيس في غانا قد أعلن إسلامه في الفترة الأخيرة في ضربة قاضية لم تستطع هذه المنظمات الإفاقة منها حتى الآن.

 

* وماذا عن التواجد الإسلامي للتصدي لهذا الزحف التنصيري؟

الوجود الإسلامي محدود للغاية، ويقتصر على لجنة مسلمي إفريقية، وجمعية إحياء التراث الكويتية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وعلى الرغم من تأثر أنشطة هذه المؤسسات الخيرية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أطلق عليه الحرب على الإرهابº إلاّ أن هذا الوجود قد بقي ووطد من الصلات بين المسلمين في غانا والعالم العربي، فضلاً عن تفاعل مسلمي غانا الإيجابي مع هموم الأمة عبر خروج مظاهرات منددة بالرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتصريحات بندكت السادس عشر ضد رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply