أفغانستان: المأساة المنسية!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مع تصاعد المواجهات مؤخراً في أفغانستان بين قوات التحالف الغربي التابعة لحلف شمال الأطلسي الناتو من جهة ومقاتلي حركة طالبان الأفغانية من جهة أخرىº بدأ الكثير من المراقبين والمحللين الأوروبيين يتساءلون حول فرص نجاح مهمة "الناتو" بأفغانستان، والتكلفة الباهظة للاستمرار في المغامرة الأفغانية سياسياً ومادياً وبشرياً.

حول هذا الموضوع كتبت صحيفة "لوموند " الفرنسية في مقال افتتاحي لها تقول:

تمثل العودة المتنامية لحركة طالبان وهجماتها المتصاعدة في أفغانستان مع حلول فصل كل ربيع - وخاصة خلال العام الماضي 2006م -، إضافة للتواجد العسكري المسلح لعناصر الحركة، والذي يشمل اليوم أكثر من نصف مساحة دولة البشتون (أفغانستان) يمثل كل ذلك تهديداً حقيقياً، ومؤشر خطر جدي على النظام الأفغاني والتحالف العسكري التابع لحلف "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

فمن جديد يتحول الجنوب الأفغاني إلى مسرح للمعارك، وهو ما دفع بالبلدان الغربية التي لها وحدات عسكرية بالميدان إلى التعبير عن الشكوك العميقة حول فرص تحقيق نصر عسكري هناك، كما عكست ذلك تصريحات ومواقف بعض الدبلوماسيين والساسة الغربيين بباريس مؤخراً.

طلاب المدارس الدينية من البشتون، والذين تتم تغذيتهم "بحليب" المخابرات السرية والمدارس الباكستانية، والمدعومين من التنظيم الجهادي القاعدةº هؤلاء الطلاب أصبحوا يسيطرون اليوم على المزيد من الأراضي، كما يحظون بتعاطف متنامي في أوساط المواطنين الأفغان، ولاشك أن هذا الصعود القوي لمقاتلي طالبان بعد خمس سنوات ونصف من سقوط إمارة طالبان الإسلامية يمثل فشلاً ذريعاً لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وتعاني المهمة الغربية في أفغانستان من متاعب جمة:

فعلى الصعيد العسكري، وحيث كان الهدف هو تعقب ومطاردة أسامة بن لادن، وتأمين أفغانستانº تحولت مهمة الناتو إلى العمليات القتالية، وذلك بجنود ينظر إليهم على نطاق واسع بوصفهم محتلين متغطرسين، لا يحترمون عادات وتقاليد سكان البلاد، كما أن عمليات القصف الجوي المدمرة التي تنفذها طائرات الناتو - والتي لا تستثني المدنيين الأبرياء - ساهمت إلى حد بعيد في تنامي العداء والكراهية للوجود الغربي بأفغانستان، يضاف إلى ذلك الفشل الواضح "للناتو" في لجم أمراء الحرب السابقين في أفغانستان الحريصين على بقاء نفوذهم القوي في ظل المليشيات التابعة لهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي تبدو المحصلة كارثية، حيث يتم صرف نصف المبالغ المنفقة على خدمات التسيير للمصالح التابعة للبلدان المانحة نفسها!، بينما يضيع جزء كبير من النصف الآخر المتبقي في عمليات الاختلاس، والتلاعب المالي، في نظام إداري فاسد ومرتشي.

أما على الصعيد السياسي فالمحصلة أبعد ما تكون عن الإيجابية، حيث إن الرئيس حامد كرزاي لا يتجاوز نفوذه العاصمة كابول وحدها.

ونتيجة لهذا الفشل الذريع بدأت الدول الغربية المتواجدة هناك في وضع شروط جديدة لاستمرار وجودها بأفغانستان من قبيل: رفض إعادة نشر قواتها في مناطق محددة، أو رفض المشاركة في العمليات القتالية في إقليم أو منطقة بعينها حرصاً على سلامة جنودها، هذا إذا لم تكن تفكر جدياً في سحب جنودها ببساطة من أفغانستان.

وتماماً كما هو الحال في العراق فإن الوجود العسكري الغربي في أفغانستان يواجه خيارين أحلاهما مر، البقاء: وهو ما يعني المخاطرة بالدخول في حرب استنزاف خاسرة لا محالة، وإما المغادرة: وهو ما يعني الاعتراف بالهزيمة أمام حركة إسلامية شمولية تمارس الإرهاب، مع ما يعنيه ذلك من ترك الأفغان يواجهون مصيراً مجهولاً بعدما راهنوا على التدخل الغربي، بل وأبعد من ذلك على الديمقراطية.

وإذا كانت أمريكا بوش لا تبدو اليوم قادرة على مراجعة مستقبل عملياتها العسكرية في العراق وأفغانستان فإنه يتعين على أوروبا - وبشكل استعجالي - طرح التساؤل حول طبيعة تدخلها في أفغانستان، لأن الأمر هنا يتعلق بمصداقيتها ومصداقية حلف شمال الأطلسي الناتو، وكذلك قدرتها المستقبلية على التدخل في نزاعات خارج حدودها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply