من المفارقات الحالية أن معظم الجهود التي تبذل في قضية المرأة تكون بمبادرات غربية تتجه نحو العالم الإسلامي، وتحاول فرض رؤية واحدة، ونمط حياة معينة، تصب في خانة العولمة الفكرية والثقافية والسياسية.
والدراسات والأبحاث المتعلقة بالمرأة من وجهة النظر الإسلامية كثيرة، لكن يبدو أن هناك نقصاً في دراسة المجتمعات الإسلامية دراسة واقعية وإسلامية، وعرض مشكلاتها وأسبابها، واقتراح الحلول المناسبة لها·
ويأتي هذا البحث الذي قدمه الطالب "مامادو لمين إبراهيم سار" (من السنغال)، وحصل به على الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام الأوزاعي، ليسلط الضوء على قضية المرأة السنغالية في ضوء الفكر الإسلامي، ويناقش واقعها، ويعرض مشكلاتها، ويقترح الحلول المناسبة، ويسدّ ثغرة في المكتبة الإسلامية، تتعلق بهذا المجال·
وحاول البحث الذي جاء تحت عنوان "المرأة المسلمة في السنغال··· بين الواقع والممارسة في ضوء الفكر الإسلامي"، استقراء وضع المرأة في ذلك البلد الأفريقي من حيث الواقع والتصورات في الموروث الثقافي التقليدي، وفي قانون الأسرة، وفي الأطاريح الدينية المختلفة، وليرصد الترابط بين هذه التصورات وبين الممارسة التي تنطلق من المرأة أو إليها، على أن يكون التصور الإسلامي معياراً للتقويم والترجيح·
منهجية البحث
يقوم البحث على المنهج الاستقرائي التاريخي للكتب والمراجع التي تناولت توثيق مسيرة المرأة الأثيوبية، وللمراجع الإسلامية، وهو بحث نظري استخدم فيه الباحث مقابلات مع علماء مهتمين في العمل العام أو مختصين في مجال البحث· واعتمد الباحث أيضاً على الملاحظات الواقعية للظواهر الاجتماعية·
والسنغال كان خاضعاً لأمبراطوريات ذات عقيدة وثنية، ثم وصل إليه الإسلام حاملاً مفاهيم عقدية واجتماعية، ودخلت فيه الشعوب أفواجاً، ثم تلا ذلك غزو استعماري ترك بصماته على جوانب عدة من الحياة، وتداخلت هذه الخصائص التقليدية والدينية والسياسية في تشكيل بنية فكرية اجتماعية في السنغال رغم تناقضاتها المتنافرة·
وقسم الباحث عمله إلى ثمانية فصول، سبقها فصل تمهيدي يتناول المقدمة ومنهجية البحث والمدخل، وحمل البحث الأول عنوان "المجتمع السنغالي"، والثاني "المرأة السنغالية قبل دخول الإسلام"، والثالث "المرأة السنغالية بين الموروث والقانون والشريعة"·
وجاء الفصل الرابع تحت عنوان: "دور المرأة في الحياة الأسرية>، والخامس تحت عنوان: "المرأة السنغالية أمام إشكاليات معاصرة"، والسادس تحت عنوان: "انعكاسات ظاهرة الهجرة والنزوح على واقع المرأة"، والسابع تحت عنوان: "دور المرأة السنغالية في المقاومة الوطنية"، والأخير "المرأة السنغالية المسلمة والعمل الدعوي"·
بين الاستعمار والدعوة الإسلامية
أوضح الباحث أن الاستعمار الفرنسي خلَّف آثاراً كبيرة على المرأة السنغالية منها الاسترقاق لها ولزوجها، والتهجير القسري، والحرمان من الحقوق السياسية التي كانت تتمتع بها، وذكر أن هناك غزواً فكرياً تشهده البلاد يهدف إلى:
1 ـ مسخ الهوية الدينية للمرأة·
2 ـ بث إعلام مسموم باسم الفن والحداثة·
3 ـ ترويج اللباس الفاضح للعورات·
4 ـ إبدال اللغة الفرنسية باللغة الأم·
5 ـ الاستغلال التجاري لجسد المرأة في الإعلانات التجارية·
وأوضح الباحث أن الدعوة الإسلامية القائمة في السنغال سعت إلى توعية النساء بأخطار ذلك الغزو الثقافي والتأثير في مجالات عدة منها:
1 ـ تصحيح العقيدة.
2 ـ محو الأمية.
3 ـ التوعية باللباس الإسلامي.
4 ـ الالتزام بالدروس والنشاطات الإسلامية.
5 ـ عدم الاعتداد بالفئات الاجتماعية الطبقية·
6 ـ الإسهام في الدور التربوي الأسري·
نتائج البحث
توصل الباحث السنغالي إلى عدد من الأمور منها:
1 ـ أن المرأة نالت كرامة متميزة في الفطرة السليمة والأديان السماوية، ولا سيما الإسلام.
2 ـ لم تعرف المرأة في أي فترة من التاريخ حرية وتقدير واعتبارات مثلما نالته في الإسلام·
3 ـ أن المجتمع السنغالي تركيبة معنية من جماعات لغوية تختلف عاداتها وتقاليدها كما عرف التقسيم الطبقي، وتأثرت المرأة بهذه العادات، واختلف وضعها والنظرة إليها من قبيلة إلى أخرى.
4 ـ أن الإسلام هو أهم جامع مشترك بين القبائل والجماعات اللغوية، حيث إن 59% من السكان مسلمين، وقد أسهم الإسلام في ترسيخ الوحدة الوطنية والتقليل من النعرات الطائفية والحساسيات القبلية.
5 ـ كان المجتمع السنغالي قديماً ينظر إلى المرأة نظرة إنسانية فلم يعرف الوأد، أو أي صنف من أصناف التعذيب الجسدي على أساس جنس المرأة، لكن ذلك لم يمنع أن تتعرض المرأة للبيع والاسترقاق.
6 ـ كانت المرأة ترث من أمها فقط، ولم تكن ترث الأراضي والعقارات، وجاء الإسلام وأعطاها حقوقها كاملة في الميراث.
توصيات وضرورات
بعد أن عرض الباحث لمجمل فصول الدراسة، خلص إلى نتائج مهمة تسلط الضوء على الأمور الواجب اتخاذها وتطبيقها لتفعيل دور المرأة السنغالية في المجتمع، ومن هذه التوصيات:
1 ـ العمل على تمتين العامل الديني في السنغال بالتربية من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية كونه أهم جامع مشترك بين الشعب السنغالي·
2 ـ دعوة الدولة إلى وضع سياسة وطنية لتطوير شؤون المرأة وفق خطة واقعية تنطلق من واقعها الاجتماعي والديني والثقافي بعيداً عن الارتجالات والإملاءات الخارجية·
3 ـ مراجعة قانون الأسرة في السنغال والمبادرة إلى تشريع جديد وقانون ملائم لتطلعات الشعب وفق المنهج الإسلامي·
4 ـ على أئمة المساجد ـ حيث يلجأ الناس لعقد زواجهم ـ إعداد سجلات خاصة للعقود التي يعقدونها وتحرير وثائق في ذلك للإثبات·
5 ـ على العلماء المسلمين شرح الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، والتي يترتب عليها تطبيق مخالف للشريعة الإسلامية·
6 ـ السعي إلى محو الأمية بين صفوف النساء، وبناء المدارس في شتى المناطق·
7 ـ دعوة الحركات الإسلامية والجمعيات الدينية إلى تفعيل الأنشطة الخاصة بالنساء، وعقد المنتديات واللقاءات والندوات الخاصة بهذه الشريحة الكبيرة من المجتمع وتوجيهها نحو أداء فاعل في شتى جوانب الحياة·
8 ـ الاهتمام بالجانب التربوي الذي تؤديه المرأة ضمن أسرتها من حيث تنشئة الأبناء وحسن رعايتهم وغرس المفاهيم الإسلامية فيهم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
طلب الاطروحة: المرأة المسلمة في السنغال... الواقع والممارسة لمامادو لمين ابؤ=راهيم سار
15:39:24 2020-03-31