الهوية الدينية لمسلمي السويد


  

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا سلطنا الضوء على وضع المسلمين الحالي بدول الإتحاد الأوروبي الـ 27، فإن الأرقام تشير إلى أن عددهم يزيد عن 35 مليونًا، ويمثلون نسبة 7% من الإجمالي العام لسكان المنظومة الأوروبيةº بحيث يمكن القول إنهم يشكلون ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية في دول الإتحاد الأوروبي، وهم يمثلون أيضا حوالي 6% من مجموع السكان في السويد، ويصل تعداد المسلمين إلى نصف مليون، والغالبية العظمى هي من الشباب.

العجيب أن بعض من يتصدى للحديث عن الإسلام في السويد يقوم بذلك من خلال اجتهادات شخصية، غير مبنية على حقائق رقمية، مثل أن عدد المسلمين في السويد 200 ألف، ونحن لا ندري ماذا يعني هذا الرقم، حيث تشير الإحصائيات الرسمية أنه يقيم في السويد أكثر من 150 ألف عراقي مسلم و 50 ألف بوسني و 25 ألف صومالي و 48 ألف تركي و 20 ألف لبناني و 18 ألف فلسطيني و 20 ألفا من دول شمال أفريقيا و 60 ألف إيراني، ولو أضفنا لهم 10 ألف سوري، و 7 ألف مصري، و6 ألف بنجلادشي 5 ألف باكستاني و5 ألف أفغاني و 3 ألف أردني و4 ألف إرتيري و 3 ألف أثيوبي ولو سلمنا جدلا انه من باقي دول أسيا يتواجد 10 ألف ومن باقي دول أفريقيا 15 ألف، ومن المهتدين الجدد 10 ألف يكون العدد قد تخطى النصف مليون من أصول مسلمة.

الجدل العقيم القائم على فرضية أن غالبية هؤلاء علمانيون وملحدون وغير ملتزمين بالتعاليم الدينية والتباهي بالعدد غير مقبول ولذلك يضع كل شخص رقما حسب قناعاته الشخصية.

من الأمور التي لا تقبل الجدل أن المسلمين جميعا يعانون من أنواعًا شتى من الظلم والتعدي على حرماتهم ومعتقداتهم و مقدساتهم ويعانون من شتى أصناف البطالة ومن من التمييز العنصري والإنكفاء على الذات و إهمال التربية الإسلامية التطبيقية في حياتهم اليومية، ولكنهم بالغالب موحدون.

تقوم المؤسسات الإسلامية بالسويد بتقديم خدمات دينية وقرآنية متواضعة لأبناء المترددين عليها، من خلال دروس يعطيها الإمام و دورات لتعليم فن التلاوة ويوجد عدة مدارس داخلية أنشأها الأتراك لتدريس القرآن لأبنائهم وأنشأت الرابطة الإسلامية مؤسسة قارئ القرآن الكريم، والتي أعلنت عن مسابقة لحفظ القرآن الكريم في هذا العام، وهناك جهود فردية كبيرة يقوم بها أئمة متجولون.

العمل القرآني المنظم تشوبه الكثير من الشوائب، خصوصا عند تركيز الجمعيات الإسلامية على فتح المصليات وتوظيف إمام راتب للصلوات الخمس ليس لدية مؤهلات لغوية ولا قدرات تعليمية والطلب منه القيام بدور المدرس القرآني والمربي الناجح للأجيال التي ولدت وترعرت بالسويد وأصبحت اللغة السويدية هي لغة التخاطب اليومي التي لا يحسنها الإمام ولا مدرس القرآن الكريم في الغالب ويشتكي بعض الطلبة من قساوة الإمام أو مدرس القرآن الكريم واستخدامه لغة الضرب والشتم في التربية والتعليم في مجتمع يعتبر رفع الصوت على الصغير تعدي يوجب المسائلة القانونية، فكيف بنا بمدرسين للقرآن الكريم يستخدمون لغة الضرب لإيصال المعلومة، و لتأكيد ذلك سجل بعضهم انفعالات الأئمة ورفعوها للمسؤولين في الجمعيات لتغير أسلوب التعليم التنفيري.

وتعد مسألة تعهد القرآن الكريم والسنة المطهرة من بين المسائل التي تبحث عن حل لدى المهتمين بشؤون الأقلية المسلمة، فالواقع يقول إن الجمعيات الإسلامية تعاني من شح الموارد المالية وعاجزة عن تأمين راتب يغطي حاجة مدرس للقرآن الكريم ويضطر للبحث عن مصدر خارجي لتغطية حاجاته المعيشية ونجد اليوم عشرات من خريجي الكليات الشرعية يمتهنون الأعمال الخدمية ولا يستفاد من هذه الكفاءات إلا فيما ندر.

والمؤسسة الرسمية الوحيدة المعلن عنها وهي مؤسسة قارئ القرآن والتي أسستها الرابطة الإسلامية في السويد تشتكي من قلة الموارد المالية.

ومن هنا نجد أن استمرار الوجود الإسلامي في السويد لا يستمر فقط في محاكاة وتقليد عادات الغرب في التعامل مع الشؤون الدينية مثل تأسيس حركة سلام إسلامية على نمط حركة السلام المسيحية، لأن في ذلك رضى وقبول من مجتمع الأكثرية، وتناسى البعض أن كل الإسلام هو رحمة وسلام ولا يحتاج إلى حركة سلام لإثبات مصداقية هذا الدين.

نحن لا نقلل من عمل الآخرين ولا نشكك بحسن نواياهم، ولكن الرجوع للمنبع الصافي يعكس حقيقة الإسلام وكنت أتمنى أن يضع المسلمون إلى جانب هذه الفعاليات مسألة إنشاء أكاديمية متخصصة للقرآن الكريم والسنة المطهرة، تجمع بين العلم الشرعي والعلم المدني، تعمل على تعهد المتميزين وتقوم بتخريج أجيال تحفظ كتاب الله وتفقه آياته ومعانية، وقادرة على تعليمه لغيرهم ونقل ترجمة معانية لأقرانهم بلغاتهم وبأسلوب يمس شغاف القلوب، أقول ذلك بعد أن حرمت المدارس النظامية الإسلامية من تبني منهج قرآني لأن ذلك يخالف قانون علمانية التدريس ويقومون بتدريس الدين من خلال مادة تاريخ الأديان.

يعاني التلاميذ المسلمين بشكل عام تدهور بالوضع التعليمي الديني، فهم لا يمتلكون مؤهلات دينية ولغوية مقبولة، كما أنهم لا يتعهد القرآن الكريم حفظا وتلاوة.

وعلى سبيل المثال لا للحصر نجد اليوم شرائح من المهاجرين تتمسك بهويتها القومية الدينية ولا تولي القرآن الكريم العناية التي يستحقها ويكتفي الإمام بتلقين الأطفال الفاتحة وقصار الصور، ونتج عن ذلك إهمال التربية القرآنية للناشئة وهذا الحال يؤثر على مستقبل الإسلام في هذه البلاد.

والسويد تعد من البلدان القلائل في أوروبا التي تعجز عن إرسال متسابقين شباب للمشاركة بالمسابقات القرآنية والتي تجري سنويا بمختلف الأقطار الإسلامية، ونحب أن نبشركم أننا قمنا بحمد الله وبجهود الفرد المقل وبالتعاون مع مجموعة من ذوي الاختصاص بوضع النواه الأولى لأكاديمية علمية للإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة المطهرة في السويد، تتعهد الطالب من سن السادسة وتترك له الخيار للمتابعة في الكلية الشرعية للإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة المطهرة، بعد التخرج من الثانوية العامة أو الالتحاق بالجامعات العلمية وهم في الحالتين سفراء للكلمة الطيبة وتم وضع المناهج للأكاديمية واشرف على إعدادها البرفسور أنيس الراوي المتخصص في مجالات الإعجاز العلمي.

وقع الاختيار على موقع شمال العاصمة يصلح لإقامة هذه الأكاديمية والتي ستخرج بعون الله شباب يجمعون بين العلم الشرعي والعلم المدني ويتقنون اللغة السويدية والعربية وستكون الأولوية للمتميزين من أبناء المسلمين الجدد وأبناء الجاليات الإسلامية.

وسيتمكن الطالب خلال سنوات دراسته من حفظ كتاب الله وفهم واستيعاب معانية باللغتين العربية والسويدية وفهم واستيعاب السنة المطهرة والتاريخين الإسلامي والسويدي، ويمكن الطالب من ممارسة فن الخطابة والمحادثة والحوار مع الغير وفن السيطرة على النفس وكضم الغيظ، وفن تعليم الابتسامة والصفح عن الآخرين وبذلك يجمعون صفات القادة الميدانيين الذين يثبتون أركان الإسلام ويكونون سفراء لهذه الحضارة العريقة ونحن نتمنى أن نجد من يتعاون معنا للإسراع بتنفيذ هذا المشروع الكبير لخدمة القرآن الكريم والسنة المطهرة في هذه البلاد حتى يلعب الخريجون دورًا مهمًا في تحسين صورة الإسلام ولتثبيت جذوره في المجتمع وستكلل أعمالهم بالنجاح بعون الله، فهم يجمعون بين الثقافتين وهم الضمانة التي بواسطتها يحيا المسلمون مع غيرهم في أمن وسلام اجتماعي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply