"عندما تم تعيين اللورد أحمد أوف روثيرهام (نذير أحمد) في مجلس اللوردات في التسعينيات، تم الترحيب بهذه الخطوة على أنها إنجاز للمسلمين البريطانيين، إلا أن اللورد ستانلي أوف أدرلي وهو بريطاني اعتنق الإسلام سبقه بأكثر من مائة عام بتعيينه في المجلس نفسه تماماً مثل اللورد هيدلي الذي أعلن اعتناقه للإسلام عام 1913م، بالتالي فإن وجود المسلمين في الحياة الأكاديمية والوظائف العامة وفي أعلى درجات مجتمعنا ليس بالأمر الجديد، لكنه أمر نشيد به" تلك كانت كلمة الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا في خطبة ألقاها في الهيئة الإسلامية يناير2003م.
والحقيقة أن هذا الوجود خاصة في الحياة السياسية باهت وشاحب وضعيف ولا يجب أن نلقي اللوم على غيرنا، فالأمر بيد المسلمين إن أرادوا دخول معترك الحياة السياسية ولكنه يحتاج إلى عمل وجد وتضحيات، ولن يكون الطريق مفروشاً بالورود.
فالمسلمون موجودون في بريطانيا منذ قرون عديدة، ويشكلون ثاني أكبر ديانة في بريطانيا، وهم الآن يساهمون في نسيج ورفاهية المجتمع بطرق لا تعد ولا تحصى تتراوح ما بين المشاركة في الحياة الأكاديمية والمالية وفي مجال الطب والقانون والتعليم والصحافة والفنون الإبداعية.
ولكن هل يمكن أن يبقى المسلمون في بريطانيا متفرجون على الساحة السياسية، أم يجب أن يدخلوا لأنهم أصحاب منهج إصلاحي يحتاجه المجتمع، ثم للدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية للمسلمين؟
أول مدرسة:
لقد تم افتتاح أول مدرسة للمسلمين في بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر في ليفربول وهناك حالياً أكثر من110 مدارس للمسلمين في المملكة المتحدة، من بينها خمس مدارس تمولها الدولة، وتمت إضافة ارتداء الحجاب إلى الزي المدرسي للبنات المسلمات في عدد من المدارس الحكومية.
وقد أسست جامعتا أكسفورد وكامبريدج منصب بروفيسور باللغة العربية في القرن السابع عشر، وتم نشر أول ترجمة للقرآن الكريم عام 1764 المجتمع وهناك حاليا إحدى عشرة جامعة بريطانية تقدم دورات في الدراسات الإسلامية، وتم افتتاح أول مسجد في ووكينج عام 1889م وهناك حاليا أكثر من 1200مسجد.
كما يؤدي حوالي20 ألف مسلم بريطاني كل عام فريضة الحج كما تم تغيير قانون ضريبة التملك للعقارات عام 2003م لتجنب الدفع المزدوج في الرهن وفق الشريعة الإسلامية، وبالإضافة إلى ذلك فقد اهتم مسلمو بريطانيا بزيادة عدد مجنديهم في الشرطة البريطانية، وشكلوا جماعات للضغط السياسي من أجل الحصول على حقوقهم، كما انتعشت الإصدارات الإسلامية في الفترة الأخيرة، كذلك افتتح أول بنك إسلامي (1).
الصحوة السياسية:
في عام 2004م ظهرت ولأول مرة أهمية الصوت المسلم، حيث استثمر المسلمون أصواتهم في الانتخابات المحلية والتكميلية إضافة لانتخابات البرلمان الأوروبي عن طريق مرشحين لهم أو دعم مرشحين بعينهم، وساعد هذا الانخراط المسلم في إنجاح عدد من المرشحين وفي إخفاق البعض الآخر.
وكان المكسب الأكبر أن الحديث بدأ في الشارع السياسي البريطاني عن الصوت المسلم وتأثيره، لا سيما وأن عمدة لندن المدعوم من الأقلية المسلمة بدأ حملته الانتخابية من مسجد شرق لندن هذا العام ونجح في المحافظة على منصبه.
ويرى المراقبون أن المسلمين تمكنوا خلال عام 2004م من تجاوز مرحلة جواز التصويت من عدمه، وأن ما ينقصهم هو بعض التثقيف السياسي والتخطيط بصورة أفضل لمشاركتهم السياسية.
وفي عام 2005م زاد المشتركون في الساحة سواء بترشيح أنفسهم، أو بالإدلاء بأصواتهم لمرشحين مسلمين أو مرشحين أقل ضرراً من غيرهم، وقد رشح الملونون بصفة عامة 113 عضواً لعضوية البرلمان منهم 48 من المسلمين، كما نجح من الملونين 15 منهم 4 مسلمين، هم محمد سروار الذي أعيد انتخابه في جلاسجو، وخالد محمود وقد أعيد انتخابه في أحد دوائر برمنجهام، وصديق خان في دوسبري، وشاهد مالك الذي هزم ممثل حزب الاحترام في إحدى دوائر لندن، ولم ينجح أحد من مرشحي حزب الاحترام سوى جورج جالاوي في إحدى دوائر لندن وساعده المسلمون ليهزم يهودية ملونة! (2).
ويتمثل التأثير المتزايد للمسلمين وثقلهم السياسي في الحكومة البريطانية في خمسة أعضاء بمجلس اللوردات (4 لوردات وبارونة هي السيدة بولا منزل الدين) وأربعة أعضاء بمجلس العموم، وعضو مسلم واحد في البرلمان الأوروبي (هو د. سيد صالح كمال - دكتوراه في الاقتصاد) وما يقرب من 220عضواً بالمجالس المحلية، و12مسلماً في منصب عمدة مدينة. ولكن مازال هذا التمثيل باهتاً ولا يعكس عدد المسلمين ودورهم في البلاد. ففي مجال الطب مثلاً ربع المستشارين أجانب و30% من خريجي كليات الطب في بريطانيا من غير البيض(3).
وتشكل الأقليات العرقية 10% من مجموع السكان في بريطانيا نصفهم من المسلمين (انظر إلى المقارنة في جدول 1) بعد انتخابات مايو 2005م الأخيرة (4)، ترى أن نسبة تمثيل المسلمين في كل من المجلسين لم تصل إلى 1%، وحتى يعكس التمثيل عدد المسلمين الواقعي والمتنامي، يحتاجون إلى أن يكون عددهم في البرلمان حوالي 32 عضواً، وفي مجلس اللوردات 30 عضواً.
تفوق يهودي: نشرت صحيفة "يديعوت احرنوت" العبرية دراسة تقول: إن هناك 214 عضواً يهودياً في برلمانات العالم (مرجع5) وأن أكثر البلاد نصيباً هي بريطانيا حيث يوجد بها 17 عضواً بالبرلمان، و42 عضواً في مجلس اللوردات (37 لورداً، وسبع بارونات من النساء) يليها أمريكا وفيها 11 سانتوراً في مجلس الشيوخ (من جملة 100) و26 في الكونجرس (من جملة 435). وإن كانت العبرة في الأغلبية من أصدقاء اليهود الذين يكونون غالباً أكثر يهودية من اليهود.
ومعروف أن الكنيسة الإنجليكانية ظلت حتى عام 1858م تحرّم ترشيح اليهود لعضوية البرلمان، وكان التحاق اليهود بجامعتي كمبردج وأكسفورد كذلك محرماً حتى عام 1871 (مرجع 6).
ومما يستحق التوقف والاستغراب أن عدد اليهود البريطانيين حسب الإحصاء الأخير عام 2001م هو260 ألف نسمة فقط، من أصل عدد سكان المملكة المتحدة الذي يزيد على60 مليوناً، ومع ذلك يفوق عدد ممثليهم في المؤسسات السياسية على عدد الملونين كلهم (انظر الجدول والرسم البياني).
وعلى جانب آخر يبلغ عدد المليونيرات المسلمين في بريطانيا حوالي5000 مسلم(1)..كما أن البداية بالكلمة فالآن تصدر جرائد منتظمة بالإنجليزية منها مسلم نيوز وهي جريدة شهرية Muslim News، مسلم ويكلي Muslim Weekly وهي جريدة أسبوعية، وكيو نيوز Q-News وهي مجلة شهرية ملونة.
ورغم كل ما تقدم نجد أن 40% من غير البيض لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة كما أن هناك على الأقل 10 دوائر انتخابية في بريطانيا بها غالبية مسلمة من برمنجهام (سمول هيث) 49% من السكان، إلى برادفود الشمال حيث 21% من السكان مسلمون، فلو اتفق المسلمون على مرشح واحد في هذه الدوائر لضمنوا عشرة أعضاء في البرلمان، كما توجد40 دائرة يمثل المسلمون فيها نسبة 10% أو أكثر (مرجع 4) ويستطيعون التدخل لإنجاح من يجدونه أقرب لمصالحهم العامة!
يقول الأستاذ الدكتور صلاح سلطان أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم ورئيس الجامعة الأمريكية الإسلامية المفتوحة سابقاً (7): إنه يجب أن تراعى بعض الضمانات منها أن يتم انتقاء الأشخاص الذين تنتخبهم الجالية المسلمة وفقاً للشورى بين قيادات العمل في الدائرة الانتخابية في المحليات، وفي المؤسسات الإسلامية إذا كان الانتخاب على مستوى الدولة، ولا يجوز أن ينفرد كل اتجاه برؤية تضيع قوة الجماعة وتأثيرها.
كذلك أن يكون الاختيار لأشخاص لم يشتهروا بالخيانة أو الكراهية للإسلام والمسلمين مهما كان دفاعهم عن بعض القضايا من الزاوية الإنسانية وأن يكون القصد إلى تحقيق المصالح الجماعية للجالية وليس لعلاقات شخصية أو منافع ذاتية.
كما نورد اجتهادات علماء الأمة بجواز أو وجوب الدخول في الانتخابات في البلاد الغربية نذكر منها:
فتوى مؤتمر علماء الشريعة في أمريكا الشمالية نوفمبر 1999م الذي حضره أكثر من ستين عالماً وكان على رأسهم فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي.
فتوى المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، حيث صدرت الفتوى بضرورة مشاركة المسلمين في الغرب في الانتخابات حرصاً على الدفاع عن حقوقهم وتقديم مشروعهم الحضاري الإصلاحي إلى مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
فتوى الشيخ يوسف القرضاوي حيث قال: من تخلف عن أداء واجبه الانتخابي حتى رسب الكفء الأمين وفاز بالأغلبية من لا يستحق ممن لم يتوافر فيه وصف القوي الأمين فقد خالف أمر الله في أداء الشهادة وقد دعي إليها وكتم الشهادة أحوج ما تكون الأمة إليها. وقد قال الله - تعالى -: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا (البقرة: 282)، ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه البقرة: 283).
فتوى فضيلة الشيخ فيصل مولوي حيث قال: إن وجهة النظر الشرعية تنبثق من أن المسلم الذي يعيش في أي مجتمع كان، فإن واجب المسلم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمساهمة الإيجابية في حل قضايا المجتمع الذي يعيش فيه حسب وجهة نظره الإسلامية، فإذا أتاح المجتمع له أن يشارك في انتخاب نوابه فتلك فرصة لا يجوز له أن يضيعها لأنه لا بد أن يكون له دور في إزالة بعض المنكرات، أو إشاعة بعض أنواع المعروف، أو رفع الظلم عن الناس ومنهم المسلمون أو إبعاد الفساد عن الدولة الذي يضر الناس جميعاً ومنهم المسلمون. ومن أهم وسائل إنكار المنكر أن يتكلم به النائب عن الأمة الذي يتلقى الناس كلامه عادة بالقبول، وتنشره وسائل الإعلام على كل صعيد. والدعوة إلى الله في ذلك المجتمع غير المسلم تحتاج إلى أن تسمح بها الحكومة القائمة، وألا تضيّق على الدعاة إلى الله، وألا تحرم الذين يدخلون في الإسلام من حقوقهم الإنسانية، فإذا سمحت قوانين تلك الدول للمسلمين الأقلية أن يشاركوا في الانتخاب وأن يفرزوا نوابًا ولو من غير المسلمين يدافعون عن حقوقهم، وربما كان لهم تأثير في اختيار حكومة غير إسلامية لكنها تنصف المسلمين وتحفظ حقوقهم الإنسانية فإن المصلحة الشرعية في هذه الحالة مؤكدة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد