في الحلقة السابقة توقفنا عند ما أظهره مسلمو المورو من شجاعة وبسالة في مقاومتهم لغزو جحافل الجيوش الغازية الأسبانية ثم الأمريكية، وكيف حققوا نجاحاً عظيماً في الحفاظ على هويتهم الإسلامية، واليوم نستكمل المسير.
***
أدركت أمريكا عبث المحاولات التي تقوم بها للسيطرة على مناطق المسلمين فلانت وعقدت معاهدة مع المسلمين، أبدت فيها احترمها لدينهم وأسلوب حياتهم، وتكونت لهم دولة تحت الإدارة الأمريكية، وازدهرت المدارس، ومظاهر الحياة الإسلامية عموماً، وبذلك استطاعت الولايات المتحدة بهذا المخطط الخبيث دخول المناطق الإسلامية. إلا أن الحاكم العام الأمريكي جعل المسلمين تابعين لوزارة الداخلية الفلبينية عام 1354 هـ في الفترة الانتقالية التي سبقت الاستقلال.
وظل الحال كما هو عليه بالنسبة للمسلمين، فالاستعمار كله واحد ونظرته الصليبية إلى الإسلام واحدة، فاستمروا في مقاومتهم للحقد الصليبي أينما كان، وقد علمنا ما أصابهم أيام الأسبان، وعزلت المناطق الجنوبية عزلاً، وأهملت إهمالاً واضحاً الأمر الذي أدى إلى تأخر المسلمين بالنسبة إلى النصارى الذين يدعمهم الاستعمار الصليبي، وكان التعليم تحت إشراف البعثات التنصيرية مما جعل الثقافة الإسلامية تتدهور، بل ويسود الجهل بين أبناء المسلمين.
وهكذا تداعت الأكلة إلى قصعتها، ففي عام 1362هـ - 1943م احتل اليابانيون المناطق الإسلامية، وهبَّ المسلمون لمقاومة الغزاة الجدد، فتعرض المسلمين على يد اليابانيين لما لم يتعرضوا له من قبل من صنوف الظلم والتعذيب والاضطهاد، وحملات إبادة، واستطاع اليابانيون طرد الأمريكيين.
ولأن الأفعى لا تموت إلا إذا قطعت رأسها فقد نجح الحاكم العام الأمريكي في العودة عام 1363هـ، فحارب اليابانيين مدعوماً من أهل البلاد - الذين عانوا من الاضطهاد والظلم الوثني ممثلاً في الغزو الياباني- حتى هُزمت القوات اليابانية أخيراً، وتمكنوا من طرد اليابانيين عام 1364هـ، وقد قاتل المسلمون في هذه المدة قتالاً عنيفاً واشتركوا في كل مراحل التحرير.
وبعد الحرب العالمية الثانية أعلنت الحكومة الأمريكية استقلال البلاد بما فيها الجزر الجنوبية، وكان ذلك عام 1366هـ-1946م، وأصبح الحكم فيها جمهورياً كما في أمريكا، وأصبح لديهم مجلس للنواب يضم 102 عضو بينهم 2 فقط من المسلمين، بينما يضم مجلس الشيوخ عضواً واحداً من المسلمين، أما مجلس الوزراء فحدث ولا حرج فلا يضم سوى وزيراً واحداً من المسلمين يحمل حقيبة وزارة الأقليات باعتبار أن المسلمين يمثلون أكبر أقلية في البلاد.
وكان أيضاً في تلك الفترة في البلاد حزبان، إلا أن رئيس الجمهورية حينها أعلن الأحكام العرفية وجمد الأحزاب، ثم أعلن إلغاءها.
سلمت زمام الأمور لحكومة نصرانية على رأسها رئيس من الكاثوليك، وتفنن القساوسة في تأليب الحكومة على المسلمين، فاضطر المسلمين لرفع راية الجهاد مرة أخرى، في حين صدر قرار ضم الجزر الجنوبية المسلمة إلى هذه الحكومة الصليبية من جانب أمريكا.
وهكذا أخذت الحكومة الصليبية الكاثوليكية تضغط على المسلمين، فتراجع الإسلام في الفلبين عموماً في الجزر المسلمة، ولم يبق له من مناطق نفوذه القديمة إلا جنوبها في ميندناو، وأرخبيل صولو وما جاورهما من جزر.
توزع عدد من المسلمين في أنحاء البلاد المختلفة، وكانت أراضي المسلمين تمثل 55% من إجمالي مساحة البلاد، تناقصت على أيدي الأسبان إلى 40.5%، وعلى أيدي الأمريكيين إلى 32%، وعلى أيدي اليابانيين إلى 17.5%، فيما وصلت على يد الحكومة الصليبية الجديدة في عهد الاستقلال إلى 12%.
ولم يكن الوضع بأفضل من سابقه بالنسبة للمناطق ذات الغالبية المسلمة، فقد كان المسلمون يسيطرون على حوالي 92% من مجموع مساحة ميندناو، فتضاءلت هذه النسبة إلى 38%، وتعمل الحكومة بصفة مستمرة جاهدة على تجريد المسلمين من أراضيهم كلية حتى الآن، وتعمل على توطين مزارعين صليبيين، وبذلك يزداد عدد اللاجئين والمشردين بدعم من أمريكا واليابان بمختلف الوسائل و الطرق.
ومما لا يخفى على أحد من أهل العلم بأمور تلك البلاد أن لأمريكا أكثر من 50 قاعدة ومطاراً جلها في المناطق المسلمة.. !
هذا وقد أدت الظروف القاسية التي تعرض لها المسلمون إلى تأخرهم علمياً وفكرياً واجتماعياً.
مع مطلع القرن العشرين لاحت لهم انفراجة باتصالهم بالعالم الإسلامي وخاصة بالدولة العثمانية آنذاك، وبمصر، عندما دعا السلطان عبد الحميد لفكرة الجامعة الإسلامية، فزارها مبعوث منه عام 1331هـ، ثم تتابع عليها الزوار المسلمون من بعض الدول العربية.
وقام المسلمون حينها بتأسيس الجمعيات التي عملت على تدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية، فانتعشت أحوالهم عن سابقها إثر الحرب العالمية الأولى عام 1333-1337 هـ \1914-1918 م.
وبالرغم من هذا التطور الملموس أبت الأفعى إلا أن تبث سمهاº حيث استمرت حركة صليبية حاقدة تولت كبرها راعية الحرية المزعومة الولايات المتحدة الأمريكية للعمل ضد المسلمين بالتنصير والتهجير والتشريد.. !
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد