لماذا يقلق الصهاينة من زيادة مسلمي أوروبا وتناقص يهودها؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

منذ بدأت الغزوة الاستعمارية الصهيونية على فلسطين والبعد الديني في الصراع العربي الصهيوني يشغل الباحثين والمحللين، ورغم أن الحركة الصهيونية عندما ظهرت كان معظم قياداتها من الصهاينة العلمانيينº بل إن بعضهم كانوا ملحدين، فإن الوزن النسبي لهذا البعد يزداد باستمرار داخل الكيان الصهيوني وبين الجماعات اليهودية خارج الكيان الصهيوني.

وقد طرأ متغيران أحدهما داخل الكيان الصهيوني والآخر خارجه أديا معاً لازدياد الاهتمام بهذا البعد، أما البعد الداخلي فهو زيادة نفوذ التيار الصهيوني الديني على حساب نفوذ التيار الصهيوني العلماني، الأمر الذي تمثلت نتائجه في المزيد من الرغبة في تأكيد يهودية الدولة.

أما المتغير الخارجي فتمثل في تعاظم دور الجاليات الإسلامية في الغرب في الحياة العامة، وممارستها دور مؤثراً يستهدف ضمن ما يستهدف تغيير الموقف الغربي الرسمي من الصراع العربي الصهيوني.

وتعد المساعي التي بذلت لتقديم مجرم الحرب الصهيوني إريل شارون للمحاكمة أمام القضاء البلجيكي واحداً من أهم نماذج هذا الجهد الذي يقلق الكيان الصهيوني والجماعات اليهودية على السواء.

 

صعود الإسلام:

وفي يونيو من هذا العام نشر " الكونجرس اليهودي العالمي " تقريراً عنوانه: " حول صعود الإسلام في أوروبا "، وقد تناولته صحافة الكيان الصهيوني بالتحليل محذرة من خطر ازدياد الوزن النسبي للمسلمين في الغرب عموماً وبخاصة أوروبا، وتأثيرات ذلك في الموقف الأوروبي من الصراع العربي الصهيوني.

وتأتي أهمية التقرير في أنه نموذج عملي للكيفية التي يرى بها الصهاينة البعد الديني في الصراع، والعلاقة بين الصراع العربي الصهيوني والأوضاع الدولية.

فهذا التقرير وأمثاله مما يؤكد أن كل مسلم أياً كانت جنسيته هو في نظر مثل هذه المنظمة التي تمثل الجماعات اليهودية في العالم أجمع داخل الكيان الصهيوني وخارجه عدو محتمل، يقول التقرير: إن الدين الإسلامي اليوم يتمتع بمعدلات النمو الأعلى في أوروبا، وهناك حوالي 20 مليون إنسان في دول الاتحاد الأوروبي يعتبرون أنفسهم مسلمين، ويمثل المسلمون الأوروبيون اليوم قوة سياسية يتوجب أخذها بالحسبان، وإذا تواصل هذا الاتجاه سيشكل المسلمون في عام 2020 حوالي 10 في المئة من مجموع السكان في أوروبا، وبين عامي 1961 - 2001 مثلاً ازداد عدد المسلمين في بريطانيا من 82 ألفاً إلى أكثر من مليون، وقد بدأ الوجود الإسلامي يترجم نفسه إلى محاولات للتأثير في الرأي العام الغربي، فمثلاً بعد اندلاع انتفاضة الأقصى بادرت المنظمات الإسلامية إلى إصدار نداءات لمقاطعة محلات " ماركس آند سبنسر " مدعية - وهو تعبير كاتب التقرير - أن جزءاً من أرباحها يحول لمساعدة الكيان الصهيوني، وفي المناطق الانتخابية التي يعيش فيها مسلمون كثيرون توزع في الانتخابات عشرات آلاف من المنشورات ضد المرشحين الذين يعتبرون مؤيدين للكيان الصهيوني.

 

فرنسا ساحة صراع:

وفي فرنسا التي تتميز سياستها منذ انتهاء حرب الجزائر بنظرة غير مناصرة لإسرائيل - حسب التقرير - يعيش اليوم 4 ملايين و 200 ألف مسلم يتواجدون فيها بشكل قانوني، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين.

واهتمام الدولة الصهيونية والحركة الصهيونية معاً بالوضع الديمغرافي في فرنسا وتأثيراته السياسية يسبق صدور هذا التقرير بسنوات، إذ تعتبر بعض الدوائر الصهيونية أن الموقف الفرنسي الذي يعد أقل انحيازاً للكيان الصهيوني من دول التشكيل الإنجلوسكسوني البروتستنتي ( الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ) راجع إلى عدة أسباب من بينها الوجود الإسلامي في فرنسا.

ففي استطلاع للرأي نشر في باريس ( 2 ) في ديسمبر من عام 2001 جاء أن 9 % فقط من الفرنسيين لا يزالون يتعاطفون مع المواقف الإسرائيلية ( مقابل 14 % منذ عام مضى )، في حين أعلن 19% منهم تعاطفهم مع المواقف الفلسطينية ( أي بزيادة 1 % مقارنة باستطلاع أجري العام الماضي )، وتشير الأرقام بوضوح إلى أن التغير لا يستغرق زمناً طويلاً بل تتغير الصورة من عام إلى عام، ووفقاً لاستطلاع آخر أجرته مؤسسة ( بي . في . أي ) ونشرته صحيفة ( ليبراسيون ) الفرنسية فإن أكثر من ثلث عينة الاستطلاع أعربوا عن عدم تعاطفهم لا مع الإسرائيليين ولا مع الفلسطينيين ( مقابل 38% العام الماضي ), ويظهر الاستطلاع الذي شمل عينة من 965 شخصاً أن 42 % من الفرنسيين يعتبرون أن تغطية النزاع من قبل وسائل الإعلام تتم بشكل موضوعي ( مقابل 56 % العام الماضي )، واعتبر 18 % إنها منحازة لصالح الإسرائيليين ( مقابل 9 % العام الماضي )، و 7 % يرون أنها منحازة للفلسطينيين مقابل ( 9 % العام الماضي ).

 

الحقائق ودلالاتها:

الجدير بالتوقف أن 49 % ممن شملهم الاستطلاع أعربوا عن خشيتهم من تنامي مشاعر معاداة اليهود في فرنسا، ورغم أن هذه النسبة تمثل تراجعاً عن نسبة للعام الماضي، إذ قدر 70 % من عينة استطلاع مماثل وجود هذا الخطر، إلا أن رئيس مجلس أساقفة فرنسا المونسنيور جان بيار ريكار اعتبر أن تنامي معاداة السامية في فرنسا ليس " وهماً " مشيراً في الوقت نفسه إلى ما أسماه " انعكاسات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني " في بلاده، وتسببه في هذا التنامي.

وتساءل: هل يمكن أن يوجه المرء أيضاً انتقادات لإسرائيل من دون أن يوصف بمعاداة السامية؟ وأضاف: أنا أتمنى ذلك.

ويري كاتبو التقرير أن " اللاسامية " من جهة، والعداء للمسلمين من جهة أخرىº يتمخضان في غرب أوروبا أحياناً عن شبكة علاقات متناقضة بين المسلمين واليهود واليمين المتطرف، فمن جهة توجد لليهود والمسلمين مصالح مشتركة ( مثل الدفاع عن وسائل الذبح الحلال )، وفي بعض الأحيان أعداء مشتركين أيضاً ( اليمين المتطرف )، ويضرب التقرير مثالاً باللورد أحمد المسلم الأول في مجلس اللوردات البريطاني إذ قال في ربيع 2000 عندما جاء للقدس كضيف على الكونغرس اليهودي العالمي: إنه " عندما تكون هناك علامات الخوف من الإسلام فإن المؤشرات اللاسامية لا تكون بعيدة هي الأخرى ".

من جانب آخر في قضية الشرق الأوسط هناك خلاف بين أغلبية المسلمين وأغلبية اليهود في غرب أوروبا، وهذا ينعكس أيضاً من خلال أعمال العنف، وقد ادعى التقرير أن هناك مؤشرات إلى أن مجموعات نازية جديدة مستعدة للتعاون مع مسلمين ناشطين ضد ( العدو اليهودي المشترك )، وهناك نشوء لنوع من التحالف بين المسلمين الناشطين خصوصاً العرب وبين من ينفون حدوث كارثة إبادة اليهود من النازيين الجدد.

الدلالة على درجة تعقيد منظومة العلاقات الثلاثية هذه تأتي من خلال مقالة نشرت في صحيفة ( نيو ستريتس تايمز ) التي تصدر في سنغافورة، حيث يتبين أن الحفاظ على الوضع الراهن القائم بين الملاويين المسلمين والصينيين البوذيين مسألة وجودية، الصحيفة هاجمت رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا انجيلا ماركل لأنها دعت المهاجرين الأتراك للانصهار في الحضارة الألمانية، ( كما فعل اليهود في السابق ) قائلة: " إن كان هناك شيء ما نتعلمه من التجربة اليهودية ومن تجربة جاليات المهاجرين في ألمانيا تحديداً فهو أن الانصهار لا ينقذ أية جالية عندما تتزايد العنصرية الممأسسة، العبرة التي علمتنا إياها الكارثة النازية هي أن غرف الغاز التي ستبنى في المرة القادمة في أوروبا ستكون مخصصة للمسلمين!! ".

نحن ومسلمو الغرب وهذا التقرير وأمثاله يفرض ضرورة إعادة النظر لطبيعة العلاقة بين العالم الإسلامي ومسلمي الغرب، فهذه النظرة التي تضعهم ضمن خصوم المشروع الصهيوني تعني بالضرورة أن يدفعوا ثمن اعتناقهم الإسلام، وأن يتعرضوا لدرجات متفاوتة من الاستهداف، تفرض علينا مناصرتهم حسب ظروف كل حالة.

كما أنها تعني أنهم رصيد للأمة لا يجوز التفريط فيه، وقصر التعامل معهم على الجنسية التي يحملونها، فهم جزء من جسد الأمة الذي ينبغي أن يتداعى إذا اشتكى منه عضو، وما تبع أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تداعيات مست أوضاع الكثيرين منهم على نحو سلبي يفرض ضرورة أخذهم في الاعتبار عند صياغة العلاقة مع الغرب، وفي إطار الحاجة التي فرضتها المتغيرات المشار إليها يكون لهذه الجاليات المسلمة دور كبير في إقامة جسور حوار مع الغرب، فهم بحكم الإقامة فيه - وبعضهم غربيون بالميلاد اعتنقوا الإسلام - قادرون على أن يكونوا جسراً بين الحضارتين، ووسيلة ناجحة لنقل أفكارنا وآرائنا لهذه المجتمعات باللغة التي تفهمها، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكونوا وسيلة تعيننا على بلورة صورة أكثر رشداً للغرب بعيداً عن صيحات الحرب، ودعاوى الصراع.

ولا يعني ذلك أن نتعامل مع مسلمي الغرب وفق الحاجة وحسب بمنطق نفعيº بل يعني أن نقيم معهم علاقات أكثر استقراراً وعمقاً، وبخاصة أن الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين منهم يشعر كثير منهم برغبة قوية في استعادة هويته العربية الإسلامية لتحميه من الذوبان، ويتوقف تحقيق هذا الهدف المهم - إلى حد كبير - على ما نقدمه لهم من عون، ولا شك في أن هذا التقرير وأمثاله يدفع الكثيرين منهم لتأكيد انتمائه الإسلامي، وتوثيق روابطه بأمته الإسلامية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply