بعد أن وضعت الحرب أوزارها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فها هي أحداث لبنان العسكرية انقضت أو توقفت، وبدأت أحداث لبنان السياسية يحمى وطيسها، ويعلو صوتها، انطوت صفحة الأحداث المؤلمة من قتل وهدم وتشريد، وتعالت أصوات المتحاربين بادعاء النصر وهزيمة الآخر، والحق أن كلاً منهما حقق انتصاراً يقدر بقدره، ولكن الفطن من يتدبر الأحداث ويدرس مجرياتها ويخبر مواطنها ويستنتج دروسها ويستلهم العبر منها.

 

وهنا أسطر هذه الكلمات فيما أراه واجب البيان لأخوتي الكرام فأكتب لكم التالي:

1- لقد ظهر جلياً ما كان ملتبساً في أثناء الحرب أن المصلحة منها هو منصب لفريقين خارج إطار المعركة الفعلية وهما أمريكا وإيران واستخدم المتحاربان وسيلة لهذه المصالح في أرض خارج أرض المتخاصمين.

 

2- إن المنتصر الحقيقي والثابت على الموقف في خدمة لبنان وأهلها - بعيداً عن توجهه- هي الحكومة اللبنانية التي استطاعت مع ضعف الإمكانية وقلة الحيلة أن ترسم مخرجاً مشرفاً للبنان في هذه المعركة التي زجت بها.

 

3- أظهر الشارع الإسلامي أنه قوي العاطفة ملتهب المشاعر صادق في نصرته لقضيته وهي المشروع الإسلامي، إلا أن العاطفة تلهي عن تمييز العدو من الصديق. وهنا يأتي دور العالم والموجه في تسيير هذه العاطفة في مسارها الصحيح ووضع الشيء موضعه اللائق الصحيح.

 

4- في استظهار النعم التي كانت نتاج هذه المعركة فإن من أعظمها تأصيل العداوة لليهود وتمكنها في القلوب مع ما بذله الغرب في محاولة تصحيحة زعم للتطبيع مع اليهود واستئصال عداوته من القلوب إلا أن هذا الحدث أعادها أشد ما كانت وصدق الله (إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيداً، وَأَكِيدُ كَيداً) (وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ) وكذلك أظهرت هذه الحرب جبن اليهود وهلعهم كما قال الله (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر).

 

5- أظهرت هذه الحرب خطورة الإعلام وكيف أنه وسيلة فتاكة يغير الحقائق ويقلب الموازين سيما إذا كان ذو نفوذ واسعة وموثوق بالجملة فقد رأينا من كان يدعي أنه إعلام يمثل الرأي والرأي الآخر لكنه ظهر في تحليله للحدث أنه الرأي الواحد والواحد فقط، يزيف الحقائق ويلمع من لا يستحق التلميع بل ويصدر من يعلم أنه لا يستحق التصدير والأنكى من ذلك كله أنه يدعي نصرة الأمة وخدمة قضاياها وهو يطعنها في أغلى ما تملك وهو عقيدتها ومنهجها، ناهيك عن كتم الحقائق وحربه القوية للدول التي صدقت في خدمة لبنان وبذلت الرأي والحركة والمال في نصرته وهو يغفل ذلك كله بل يصطاد في الماء العكر ويقلب الحقائق بمستنتجات خاطئة فأقول ناصحاً لهم تداركوا أنفسكم فإن سقوط المتفوق مؤلم والناس لها عقول تعي بها ولا يخدعها بهجر التزييف، فقد كان ذلك الإعلام مسموماً في هذه الحرب كفانا الله شره.

 

6- ظهرت جملة من الشعوب الإسلامية في مظاهرات حافلة قوية في ظاهرها إلا أنها لم يكن لها أي أثر في مجريات المعركة، وفي المقابل رأينا قوة الشعب اليهودي بالجملة وأثر نظام حكمه، وتحليلي لذلك أن الشعوب إذا لم يكن وراءها حكومات تسندها فلا أثر لحراكها في مثل هذه المواقف، فالحكومات بالنسبة للشعوب كالعمود الفقري للجسد والواجب أن نفقه أننا في مرحلة حرجة صعبة، المتحتم فيها أن نحسن الاصطلاح مع حكوماتنا فيما يخدم قضايانا، فالعدو مستهدف الجميع، ولأن تنادى جملة من العلماء والدعاة والساسة وغيرهم أن نتناسى مواقف من يقتل أبناءنا وإخواننا في العراق، وأن لا نحتكم للتاريخ في هذه المرحلة، لأننا في مرحلة اصطفاف تجاه عدو واحد، فالأولى والأحرى أن يكون ذلك مع حكومات فيها من الخير أكثير بل لايقارن من ذلك الذي نطالب بنسيان جرائمه في حقنا وأمتنا وملتنا، فالعدو لا يستهدف الحكومات بل الشعوب، وقد قال أحد كبارهم إننا لا نهدف إلى تغيير الأنظمة فقط بل القيم أيضا فلنعقل معاشر الأحباب.

 

7- أرفع الصوت عالياً بوجوب أن يكون الدور الإعلامي والشعبي والرسمي أقوى وأقوى في الوقوف مع قضيتنا الأولى فلسطين، ثم مع خط الدفاع الأول لنا أهل السنة في العراق وأن نستوعب أننا في معركة حقيقية فلا يجوز أن نضع الدروع والمعركة قائمة بل (اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا).

 

8- من المظاهر الإيجابية المصاحبة لهذه الأزمة أن صوت بعض الساسة ظهر عالياً وكشف عن الحقيقة بكل شجاعة أن عملية السلام المزعومة قد انتهت، وجميع ما كان ينادى به لا مقام له على الأرض، لكن من الخطورة أن نغفل أن عملية السلام المزعومة أيضاً لن يرض المتربص بنا دون أن يعيد العملية من جديد، ولكن بتخطيط ووجه آخر ومفاوضين جدد، وهنا يكمن الخطر إذ الواجب الحذر من التسرع في مد اليد لمن لا يستحق، وعلى عقلاء قومي أن يحسنوا إدارة أزمة السلام بقوة الوحدة وتربية الشعوب المكلومة على رفض هذا المخطط فضلاً عن محاولة تطبيع الشعوب لقبول عملية السلام، ولا أعيد الموقف الشرعي المؤصل الصادق من المجمعات الفقهية في تحريم ذلك شرعاً، وأرى أنه لابد من المشاورة الجادة للحكومة الفلسطينية التي هي المحك الرئيس والطرف الأقوى في هذه العملية، مع العلم أنه لا يمكن أن يفرض عليهم شيئاً، فالأيام أثبتت أن رأيهم أقوى وأبلغ وأزكى من رأي غيرهم، وأيضاً أن الشعوب بجملتها رافضة لهذا الأمر وأخشى أن تكون عواقبه سوء على هذه الأمة في أمنها واستقرارها.

 

9- المستقبل لهذا الدين وهو ظاهر جلي فو الله لولا أن اسم الإسلام دخل في معركة لبنان لما كان لها أي أثر على أحد، فهو الدين الأقوى الذي يكيد له العالم بأسره ولكننا مطمئنون بأن نصر الله آت بل قريب، وبوادره ظاهرة ويكفي أنك ترى أثر ذلك على الأرض اليوم، مصداقاً لقول الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدٌّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ) ولقد تبدى أن المنهج الحق هو المنتصر في نهاية المطاف وها نحن نسمع الندم من في موقد الحرب وتمنى أن لم تقم فكيف يكون موقف مؤيدها بعد ذلك؟.

 

10- معاشر الشباب النصيحة التي أوجهها أن الأمة بأمس الحاجة لكم، فكونوا على قدر المسئولية التي أوليتم إياها، في السعي الحثيث لإعمار الأرض في مشاريع نافعة من اجتهاد في طلب العلم، أو رقي في مجال حضاري، أو تنموي بعيداً عن العجلة التي تخلف ندامة، ارتباطاً بالعلماء وحفاظاً على البلاد وأمنها ووحدتها وسلامة صفها، محذراً من الانجراف خلف عاطفة تورث أمراً لا تحمد عقباه، مذكراً بالتحذير من إطلاق الأحكام أو تخوين الناس، فضلاً عن التلاعب بدين الناس أعني بذلك التكفير والعياذ بالله.

 

11- الدعاء والاستقامة على الحق ولزوم التوبة والاستغفار والالتجاء إلى الله والضراعة إليه والمواظبة على قراءة القرآن، أعمال صالحة نحن بأمس الحاجة إليها لا غنى لنا عنها (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ).

 

اللهم وفقنا لما نحب ونرضى واستعملنا في طاعتك واستخدمنا فيما يرضيك.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply