المسلمون هناك ماذا نعرف عنهم؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

من وسط هذه المجتمعات الغربية التي تعيش في خليط فريد من المعتقدات والتصورات، والأفكار والأخلاقيات المتباينةº يظهر المارد القادم من أعماق تلك البلاد، وهي التي طالما رفعت راية الحرب على الإسلام، وتتابعت حملاتها على الشرق عموماً بصور مختلفة ومتنوعة، إنهم المسلمون في الغرب، آية الله - تعالى- لمن قاس نصر دين الله - جل وعلا - بالمقاييس البشرية، فمن رحم الباطل يُخرج الله الحق، ومن حيث يظن أهل الباطل النصر تأتيهم الهزيمة، ومن حيث يكيدون ويمكرون ويخططون ويبذلون ينقلب الكيد على من كاد (( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ))، إنهم هناك قابعون يصارعون ويثبتون على الحق الذي معهم، ويقاومون أمواجاً عاتية من الإفساد المباشر لمعتقداتهم وتوجهاتهم، ولكنهم مع كل ذلك صامدون، هؤلاء المسلمون خارج حدود بلاد الإسلام أصبحوا قلقاً وعبئاً على حكومات تلك البلاد، وتفننت تلك الحكومات على درجات مختلفة في البحث عن وسائل مختلفة ومتنوعة لتحقيق ذوبان هذه الفئة في المجتمع الغربي على اختلاف توجهاته كل على حدة, وفي المقابل لما وجد المسلمون هناك هذا الضغط الشديد لتغيير ثوابتهم ومعتقداتهم قابلوا هذا الضغط بصور مختلفة ومتعددة، فمنهم وهم الأغلب الأعم من رأى في ذلك اعتداءاً على كيانه الشخصى، وسلباً لأبسط حقوقه في الحرية والحياة، فقابل ذلك بمزيد من التشبث والتمسك والحفاظ على التميز النابع من دينهم وثقافتهم, مما أثمر في النهاية حالة من عدم الاستقرار المستمر، والقلق والاضطراب بين الطرفين، ومنهم من رضخ وفقد مقومات تميزه فذاب في ذاك الهلام، معدوم الطعم والشكل، وهم كنسبة الأقل عدداً، وإن كانوا الأعلى صوتاً.

هم أولاء هناك: هل رأيتهم؟ هل سمعتهم؟ هل تعرف عنهم شيئا؟

إن من أضعف الإيمان، وأبسط الحقوق تجاه أولئك المدافعين عن بيضة الإسلام هناك، ومن يحملون صورتنا إلى أعماق قلب ذلك الكيان الضخم الموسوم بالغربº أن نعرف أحوالهم وأخبارهم، وشؤونهم وما يواجههم من تحديات وعقبات تعتري حياتهم ومعيشتهم.

إن محاور البحث في شؤون المسلمين في بلاد الغرب تدور حول محاور ثلاث رئيسية لا بد من التعرض لها عند دراسة أحوالهم، وهي تشمل الآتي:

[1] طبيعة البلاد بشكل عام من حيث الجغرافيا والديموغرافيا [ شكل التركيبة السكانية ]، ومحاور انتشار الإسلام فيها وكيف دخل إليها؟ وطبيعة توزيع الجاليات المسلمة، وتقسيمها وتركيبتها العرقية مثل: بيان الجنسيات المكونة لها، وتعداد كل جنسية، وتوجهاتها الفكرية والثقافية.

[2] المظاهر العامة لأنشطة الجاليات الإسلامية في بلاد الغرب ومؤسساتهم على اختلاف أنواعها مثل:

1- المؤسسات الاقتصادية.             2- المؤسسات الاجتماعية.                        3- المؤسسات الخارجية.

4- المؤسسات التعليمية.              5- المؤسسات الدعوية.                             6- المؤسسات السياسية.

وغيرها من المؤسسات، ومستوى نضج كل من هذه الأنشطة المختلفة، ومعدل تراكم خبراتها، ومدى تفاعلها مع الجالية الإسلامية الموجودة هناك، ومدى استجابتهم لطلباتها وتلاحمهم معها، وكذا معدل خبراتها في التعامل مع الحكومات الغربية، والأفكار المحاربة لتوجهاتها الإسلامية.

[3] المشكلات والتحديات التي تواجه الجاليات الإسلامية في الخارج على اختلاف درجاتها وأشكالها، حيث تتنوع ما بين مشكلات:

1- اجتماعية.       2- اقتصادية.       3- دعوية.           4- تعليمية.         5-سياسية.        6- خارجية.

وهذه الأخيرة تعد الأخطر والأهم بالنسبة لمسلمي الغرب في الوقت الحاضر، حيث تبحث أثر ما يحدث في العالم العربي والإسلامي على هذه الجاليات في الخارج، وما تثمره من مزيد من الضغط عليهم للتنازل عن هويتهم وخصوصيتهم، وهذه ستكون - بإذن الله تعالى - محاور بحثنا الدائر حول المسلمين في واقع العالم الغربي على مستوى الدول المختلفة دولة دولة.

إن عدم الاهتمام بمسلمي الغرب الاهتمام اللائق بهم وتوجيههم إلى ما يوحد قوتهم، ويرفع صوتهم، ويجمعهم كقوة أساسية في ضبط التوجهات الغربية - تجاه الإسلام كديانة، وأمة المسلمين كواقع - بما لهم من واقع سنفاجئ به عندما نرى نسبتهم في التركيبة الديموغرافية الغربية مقارنة بواقعهم وأثرهم في اتخاذ القرار في مؤسسات الغرب المختلفة، أدى في النهاية إلى فقداننا أو بالأحرى والأدق تأخير انتفاعنا من هذا المارد المبارك الذي سيدفع بالإسلام من أعماق رحم الغرب إلى مقدمة القوى المؤثرة في توجهاته ومواقفه.

إن تعاملاتنا مع المسلمين في الغرب انحصرت لفترة طويلة في كون الغرب مكان ينبغي الهرب منه لمن يريد التمسك بدينه، والفتاوى تخرج كلها تتكلم عن حرمة البقاء في بلاد الكفر والهجرة إليها، ولكننا لم نعط  نفس القدر من الأهمية لمسلمي تلك البلاد، وما يحتاجونه من تفهم لواقعهم، ومساعدتهم على أداء الدور الحقيقي المطلوب منهم، وهم واقفون على أعظم ثغرة من ثغرات الأمة يسدونها بما معهم.

اللهم بارك لنا في إخواننا، وعذراً لهم مقدماً على تقصيرنا الشديد في حقهم، ولعلنا بهذا الباب وغيره من المحاولات للتعرف عليهم يمكننا أن نجبر جزءاً من كسرنا لهم، وخطئنا في حقهم، غفر الله لنا ولهم، وأعانهم على نصرة دينه، والثبات على الحق الذي معهم، وجعلهم ذخراً لأمة الإسلام حين تنزل الملمات، وجعلهم ممن يصدق فيهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظر إلى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وقال: ( ليبلغن أقوام من مثل سلمان الثريا )، وقد نص - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من حديث على أن للأعاجم دوراً لا ينبغي إغفاله في نصرة الإسلام فيما سيأتي من الزمان، فجعلكم الله - تعالى- أهل بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعذراً ثانية على تقصيرنا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply