(1)
الثعلب علي نوري زاده!!
وهذا هو اسمه الحقيقي، لكن لا بأس فلنقل [عماد مغنية]!! ومن ثم فلنذهب بعنوان المقالة بعيداً، وبعيداً جداً عن الحالة القرآنية التي وردت في يوسف - عليه السلام - وكيد إخوته لهº فهؤلاء قوم قد غفر الله لهم [1].
- في بداية الثمانينيات ذهب مغنية إلى إيران - لأول مرة -، وكان في العشرين من عمره، وشارك لمدة أربعين يوماً في الحرب على الجبهة الإيرانية ضد العراق، وهناك حصل على ترشيح أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني (أحمد متوسليان) الذي زكاه للعمل مسؤولاً عن استخبارات [حزب الله] في بيروت، وأطلق عليه الإيرانيون لقب الثعلب بعدما أثبت كفاءة وإخلاص وتفان في خدمة أهداف الثورة الخمينية في لبنان وخارجها.
- يؤكد جياندومينيكو بيكو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً (خافيير بيريز ديكويلار) في مذكراته حول أزمة الرهائن الأمريكان في بيروت [2] أن التغيّر في المطالب الإيرانية مقابل إطلاق الرهائن طوال فترة المفاوضات على مدى ثلاث سنوات، وخلال الحرب العراقية الإيرانيةº كان يتمحور حول الحصول على الأسلحة وقطع غيارها من [أمريكا وإسرائيل]، والتي عرفت فيما بعد بفضيحة [إيران جيت]، تلك العملية التي قام بها مغنية ومجموعته، وكل ذلك كان من أجل دعم فرص تحقيق الصفقة [إيران جيت]، وضمان تدفق السلاح الأمريكي والإسرائيلي للقوات الإيرانية أثناء حربها مع العراق، ويضيف جياندومينيكو بيكو في مذكراته حول العلاقة بين حزب الله وإيران وأمريكا قائلاً:
[في مقر السفارة الإيرانية في بيروت يوم 11/8/1981م التقيت السفير الإيراني زمانيان، الذي أبلغني أنه أجرى الترتيبات للقاء مع الخاطفين، وطلب مني الخروج من السفارة، والتمشي في الشارع، ومن هناك ستأتي سيارة لأخذي إلى مكان اللقاء، وجاءت السيارة والتقطتني، وعصبت عيناي، وأخذتني إلى مقر الخاطفين [ص 152-153]، وخلال حديثي مع الخاطفين الملثمين خمنت أنهما عماد مغنية، ونسيبه مصطفى بدر الدين، ووقتئذ كان عماد مغنية مسؤول الأمن الخاص في حزب الله، وكان قبلها الحارس الشخصي للشيخ فضل الله]!!
(2)
* عقيدة حزب الثعلب:
- عقيدة حزب الله تتلخص في تلك الجملة [فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العربº إلاّ مقدمة حروب كثيرة، أوكلت إليها القيادات الخمينية الشابة التمهيد لفَرَج المهدي صاحب الزمان من غيبتها الكبرى، ولبسطه راية العدل على الأرض كلها، وتوريثه ملك الأرض للمستضعفين][دولة حزب الله ص 231].
- ربما يوصف مغنية من قبل الكثير ممن لازال يتعاطف مع حزب الله، ويرى في أمينه العام صلاح الدين الجديد - رغم أنه [صلاح الدين أعني] من ألد الأعداء التاريخيين لكل من يؤمن بعقيدة نصر الله - إلا أن هؤلاء المتعاطفين مع الحزب وإيران وآلته الإعلامية ممن لازالوا يصرون على ألا يقيموا لمسألة العقيدة الإسلامية والولاء والبراء وزناً، بالتأكيد سوف يصفونه بأنه مناضل عتيد، حير أجهزة استخبارات 42 دولة!! وتلك عادة الشيعة في تضخيم الأرقام، إلا أن الرجل بأي حال، ولكل من قرأ تاريخ الحروب في لبنان، وبحكم مكانته المتقدمة في الحزبº لم يكن بعيداً عن عمليات القتل والتصفية التي تمت في لبنان ضد أعداء حزب الله وإيران برؤية ولاية الفقيه، ومن جميع التيارات السياسية اللبنانية، ولم تكن يداه بعيدتين عن مذابح المسلمين في مخيمات الفلسطينيين، رغم أنه بدأ حياته متدرباً مع حركة فتح هو ومجموعات من حركة أمل، والتي أمعنت في قتل الفلسطينيين فيما بعد، ونكلت بهم تنكيلاً شديداً [3].
وأما كل عملياته التي نفذها فقد كانت كما سبق وذكرنا في إطار السياسية الخارجية الإيرانية لدعم العلاقات السرية التي لم تتوقف يوماً بين الشيطان الأكبر وإيران.
وأما في العراق فحدث ولا حرج عن تقارير ليست بالقليلة أكدت على وجوده في البصرة عام 2003م بعد سقوط النظام العراقي السابق، وقد ذُكر له شأن كبير في تأسيس ميليشيات المهدي المجرمة، والدور الذي لعبته في عمليات التهجير لأهل السنة من الجنوب، المهم أن الرجل كان خادماً مطيعاً لولاية الفقيه، وأداةً لتنفيذ مخططاتها من جبل عامل وحتى أعالي جبال أصفهان حيث مسقط رأسه، ومربط فرسه.
(3)
* من يخلَف الثعلب!؟
- دون متابعة حفل التأبين لمغنية على شاشات الفضائيات لا أشك إطلاقاً بأن الأمين العام لحزب الله الشيعي حسن نصر الله قد أتعب حنجرته كثيراً كعادته في الثناء على قائد فيالقه العسكرية المقتول، كما أنه قد أسرف كثيراً في التهديد والوعيد للعدو الصهيوني، ولكن هل تراه قد ذكر شيئاً عن ظروف الحادث التفجيري، ومكان وملابسات حدوثه بالتحديد؟ والذي ترددت الأنباء رغم التكتم الشديد من أنه وقع في مكان شديد التحصين في العاصمة السورية لاحتضانه مراكز أمنية حساسة للنظام السوري.
وهل سمى نصر الله الشخص الذي سيكون قادراً على ملء فراغ الحاج رضوان، خاصةً وأن القائد الأبرز (على موسى دقدوق) لازال محتجزاً في العراق عند القوات الأمريكية لضلوعه في تدريب وتسليح ميليشيات جيش المهدي التي تورطت بشكل فاضح في دماء وأعراض أهل السنة هناك، وهدمت المساجد، وأحرقت المصاحف، وتخطت كل حرمات الدين والعقلº تلك الميليشيات التي وضع لبناتها الأولى (الحاج رضوان) بنفسه في البصرة عام 2003م بعد الاحتلال فيما سبق ذكره، فهل اقتربت لحظة خلاص دقدوق من خلال تنفيذ الصفقة المقترحة بين الحكومة اللبنانية والجيش الأمريكي في العراق تلك التي تقضي بتسليم المعتقل العراقي في لبنان الشيخ (مظهر ذياب الخربيط الدليمي) [4] زعيم كبرى عشائر الدليم مقابل تسليمها القيادي اللبناني في فيلق القدس والمسؤول العسكري الرفيع في حزب الله الشيعي (علي موسى دقدوق) المعتقل لدى القوات الأميركية، وذاك بموجب طلب رسمي وصل إلى مكتب التنسيق الأمني العراقي - الأميركي المشترك من وزارة الداخلية اللبنانية!!
(4)
* توقيت اصطياد الثعلب:
- اصطيد الثعلب [خارج حدود المعركة!!] كما ذكر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الحماسي، معاتباً إسرائيل، ومن ثم مهدداً بشن حرب مفتوحة عليها، إلا أن المغزى الحقيقي من القتل لم يكن المكان، وإنما التوقيت والزمان، وإذ يجتمع الوفد الإيراني والأمريكي لخوض جولة مفاوضات حاسمة كما تسرب حول العراق ومستقبله، بينما يستعد أنصار تيار المستقبل للاحتفال بالذكرى الثالثة لاغتيال رفيق الحريريº انفجرت سيارة الثعلب في قلب دمشق في المكان شديد التحصين كما تداولت وسائل الإعلام، كان لابد أن يحدث هذا في ذلك التوقيت دون الالتفات لطبيعة المكان!! ولو أن مغنية قتل في لبنان لقلنا: إن الأمر فيه لبس لما تعيشه لبنان من فلتان أمني، وأما لو قتل في العراق لما علمنا من الأساس لدرء التساؤلات عن طبيعة وجوده هناك، وأما في مكان كالذي قيل إن التفجير قد وقع فيه فإن التساؤلات حول الزمان أصبحت هي الغالبة، خاصة وأنه وقت في غاية الحساسية على الساحة اللبنانية.
(5)
* هل أكله الذئب؟
هل أرادت الاستخبارات الأمريكية والصهيونية وبقية (42) جهاز مخابرات عماد مغنية حقاً؟، وهل كان عصياً على الأمريكان عقد صفقة مع النظام السوري كتلك التي ذهب ضحيتها (عبدالله أوجلان) على الأراضي السورية!!
لم يكن من الصعب ذلك، إلا أن الصفقة هذه المرة كانت لها نكهة أخرى، وكان يلعبها لاعب أكثر خبرة وقوة، فمغنية أدى دوره المطلوب بشكل تام، ولم يعد أحد بحاجة إليه، والقيادة الإيرانية تتجه إلى تغيير دور حزب الله تماماً، حيث سلاح الحزب وقدراته كلها تتوجه إلى الداخل لتفجير الوضع اللبناني تماماً.
وحتى لو خاض الحزب أي معارك مع إسرائيل فتلك المعارك ستعود بالتدمير على لبنان مرة أخرى، وستزيد من قوة الحزب على الأرض اللبنانية، بينما ستنهك جميع الأطراف وأهمها الطرف السني، وهو الطرف المقلق للجميع في تلك الحرب الضروس بين إيران وأمريكا لاقتسام مناطق الهيمنة والثروة، لذا فإيران اليوم تخطط لإنتاج حزب الله آخر تماماً كما أخرجت هي من قبل حزب الله من قلب حركة أمل، بعد أن تورطت أمل في مذابح تقشعر لها الأبدان، ولا ينساها الدهر أبداً في حق المسلمين، خاصةً في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبعد أن أصبح عسيراً عليها أن تكون واجهة للمد الإيراني، لعدم ضمان ولائها التام لولاية الفقيه من ناحية، ولسمعتها المتدنية آنذاك من ناحية أخرى.
لذا فشخصيات كعماد مغنيةº أصبحت تمثل عبئاً ليس بالقليل على القيادة الإيرانية، خاصة وأنه له تاريخ طويل ممتد منذ أول يوم تأسس فيه حزب الله، وورقة كهذه وفي مثل هذه الظروف التي يتفاوض فيها الإيرانيون الآن في قلب الوطن العربي في بغداد على مستقبل ومصير المنطقة كلهاº لم تعد هنا حاجة للاحتفاظ برجال عصابات ليختطفوا الطائرات أو يفجروا السفارات الغربية أو العربية حتى [5].
بل إن حزب الله كله وطبيعة دوره مطروحان بالكامل على طاولة المفاوضات بين الأمريكان والإيرانيين، ولا يخفى على أحد اليوم حالة الجوع الإيراني النووي المتزايدة يوماً بعد يوم لإنتاج القنبلة الذرية.
(6)
وختاماً:
الذئب النووي الإيراني يعيش حالة من النهم للحصول على التكنولوجيا النووية هذه الأيام، حالة ممزوجة بالحنين الشديد لاستعادة المجد الإمبراطوري الفارسي، مما يعني بأنه لن يتورع عن فعل أي شيء في سبيل الوصول لمراده، لذا فعلى نصر الله وجموع المؤمنين به التي يقودها في لبنان أن ينتظروا المزيد، ولربما تكون الضحية القادمة هي سماحة السيد والوكيل الشرعي للولي الفقيه، ويومها لن يصعب على أحد بأن يتهم الصهاينة والأمريكان والعملاء والخونة أيضاً فتلك شيم الذئاب، وهذه النهاية الكلاسيكية للثعالب.
هوامش:
[1] ((قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم * فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)).
[2] مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة حينها جياندومينيكو بيكو.
1. [2] Picco, Man without Gun: One Diplomat's Secret (Giandomenico War. Terrorism and End a to Free the Hostages, Fight New York: Times Books; Randum House, 1999 Struggle)
[نقلاً عن مجلة المستقبل العربي (العدد 333، 11/26) من دراسة قصيرة إعداد الباحث العراقي الأستاذ عبدالواحد الجصاني بعنوان (حول التعويضات في الحرب العراقية - الإيرانية)]
[3] أمل والمخيمات الفلسطينية للدكتور عبد الله محمد الغريب، الطبعة الثالثة، سنة 1409هـ.
[4] ألقي القبض على الخربيط بعد وصوله إلى مطار بيروت عبر مطار دمشق مرافقاً زوجته التي كانت تنوي إجراء عملية جراحية في أحد مستشفيات بيروت.
[5] تورط عماد مغنية مع جواد المالكي وإبراهيم الجعفري في تفجير السفارة العراقية ببيروت عام 1983م باعتبارها سفارة لدولة كافرة كما ورد في بيان حزب الدعوة في إعلانه مسؤوليته عن الحادث.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد