الأفغان وهواية إسقاط الإمبراطوريات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حادث السير الذي وقع في العاصمة الأفغانية كابول قبل عدة أيام بين مدرعة أمريكية وسيارات مدنية أفغانية والذي أدى إلى اندلاع مظاهرات ضد الوجود الأمريكي، وإطلاق القوات الأمريكية النار على المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحىº هذا الحادث كان يمكن أن يمر مثل غيره من حوادث السير بدون رد فعل كبير، ولكن أن يكون هذا الحادث سبباً في اندلاع مظاهرات واسعة النطاق، أو شبه ثورة شاملة في العاصمة الأفغانية، ومهاجمة منازل ومصالح الأجانب، والسفارة الأمريكية، والقصور الرئاسية، والمراكز الحكومية، ويصل الأمر إلى حد نشر الدبابات في الشوارع، وإخلاء السفارة الأمريكية من الموظفين، وهروب عدد كبير من الأجانب المقيمين في العاصمة الأفغانيةº يعني أن الحادث كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، أو بمعنى آخر أن الرفض الشعبي الأفغاني للاحتلال الأمريكي وللحكومة التابعة للأمريكان في كابول هو من العمق والقوة بحيث لم يعد بالإمكان تجاهله، أو التعتيم عليه.

ثورة كابول إذن والتي اندلعت يوم 29 مايو 2006 هي في رأيي المقدمة الأولى لهزيمة أمريكا في أفغانستان، ومن ثم تحرير البلاد من الاحتلال، وعودة البلاد إلى أهلها، والإطاحة بالحكومة العملية المرتبطة شكلاً ومضموناً بالاحتلالº وعلينا أن ندرك المعاني الكامنة في توجّه المتظاهرين إلى الحي الدبلوماسي، ومهاجمة المصالح الأجنبيةº إنه نوع من إعلان الرفض لكل القوات الأجنبية التابعة لحلف الأطلنطي، والأمم المتحدة في أفغانستان، وكذا فإن ترديد شعارات من مثل الموت لأمريكا، الموت لكرزاي تعني أن الأفغان قد حدّدوا هدفهم، تحرير البلاد من الاحتلال وعملائه.

المسألة كانت من القوة والاتساع بحيث إن جميع المراقبين ووكالات الأنباء وصفتها بأنها أسوأ اضطرابات وأعمال عنف منذ سقوط نظام حركة طالبان عام 2001، والبعض بدوره اعتبر الأمر صحوة تقليدية، بدأت تظهر ملامحها في أفغانستان على أساس أن الأفغان عادة يسكتون ثلاث أو أربع سنوات ثم يثورون من جديد ضد الاحتلال الأجنبي، وأن اسم الأفغان ارتبط بإسقاط إمبراطوريات، وأنه شعب يرفض دائماً الخضوع لحكم الأجانب.

وفي الحقيقة فإن اندلاع المقاومة الأفغانية من جديد وعلى نطاق واسع بات حقيقة معروفة في أفغانستان، وانهيار وضعف وتهافت حكومة كرازي بات أيضاً حقيقة معروفة، لدرجة أن النظام الأفغاني العميل راح يتهم باكستان مثلاً بدعم المقاومة الأفغانية، وهو من نوع حجة البليد، وبديهي أن من الصعب تصديق ذلك، قد يكون هناك دعم شعبي باكستاني للمقاومة الأفغانية، أو نوع من التداخل العرقي للبشتون على جانبي الحدود بين البلدين، ولكن الأمر لا بد وأن يكون نوعاً من الدعم الشعبي الباكستاني للأفغان، رغم أنف حكومة الجنرال برويز مشرف، الذي فعل كل شيء من أجل أمريكا، وهو الذي هزم أو تسبب في هزيمة طالبان أصلاً، ودوره في مناهضة تنظيم القاعدة أكبر بكثير من الدور الأمريكي والأفغاني، وصحيح أنه حصل على جزاء سنمار من الأمريكان عندما أعلنت الإدارة الأمريكية تحالفاً استراتيجياً مع الهند، ولكن هذا يدخل في باب من أعان ظالماً سلّطه الله عليه، وهي سنة تقليدية معروفة ومجربة، وحالة الجنرال برويز مشرف خير مثال عليها.

الأعمال الفدائية التي يشنها مقاتلون تابعون لحركة طالبان أو القاعدة في أفغانستان أصبحت من القوة والانتشار بحيث إنها تشكل حرب تحرير شعبية كاملة، ولا يمكن وصفها بحالات محدودة، بل أصبحت تنافس الحالة العراقية، وأحياناً تزيد عليها، والإخفاق الأمريكي العسكري في العراق وأفغانستان بات حقيقة مؤكدة، والهزيمة الأمريكية قادمة لا محالة، والمسألة مسألة وقت، والباقي كله تفاصيل، إنها إرادة الشعوب التي إن اعتمدت على مدد الله فلن يهزمها أحد، ونلاحظ في حالة العراق وأفغانستان أن دول الجوار تتآمر على المقاومة، أو لا تبدي ترحيباً بها على الأقل، وهذا يعني أن الظروف ليست ولن تكون حائلاً دون المقاومة والتحرير، كما نلاحظ أن الأفغان بدؤوا يستخدمون سلاح العمليات الاستشهادية، وهو نقلة نوعية هامة على أكثر من مستوى سياسي وعقائدي، وعسكري واستراتيجي.

اندلاع المقاومة الأفغانية، وظهور طالبان من جديد على مسرح الأحداث، بل وسيطرة مقاتلي طالبان على مناطق كبيرة في الشرق والجنوب، وانحسار النفوذ الحكومي في العاصمة الأفغانية وحدها، ثم تخلخل النفوذ الحكومي في العاصمة نفسها يعني أن نهاية الأمريكان باتت قريبة، وعلى كل حال فإن هناك أسباباً تقليدية وأخرى مستجدة دفعت الأمور إلى هذا النحو، منها:

- العامل التقليدي في رفض الأفغاني للوجود الأجنبي، وعادة ما يسكت الأفغان سنوات قليلة على الاحتلال ثم تبدأ عملية المقاومة.

- إخفاق الحكومة الأفغانية في تحقيق أي نهضة اقتصادية، وتفشي الفساد والمحسوبية والفلتان الأمني، مما جعل الأفغاني يشعر بكذب الوعود الأمريكية والحكومية، وأن فترة حكم طالبان كانت أكثر استقراراً، فضلاً عن عامل الكرامة العرقية والدينية.

- تغيرات استراتيجية وتكتيكية على المسرح الدولي بين باكستان وأمريكا والهند ثم إيران، وضعف الروح المعنوية للجيش الأمريكي بسبب المقاومة العراقية، واكتشاف عدد كبير من القوى الدولية والمحلية أن المشروع الأمريكي قد أخفق، ومن ثم فإن المراهنة عليه خسارة كبيرة، ومن ثم ضرورة مد الجسور مع أعداء المشروع الأمريكي، أو حتى الانخراط في مشروع لمقاومة الأمريكان.

والحقيقة الواضحة للعيان الآن أن هناك (35) ألف جندي من حلف الناتو في أفغانستان منهم (16) ألف جندي أمريكي، مع دعم جوي هائل، لم يستطيعوا تأمين كابول ذاتها، أو الجزء الرئاسي - على غرار المنطقة الخضراء في بغداد - من كابل، أما باقي أفغانستان فهي تحت السيطرة أو النفوذ القبائلي بعضها يتحالف مع الأمريكان خاصة في الشمال، والآخر مع طالبان في الجنوب والشرق، وجزء محدود تابع للحزب الإسلامي "قلب الدين حكمتيار"، وهو جزء متحالف مع طالبان والقاعدة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply