تتزايد الآمال المعلّقة على البرلمان الأفغاني الجديد الذي تم افتتاحه لأول مرة منذ ثلاثة عقود، وبعد فترة انتقالية من أربع سنوات بدأت غداة الإطاحة بحكومة طالبان عام 2001، وشهدت هذه الفترة كذلك وضع دستور، وانتخاب رئيس للبلاد عام 2004.
وسيجتمع البرلمان لمدة أسبوعين خلال الشهر القادم لانتخاب رئيسي المجلسين، وهما: الجمعية الوطنية (249)مقعداً، ومجلس الشيوخ (102)مقعد.. وهكذا يبلغ عدد النواب في البرلمان الأفغاني الجديد (351) نائباً.
وبتشكيل البرلمان الجديد يكون الأفغان قد أنجزوا الخطوة الثالثة لاستكمال مؤسسات الحكم، في انتظار الخطوة الرابعة، وهي تأسيس النظام القضائي، بعدما أتمت بلادهم كتابة الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية.
وقد دُعي نحو أربعة ملايين ناخب، 44% منهم من النساء، للمشاركة في الانتخابات لاختيار (249) نائباً في الجمعية الوطنية و(420) في مجالس محلية، وانتخب هؤلاء قسماً من أعضاء مجلس الشيوخ.
ومن (249) مقعداً في الجمعية الوطنية (وليسي جيركا) التي يُنتخب أعضاؤها لخمسة أعوام، هناك (68) مقعداً (اثنان لكل ولاية) مخصصة للنساء. وهناك 30% من المقاعد في مجالس الولايات، مخصصة للنساء أيضاً.
البرلمان الأفغاني الجديد يمكن أن يوفر غالبية مؤيدة للرئيس حامد كرزايº إذ يشكل المجاهدون القدامى ثلثي أعضائه.. في مقابل ثلث للمستقلين من مختلف الاتجاهات. فغالبية البرلمانيين هم من المجاهدين أو من المرتبطين بهم، وهكذا فإن المجاهدين يشكلون الغالبية في البرلمان الأفغاني الجديد.
ولكن، إذا كان المجاهدون - الذين خاضت أحزابهم الحرب ضد الاحتلال السوفييتي بين عامي 1979 و1989 قبل أن تنقسم خلال الحرب الأهلية من 1992 إلى 1996 يسيطرون على البرلمان كنتيجة منطقية للسلطة التي يتمتعون بها في الولايات.. فهذا لا يعني أنهم موحدون. فهؤلاء يشكلون ما بين(60 -70%).. لكنهم ليسوا كتلة موحدة... لأنه ينبغي أن يتعايش هؤلاء مع ثلث من العلمانيين الذين بينهم نساء (25% من النواب).
وتقول منظمات حقوق الإنسان: إن أكثر من 60% من النواب أمراء حرب أو وكلاء لهم، وهو أمر لا يبشر بالخير للجهود الرامية إلى المحاسبة عن الانتهاكات التي ارتكبت في الماضي، ووقف تجارة الأفيون والهيروين الضخمة.
الانقسامات الإثنية في البرلمان الجديد لا ينبغي التقليل من شأنها... فحوالي نصف النواب من البشتون الذين ينتمي إليهم "كرزاي". وهكذا فإن الانقسام الإثني سيكون بارزاً، فالانقسام سيحدث في البداية بين البشتون والآخرين. وهذا الانقسام سيتيح للرئيس كرزاي - المدعوم عسكرياً ومالياً من جانب المجتمع الدولي، والذي يمثل الجناح العلماني - أن يحتفظ بأغلبية تمكنه من الحكم بشيء من الهدوء.
الانقسام العرقي داخل البرلمان
وهكذا فإن تشكيل البرلمان الأفغاني الجديد يعكس خليطاً من الطوائف والقوميات والانتماءات السياسية لأول مرة في البلاد منذ عقود، مع فشل القوى المعارضة للرئيس الأفغاني حامد كرزاي في الحصول على غالبية برلمانية ملحوظة.
وقد أعادت الانتخابات التي أُجريت في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي الاعتبار إلى قادة حرب سابقين كان نظام "طالبان" همش دورهم (1996-2001)، ومن أبرزهم الرئيس السابق برهان الدين رباني (فاز بأكبر عدد من الأصوات في ولاية بدخشان، مسقط رأسه). كما حل عبد رب الرسول سياف زعيم "الاتحاد الإسلامي" في المرتبة الخامسة بين الفائزين بالمقاعد البرلمانية الثمانية والعشرين التي تمثل كابول.
وعلى الرغم من الكلام عن علاقة "سياف" بانشقاق الزعيم المعارض للحكومة الحالية محمد يونس قانوني (وزير التعليم سابقاً) عن تيار الرئيس السابق برهان الدين رباني، فإن من غير المتوقع حصول تحالف بين الرجلين. بل يُرجح أن يواصل سياف دعمه "كرزاي"، متجاهلاً قطبي تحالف الشمال الطاجيكيين: رباني وقانوني.
وحقق زعيم الحرب السابق "حضرت علي" فوزاً كبيراً في ولايات شرق أفغانستان
(جلال آباد). وهو على الرغم من كونه بشتونياً كان محسوباً في عهد "طالبان" على تحالف الشمال. لكن دخول قادة حرب مثل "حضرت علي" إلى البرلمان الأفغاني، بعد ترشحهم كمستقلين، يحررهم من تحالفاتهم الحزبية السابقة، مما يعطي حكومة الرئيس الأفغاني فرصة الحصول على دعم هؤلاء في مقابل تمرير خدمات لهم.
ويتوقع أن يحظى كرزاي أيضاً بولاء المنشقين عن "طالبان" الفائزين في الانتخابات، الذين على الرغم من قلة عددهم يبحثون عن مرجعية سياسية يجدونها في الرئيس الذي ينتمي مثلهم إلى عرقية البشتون.
وبين الفائزين البشتون أيضاً أشخاصاً انشقوا عن الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار المناهض للأمريكيين. ويملك هؤلاء نزعة استقلالية ممزوجة بتحفظ على أي وجود أجنبي في أفغانستان أياً تكن مبرراته، مما يجعلهم شوكة في خاصرة الحكومة.
كذلك دخلت البرلمان الأفغاني بقوة الأقلية الشيعية التي فاز مرشحوها بنسبة تتجاوز بكثير تعداد أبناء الأقلية في المجتمع الأفغاني. وقد حدث هذا نتيجة تشتت انتماءات منافسيهم، في وقت سُجّل في أفغانستان عموماً وكابول خصوصاً، تكاتف للقوى الشيعية.
ومن المتوقع أن تعزز نتائج الانتخابات قبضة "كرزاي" على الحكم، مستفيداً من تشتت المعارضة وعدم وجود قوة منظمة تعارض سياساته في البرلمان، إضافة إلى رغبة الكثير من النواب الجدد سواء كانوا مستقلين أو ممثلين لتيارات، بعدم الاصطدام مع الأمريكيين ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المغانم والمناصب.
مغزى حضور "تشيني"
وقد حضر نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني جلسة الافتتاح، وجلس في الصف الأول مع زوجته لين، ومع السفير الأميركي رونالد نيومان وقائد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اللفتانت جنرال كار ايكينبيري.
وهذا الحضور معناه أن الذي يحدث في أفغانستان هو خريطة من الطموحات الأمريكية يتم تنفيذها على يد نظام "كرزاي". فالتطور الحادث ليس تطوراً سياسياً طبيعياً، إنما هو تطور تم تصنيعه بيد أجنبية، هي اليد الأمريكية، وليس وليد التطور الطبيعي للمجتمع الأفغاني.
هل يوافق البرلمان على إنشاء قواعد أمريكية؟
اقترح السناتور ماك كين في زيارة مؤخرة له لأفغانستان مع وفد أمريكي عالي المستوى إنشاء قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان، وقد أعطى هذا الاقتراح مصداقية للشائعات التي كانت تدور في الدوائر الأفغانية والعالمية منذ دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان قبل أربع سنوات لإسقاط نظام طالبان، وكانت هذه الشائعات تقول بأن أمريكا جاءت إلى أفغانستان لتبقى في المنطقة لأهميتها، وكانت الجهات الأمريكية تنفي قبل ذلك عزمها البقاء طويل الأمد في أفغانستان، وتؤكد أن القوات الأمريكية ستنسحب من أفغانستان بمجرد أن يتمكن الجيش الوطني الأفغاني من تحمّل أعبائه ومسؤولياته.
وعلى الأرض شرعت أمريكا بالفعل في عام 2004م في إنشاء قواعد عسكرية حصينة في الولايات الأفغانية التالية: كابل، وهرات المتاخمة للحدود الإيرانية، وبلخ، وبكتيكا، وخوست، وقندهار، والولايات الثلاث الأخيرة متاخمة للحدود الباكستانية.
ولما تعددت أواخر 2004 تقارير الصحف الغربية حول هذه القواعد، وبدأت الصحف المحلية تشير إلى أن القوات الأمريكية تنشئ لنفسها قواعد دائمة في أهم المناطق الأفغانية، اضطر الناطق الرسمي باسم قوات التحالف في أفغانستان (مارك ماك كين) أن يعلن يوم 24-11-2004م بأن الولايات المتحدة تنشئ هذه القواعد للجيش الوطني الأفغاني، ولا ترغب في البقاء طويلاً في أفغانستان.
لكن يبدو أن الشائعات والتقارير التي انتشرت في ذلك الوقت كان لها نصيب من الصحة، وأن إنشاء القواعد الأمريكية الدائمة في أفغانستان أمر مخطط له منذ أمد بعيد، وأن الجهات الأمريكية بدأت تمهد لطرح الموضوع وحسمه قبل تشكيل البرلمان الأفغاني ليمكن تمريره بسهولة ويسر بعد موافقة الرئيس حامد كرزاي عليه.
البرلمان والتحديات الكبرى
تحاول الدول المجاورة وكذا القوى العالمية والإقليمية أن يأتي تشكيل البرلمان الجديد ثم الوزارة القادمة بصورة تحفظ مصالحها أو على أقل تقدير لا تكون معادية لمصالحها، على سبيل المثال: تريد باكستان أن تحد من النفوذ الهندي في أفغانستانº لأن باكستان تعد الهند عدوها الإستراتيجي، وبزيادة النفوذ الهندي تفقد باكستان المصالح الاقتصادية الكبيرة المرتبطة بأفغانستان وستواجه مشاكل أمنية. وقد تعهد الرئيس الباكستاني مشرف أن يشدّد حراسة الحدود لمنع هجمات طالبان مقابل تعهد "كرزاي" بالمحافظة على المصالح الباكستانية في التشكيلة القادمة، وبنفس الصورة تحاول الهند أن تحافظ على مصالحها في أفغانستان وهي كثيرة أيضاً، وقد قامت عدة وفود إيرانية بزيارات إلى كابل بعد انتخاب كرزاي رئيساً لأفغانستان، وكان أحد هذه الوفود برئاسة محسن أمين زاده نائب وزير الخارجية الإيراني، وصرح لوسائل الإعلام أن إيران تريد أن يكون للأحزاب الجهادية نصيب في الوزارة القادمة، وعدّ ذلك جزءاً من الضغوط الإيرانية على حامد كرزاي لإدخال مجموعة من الوزراء ممن يحافظ على المصالح الإيرانية في أفغانستان.
من جهتها فإن الدول الأوربية لها أولويات أخرى منها على سبيل المثال القضاء على إنتاج المخدراتº لأن المخدرات المنتجة في أفغانستان تُهرب إلى أوروبا، وبالتالي فإن هذه الدول -خاصة بريطانيا- تحاول أن تنشئ وزارة خاصة لمكافحة المخدرات.
من المشاكل الأساسية الأخرى التي يواجهها نظام كرزاي تواجد القوى الأمريكية والبريطانية تحت مظلة قوى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وهذه القوى ليست تابعة لقرارات حكومية ولا لقوانين البلد، فتواجدها بنفس الصورة السابقة يوجّه أسئلة عديدة محرجة لمصداقية حكومة "كرزاي"، فهي تُعدّ الآن حكومة منتخبة، ولا يمكن أن تبقى قوى عسكرية أجنبية على أراضي دولة ذات سيادة غير خاضعة لقراراتها، بل يُعدّ مجرد تواجدها نفياً لسيادة الدولة، ولذلك أعلنت أسبانيا أنها ستسحب قواتها المشاركة في التحالف لمحاربة الإرهاب بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في أفغانستان.
مستقبل الاستقرار في أفغانستان
الحكومة المركزية في كابول غير قادرة على الحد من هجمات رجال المقاومة، الذين يلقون الدعم والمساندة من أمراء الحرب، وبصفة خاصة في أقاليم أفغانستان الريفية، التي يسيطر عليها هؤلاء الأمراء بعيداً عن سلطة حكومة كابول، وبعض هؤلاء الأمراء خاضوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتمكنوا بالفعل من الفوز بعدة مقاعد. ومما يزيد من قوة هؤلاء الأمراء أنهم منخرطون في تجارة المخدرات، وبصفة خاصة الأفيونº إذ تقدر بعض التقارير الغربية حجم الأموال التي يحصلون عليها من وراء هذه التجارة بعدة مليارات من الدولارات، ومن ثم فهم يلجؤون إلى دعم ومساندة بعض الجماعات المسلحة، من أجل إضعاف سلطة الحكومة المركزية.
ومع تزايد حالة عدم الاستقرار في أفغانستان، وفي ظل غياب حكومة مركزية قادرة على فرض سيطرتها على أقاليم الدولة المختلفة، وإصرار أمراء الحرب على الاستقلال بالأقاليم الخاضعة لسلطانهم، فإن هجمات رجال المقاومة مرشحة للتزايد خلال الفترة المقبلة، لاسيما مع إفراط القوات الأمريكية في استخدام القوة ضد المدن والقرى الأفغانية، وتعاطف المواطنين مع قادة المقاومة، الذين باتوا يستغلون ممارسات قوات الاحتلال غير الأخلاقية وما تقوم به من أعمال تعذيب وحشية وإهانة وانتهاك لآدمية الأسرى والمعتقلين داخل وخارج أفغانستان، من أجل حشد الشعب الأفغاني ضد سياسات قوات الاحتلال وحكومة "كرزاي" الموالية لها .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد