نعلم أن المسلمين عاشوا في الأندلس حياة رغدة ومنعمة، الأمر الذي أضعف همتهم وأرخى نفوسهم وأوهن من عزمهم فمالوا إلى الراحة وأضاعوا الجهاد، والأصل في المسلمون أنهم في جهاد دائم حتى يزول الظلم عن العالم كله وينتشر السلام والإسلام، والأمة المجاهدة لا تعرف إلا حياة الجد، فلما مال مسلمو الأندلس إلى الرفاهية تخاذلوا، وكانت أوروبا تتحين الفرص للإجهاز عليهم حتى تمكنت منهم في النهاية.
وبعد أن نقلت ساحة المعركة أكثر من مرة من المشرق إلى المغرب، شعرت أوروبا بنشوة النصر وانطلقت وراء المسلمين، وكان رأس حربتها الأسبان والبرتغاليون، وقد توجه الأسبان غرباً بعد أن اعتقدوا بإمكانية الوصول إلى شرقي بلاد المسلمين في سبيل حصار المسلمين من كل جهة والتضييق عليهم.
وقد اقتنع بهذه الفكرة الملاح البرتغالي ماجلان - الذي كان في حقيقة أمره كبيراً للمنصرين- فعرض فكرته على ملك أسبانيا، فشجعه بدوره للقيام بهذه المؤامرة الخبيثة، بل وقدم له كل ما يلزم لتسهيلها.
غادر ماجلان وسار بمراكبه على سواحل أمريكا الجنوبية الشرقية، ثم أبحر إلى المحيط الهادي، حتى وصل إلى تلك الجزر التي عرفت فيما بعد باسم "الفلبين" وكان ذلك عام 927هـ، ولقد استمرت رحلته عاماً وسبعة أشهر، واستسلم في نهايتها لليأس وظن أنه قد وصل إلى جزر التوابل، وهي جزر الملوك في إندونيسيا ولكنه سرعان ما تبين أن الأرض التي رست سفنه عل شواطئها ليست التي قصد.
قبل قدوم الأسبان إلى جزر الفلبين كان أهلها منقسمين إلى كيانات صغيرة على رأس كل منها حاكم، وعندما أتى ماجلان إليها اتفق مع حاكم جزيرة "سيبو" على أن يدخل في النصرانية الكاثوليكية مقابل أن يكون ملكاً على جميع الجزر تحت التاج الأسباني، وأخذ ماجلان يعمل على تمكين صديقه من السيطرة على بقية الجزر.
ثم انتقل الأسبان إلى جزيرة أخرى بالقرب منها عليها سلطان مسلم يدعى "لابولابو" ولما علم الأسبان بإسلام حاكم الجزيرة طاردوا أهلها، وسطوا على طعام أهلها فقاومهم الأهالي، فأضرم الأسبان النار في أكواخ السكان وفروا هاربين.
إلا أن الحاكم المسلم "لابولابو" لم يستسلم وحرض سكان الجزر الأخرى على ماجلان، وأخيراً هجم بنفسه على ماجلان وقتله بيده وشتت شمل فرقته، ورفض تسليم جثته للأسبان، ولا يزال قبره شاهداً على ذلك هناك.
انسحب الأسبان من تلك الجزر بعد هزيمتهم ومقتل قائدهم، تابع "دل كانو" نائب ماجلان الطريق، فوصل إلى أسبانيا عام 928هـ.
بعد ذلك بعثت أسبانيا 4 حملات متتابعة، ومن سوء حظ هذه الحملات أنها رست على شواطئ "جزيرة ميندناو" حيث المسلمين كُثر فقتلوا أفراد الحملات جميعاً وقد كان ذلك بين عامي 949-950هـ.
بعد الإبادة المتكررة للحملات الأسبانية، بدأ الغزو الأسباني الحقيقي عام 973هـ، وقد أعلنوا صراحة بأن هدفهم توسعة رقعة الممتلكات الأسبانية، وتنصير سكان البلاد التي يحتلونها.
وصلت الحملة الأسبانية الكبيرة إلى تلك الجزر واستولوا عليها وأقيمت محاكم التفتيش، وكانت تابعة لمحكمة مكسيكو بالمكسيك، حيث أخذت تتبع المسلمين وتقضي عليهم.
وفي نفس العام حصل قائد الحملة على إذن من فيليب الثاني باسترقاق المسلمين لأنهم ينتمون لعقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما أُذن للكابتن "استبان رودر" بهدم المساجد ومنع إعادة بنائها في "ميندناو" و "صولو".
حاول الأسبان السيطرة على الجزر كاملة، فتم لهم ذلك في الجزر الشمالية، ولكنهم عجزوا عن إخضاع الجزر الجنوبية التي استعصت عليهم حيث صمد المسلمون من سكان هذه الجزر صموداً قوياً جعل معه الأسبان ييأسون نهائياً من السيطرة على المناطق الإسلامية هناك، لذلك انصرفوا إلى المناطق الأخرى يوطدون بها سلطانهم و يدعون فيها إلى النصرانية الكاثوليكية.
وظلت الحرب سجالاً بين الأسبان ومسلمي المورو - كما أطلق عليهم الأسبان هذا الاسم- ثلاثة أو أربعة قرون، وكانت سفن المسلمين المسلحة تقوم بمهاجمة السفن الأسبانية وتأسر الآلاف من الأسبان وتبيعهم في سوق الرقيق كرد فعل لما ارتكبه الأسبان من استعباد المسلمين ومحاولة تنصيرهم، وقد استطاع المورو المسلمون - رغم كل ما تعرضوا له- من الحفاظ على عقيدتهم وملامح الحضارة الإسلامية خلال تلك الفترة الحرجة العصيبة الطويلة من الاستعمار.
ولكن ماذا بعد...؟، هذا ما سنعرفه في لقاءنا القادم إن شاء الله - تعالى -، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد