هل تجاوزت السياسة الأمريكية معضلة البديل الإسلامي؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ضمن برنامج "الزائر الدولي" في الولايات المتحدة الأمريكية، وبرنامج بعنوان "عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية"، أشارك مع عدد من الزملاء من الصحفيين والأكاديميين العرب في لقاءات وحوارات - في واشنطن وعدة ولايات أمريكية - مع مسؤولين وخبراء أمريكان في السياسة الخارجية تجاه العالم العربي، ويأتي هذا البرنامج في سياق ما يعرف بالدبلوماسية العامة التي أصبحت الإدارة الأمريكية تعطيها اهتماماً كبيراً بعد أحداث سبتمبرº وتقوم على بناء حلقات من التواصل مع الشعوب والمجتمعات العربية وقادة الرأي العام فيها، بعد أن اكتشفت واشنطن - بعد الأحداث - أنه من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها في العقود السابقة الاكتفاء بعلاقتها مع النظم العربية، وعدم فتح قنوات من الحوار مع الشعوب والمجتمعات العربية والمسلمةº لإدراك اتجاهات الرأي العام والاتجاهات الثقافية والسياسية.

وقد أكدت كثير من التقارير والتوصيات من الخبراء وبنوك التفكير الأمريكية على أهمية هذا النوع من الدبلوماسية العامة، ولعل أبرز هذه التقارير التقرير الذي أعده الخبير والسياسي الأمريكي المعروف ادوارد جرجيان حول دور الدبلوماسية الأمريكية فيما أسماه بمعركة كسب العقول والقلوب، كما صدر مؤخراً تقرير بعنوان "من الصراع إلى التعاون: كتابة فصل جديد في العلاقات الأمريكية - العربية" وأصدرته لجنة استشارية أشرف على عملها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن CSIS (3\ 25)، وأبرز ما يوصي به التقرير هو تقوية العلاقات التبادلية مع الشعوب العربية من خلال المنح المتبادلة، و"الاستثمار في جيل القيادات العربية القادم" من الكتاب والأكاديميين والقادة السياسيين، ويقر التقرير أن العلاقات العربية الأمريكية تمر اليوم بأسوأ مراحلها التاريخية.

الموضوع الذي حظي بالاهتمام الواسع في المناقشات والحوارات هو ضغوطات الإدارة الأمريكية باتجاه الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي، ومن الواضح تماماً أن أبرز درس تعلمه المجتمع السياسي والثقافي الأمريكي من أيلول هو أن خطأ واشنطن في المرحلة السابقة كان دعمها للنظم العربية، وأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي قد وصلت إلى "مستنقع خطير" برأي المسؤولين الأمريكان، يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية على المدى البعيد، في هذا المجال يقول مسؤول أمريكي كبير في وزارة الدفاع: إن الإصلاح هو أهم سلاح أمريكي لمواجهة "الإرهاب"، بينما يقول مسؤول آخر: لو كان هناك ديمقراطية في الدول العربية لكان أسامة بن لادن نائباً "متطرفاً" في البرلمان، ولكنه لن يخرج ليهدد مصالحنا في الخارج!.

ويبدو أن الرؤية الأمريكية على الرغم أنها تتجاهل تماماً مسألة الاحتلال والانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان العربي، وأن مصالحها الإستراتيجية: النفط وإسرائيل تنهض على أنقاض مصالح الإنسان العربي، إلا أنها أصابت عين الحقيقة في تعريف دور الفساد السياسي، والإدارة السيئة للأزمات، وغياب روح الحرية، وحقوق الإنسان في تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، وهو الأمر الذي عبر عنه أحد الدبلوماسيين الأمريكان بقوله: لماذا تسمح الحكومات العربية بانتقاد الولايات المتحدة في الإعلام العربي بينما تمنع وبشدة توجيه سهام النقد لها؟!.

وعلى الرغم من الإجماع الأمريكي على خطورة الأوضاع في العالم العربي، وعلى ضرورة التغيير وأهميته، وأن هناك خصوصيات لكل دولة ومجتمع في الاستجابة سؤال التغيير السياسيº إلا أن هناك اختلافاً كبيراً وتعدداً في وجهات النظر في تحديد الدور الأمريكي وأهدافه والتقنيات المستخدمة، ولا يقف الاتجاه العريض المعارض لسياسات بوش عند حدود الديمقراطيين، فهناك اتجاه كبير داخل الحزب الجمهوري وعدد من المثقفين يرفض سياسة الإدارة الحالية، ويشكك بمصداقيتها وجدواها، وتتلخص حجج هذا الاتجاه بأن الدول والمجتمعات العربية غير مؤهلة بعد للوصول إلى الحالة الديمقراطية المطلوبة، والتي تحتاج روافع اقتصادية واجتماعية - ثقافية لم تتحقق بعد في هذه المجتمعات، وأن الديمقراطية لا يمكن أن تفرض مرة واحدة على العالم العربيº فهي عملية استغرقت المجتمعات الغربية قروناً من الزمن للوصول إليها، كما أن التيار العلماني الديمقراطي ما زال ضعيفاً وهشاً في العالم العربي، بينما يشكل التيار الإسلامي المعادي للغرب البديل الواقعي الوحيد لهذه النظم، وأن أية انتخابات ديمقراطية ستأتي بالتيار الأصولي للسلطة، ويرى بعض المثقفين الأمريكان أن الإدارة الأمريكية لا تسعى إلى إصلاح العالم العربي ودمقرطتهº وإنما إلى لبرتته، وفتحه سياسياً واقتصادياً بما يحقق المصالح الأمريكية.

في مقابل هذا التيار المتشكك هناك تيار كبير داخل الإدارة الأمريكية والأوساط المثقفة، تكاد تمثل رؤيته البرنامج العملي للإدارة الحالية، وفي لقاء خاص جمعني بأحد الدبلوماسيين الرفيعين في الإدارة الأمريكية - فضّل عدم الكشف عن اسمه - أجاب خلاله على العديد من علامات الاستفهام، وأبرزها العلاقة مع الإسلام السياسي في المرحلة القادمة.

فوفقاً للمسؤول الأمريكي فإن الإدارة الأمريكية قد وصلت إلى قناعة أن الدول العربية على مفترق طرق، وأن التغيير السياسي قادم لا محالة، وأن من الخطورة الإبقاء على الأوضاع كما هي، لأنها ستبقى مصدر تهديد للولايات المتحدة ومصالحها في المستقبل، ولا ينفي المسؤول الأمريكي تبني تيار كبير من المثقفين والسياسيين الأمريكان لمصطلح "الفوضى الخلاقة"، ولا يعني: الفوضى السياسية بالمنطقة، وإنما عدم تخوف واشنطن من البدائل والاحتمالات القادمة، حتى لو كان البديل عن النظم الأمريكية هي الحركات الإسلامية، فهذه الحركات إن وصلت إلى الحكم ليس أمامها سوى طريقين الأول: أن تفشل أمام الجماهير في تحقيق شعاراتها وتحويلها إلى برامج، والحل الثاني أن تتعامل مع الواقع السياسي وشروطه، الأمر الذي يلزمها بسلوك عقلاني واقعي.

وهذا يعني أن هناك دفع كبير من قبل تيار عريض في الإدارة الأمريكية إلى تجاوز معضلة البديل الإسلامي، وإلى التقدم ومواجهة هذا الاستحقاق والتعامل معه.

مسئول آخر في وزارة الخارجية أكد على أن هناك تنوعاً واختلافاً في الوسط الثقافي والسياسي الأمريكي في التعامل مع "الإسلام السياسي"، لكن الإدارة الحالية تتبنى الرؤية بالقبول بالحركات الإسلامية التي تؤمن بالديمقراطية والتعددية وحقوق المرأة والتسوية السلمية، وبعيداً عن مناقشة الرؤية الجديدة في التعامل مع الحركات الإسلامية فإن هذا الاتجاه يطرح سؤالاً كبيراً حول انعكاس هذه الرؤية على علاقة الإدارة الأمريكية بالنظم العربية، وبالحركات الإسلامية، ويفتح الباب على احتمالات متعددة!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply