هولندا ومواجهة العنصرية ضد المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عادة ما يأتي خطاب ملكة هولندا في كل عام - وتحديداً في خلال ما يسمى بأعياد الميلاد - في جو من الاحتفالات، ما يعتبره البعض فرصة للتلهّي واللهو وهدايا الميلاد، ففي مثل هذه المناسبات ينسى الهولنديون كل همومهم ليرتاحوا من رتابة العمل إلى المتعة بعد سنة صاخبة، فسياسياً شغل الحديث عن الإرهاب عالم الإعلام والسياسة، وبدا الوضع في هولندا مشحوناً ضد الأجانب - وخاصة المسلمين منهم -، وتتالت القوانين والتشريعات التي تحد من حرية الفرد وحقوقه تحت غطاء محاربة ما يسمى بالإرهاب والأصولية.

وجاء خطاب الملكة الموسمي الوحيد خلال نهاية هذه السنة - حسب الدستور الهولندي - على أن لا يتطرق إلى الحياة السياسية، إلا أن خطابها هذه المرة تضمن فقرات سياسية واضحة، حيث أكدت على احترام الأقليات، واحترام العقائد وثقافات الآخرين، ووجهت نداءً من أجل التسامح والسلام، مؤكدة على رفض ونبذ العنف اللفظي والفعلي اللذين يمسان من تقاليد هولندا الديمقراطية، ويهددان السلم الاجتماعيº في إشارة نقد واضحة "لخيرت فيلدرس" وحزبه الذي انتهج مواقف حادة ومستفزة تجاه الأقلية المسلمة، عندما اعتبر الوجود الإسلامي "تسونامي" يضرب هولندا وأوروبا، وطالب المسلمين بالتخلي عن نصف القرآن الكريمº لكي يستطيعوا العيش في هولندا، وطالب بحظر تداول المصحف الشريف حتى في المساجد والدوائر الدينية، وأنتج فيلماً تلفزيونياً مستفزاً حول القرآن الكريم يتوقع عرضه في غضون أشهر في قنوات تلفزيونية هولندية عامة وخاصة، وعلى "الانترنت".

ويعتبر هذا الفيلم تتمة لفيلم "الخضوع" الذي صدر العام 2004م للمخرج السينمائي "ثيو فان خوخ"، والكاتبة البرلمانية السابقة "أيان هرسي علي" التي اتهمت الإسلام بأنه يحض على العنف ضد المرأة، وتطرق الفيلم لسوء معاملة النساء في الإسلام، وبين مشاهد أجساد نساء عاريات كتبت عليها آيات قرآنية، وبعد ثلاثة أشهر من عرض الفيلم اغتيل "ثيو فان خوخ" على يد شاب مغربي، وتلت هذه الحادثة ردود أفعال كثيرة تفاقم الوضع الأمني على إثرها، وسجلت أكثر من مائتي حادثة ضد المسلمين تنوعت بين الشتم في الطريق العام، والاعتداء على المحجبات، وإحراق المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية.

إلا أن "فلدرس" هذه المرة انتقد خطاب الملكة الأخير الخاص بأعياد الميلاد لتضمنه محتوى سياسي موجه ضد حزبه، واعتبر الملكة شخص لم يُختر، ولا يمكن محاسبته سياسياً، ولذلك طالب بتعديل الدستور ليضع حداً لتدخل الملكة في الحياة السياسية، وعزلها عن شئون الحكومة.

وقد أثار "فلدرس" بهذا الموقف استياء الأحزاب والتيارات الأخرى الليبرالية واليمينية، ومن جانبه قال رئيس الحكومة "بلكننده": إنه موافق على ما جاء في خطاب الملكة، وسيدافع عنه، واتهم "فيلدرس" بالعمل لغير مصالح هولندا الداخلية والخارجية.

ومن هنا فقد جاء خطاب الملكة أشبه بـ"تسونامي" مضاد لما يدعيه دعاة الديمقراطية في هولندا، وكان كذلك مضاداً في الوقت نفسه لمحاولات "لثني فلدرس" وأمثاله عن الإساءة إلى الإسلام بكتابات وأعمال فنية مستفزة، ومتزامناً في الوقت نفسه مع تحذير الاستخبارات الهولندية من تدهور أمني في البلاد بعد رصد تحركات غاضبة من جمعيات ومراكز ومؤسسات إسلامية تدعو إلى الاحتجاج ضد عرض "الفيلم" المشار إليه الذي يعد انتهاكاً ضد حقوق المواطنة لأكثر من مليون مواطن مسلم هولندي، بل ويهين أكثر من مليار مسلم في العالم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply