أفغانستان على مشارف جولة جديدة من الحرب الأهلية !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

دخل الصراع الداخلي في أفغانستان مرحلة جديدة تشير إلى حدوث تغير في ميزان القوى بين مركز طالبان التي تسيطر على 90% من أراضي البلاد وتواجه رفضًا وحربًا دولية تستهدف إقصاءها عن حكم البلاد، وبين قوات المعارضة الشمالية بقيادة الجنرال أحمد شاه مسعود وزير الدفاع في حكومة برهان الدين رباني التي خلعتها طالبان عام 1996م وتسيطر على 10% فقط من البلاد وتحظى بدعم عسكري وسياسي دوليين واسعين.

وجاءت زيارة مسعود لفرنسا في أبريل الماضي حيث أجرى مباحثات مع المسئولين الفرنسيين والجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ومجلس الشيوخ ثم زيارته لمقر البرلمان الأوربي في مدينة استراسبورج الفرنسية كحدث يؤذن بحلقة جديدة في الصراع على السلطة وحكم أفغانستان المستمر منذ الانتصار الأفغاني على قوات الاحتلال السوفيتية وتحرير أفغانستان في عام 1989 وحتى يومنا هذا (يؤكد هذا التطور أن الولايات المتحدة التي تقود الحصار ضد حركة طالبان وأوروبا حليفة واشنطن اتخذوا الخطوة الثانية المتمثلة في تقديم الدعم السياسي والعسكري للمعارضة الأفغانية بعد استصدار قرارات من مجلس الأمن بتشديد العقوبات على طالبان في يناير الماضي بهدف تضييق الخناق على الحركة وتنفيذ مخطط إسقاطها بالفعل.

 

تشديد الحصار على طالبان:

ويبدو أن واشنطن عازمة الآن أكثر من أي وقت مضى على تشديد الحصار على طالبان وبدأت تنفيذ سيناريو إضعافها تمهيدًا لضربها على يد المعارضة المتطلعة للقضاء عليها وإبعادها عن السلطة بعد أن ظلت طالبان ممسكة بمقاليد الأمور منذ هزيمة حكومة رباني عام 1996م وإخراجها من كابول.. وتعتبر واشنطن طالبان حركة أصولية خطرة تهدد المصالح الأمريكية في العالم، وأشد ما يثير حنق واشنطن على طالبان إيواؤها لأسامة بن لادن الذي تعتبره أمريكا أخطر إرهابي في السنوات الأخيرة وتتهمه بتدبير حادثتي تفجير السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998م، كما تتهمه بمسئوليته عن تدبير حادث تفجير المدمرة الأمريكية كول في المياه الإقليمية اليمنية قبل بضعة أشهر.

وترفض طالبان بشدة تسليم ابن لادن إلى الولايات المتحدة التي تطالب به لمحاكمته في واشنطن على هذه التهم أو لأي دولة أخرى خشية أن ينتهي الأمر بتسليمه لواشنطن وتقول طالبان إنها مستعدة لإجراء محاكمة له في أفغانستان بمشاركة قضاة من دول إسلامية وترى أنه مبرأ من هذه التهم وتعتبره مجاهدًا إسلاميًا كبيرًا وقف بجانب المجاهدين الأفغان في قتالهم ضد قوات الاحتلال السوفيتية حتى تحقق لهم النصر وتضيف أنه لا يمارس حاليًا أية أنشطة معادية لأمريكا أو لغيرها وأنه يقيم كضيف في أفغانستان وفق هذه الشروط.

وكان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد أمر قواته في أعقاب عمليتي تفجير السفارتين بشن غارات عسكرية ضد مواقع في أفغانستان كان يُعتقد أن ابن لادن يقيم فيها وكنوع من العقاب لطالبان لرفضها تسليم ابن لادن لاتهامه بالضلوع بالتخطيط للعمليتين كما شنت غارات مدمرة ضد مصنع للأدوية في الخرطوم اتهمته بإنتاج أسلحة بيولوجية وأنه مملوك لأسامة بن لادن.

لكن السؤال الآن.. هو.. إلى أي مدى سيحصل الجنرال مسعود من أوروبا لدعمه في مواجهة حركة طالبان؟ وهل سيكون الدعم كافيًا ليتمكن من إزاحة طالبان التي تسيطر على 90% من البلاد وما تزال تملك القوة الكافية لبسط نفوذها؟؟

مرحلة صعبة.. لطالبان:

يعتقد المراقبون أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة بالنسبة لطالبان ليس فقط من جانب الدعم الذي ستحصل عليه المعارضة من أوروبا ولكن لأن هناك سيناريو متكاملاً ومحكمًا يهدف للقضاء على طالبان من خلال قوات المعارضة الشمالية.. والسيناريو الذي حاكت خيوطه واشنطن بدأ بتشديد العقوبات الدولية ضد الحركة والتي لا شك أنها ستسهم في إضعاف طالبان نظرًا لقسوتها مع حرص أمريكي على تطبيقها بصورة حازمة وسد كل ثغرات اختراقها أو الالتفاف حولها.

وفي محاولة دولية تقودها واشنطن لضمان تطبيق صارم للعقوبات وصل فريق دولي تابع للأمم المتحدة مؤخرًا إلى باكستان ـ الحليف الرئيسي والوحيد لطالبان ـ من أجل الاتفاق على آلية محكمة فاعلة ومؤثرة لتطبيق العقوبات مع المسئولين الباكستانيين، كما قام الفريق بزيارة ميدانية للحدود الباكستانية الأفغانية للوقوف على مدى التزام إسلام آباد بقرار وقف صادرات الأسلحة إلى طالبان وهو الأمر الذي كان يتم بصورة أساسية عبر الحدود مع باكستان، إضافة إلى منع مسئولي الحركة من مغادرة أفغانستان طبقًا للعقوبات الجديدة.

ويبدو أن سرعة إيفاد الفريق الدولي إلى باكستان لتفعيل تطبيق العقوبات جاء كأحد ثمار الزيارة الناجحة لمسعود إلى فرنسا واستجابة لدعوته للدول الغربية بالعمل على وقف ما أسماه «الدعم العسكري الباكستاني لطالبان» وهو الأمر الذي تنفيه إسلام آباد وتؤكد التزامها بقرار الأمم المتحدة بفرض حظر تصدير الأسلحة إلى مناطق الحركة.

إسلام آباد تنفي التهمة:

لكن إسلام آباد التي حاولت إبعاد التهمة عن نفسها في ظل اهتمام أمريكي ودولي بإحكام تنفيذ العقوبات أكدت استعدادها للتعاون مع الفريق الدولي وأنها ملتزمة بكافة بنود العقوبات بما فيها حظر تصدير الأسلحة بينما تحدثت عن معاملة تمييزية تجاه طالبان والمعارضة إذ تتمتع الأخيرة بكل أشكال الدعم من الدول المساندة لها كما أكدت أنها رفضت السماح لوفد رفيع المستوى لطالبان برئاسة نائب رئيس المجلس الانتقالي / الحكومة / ملا عبد الكبير بدخول أراضيها للمشاركة في مؤتمر عقد بباكستان مؤخرًا تنفيذًا للعقوبات.

وتشعر طالبان بتشديد الضغوط عليها والتي لن تكون آثارها السلبية عليها بالأمر الهين وخاصة بعد العقوبات المشددة فقد عبرت الحركة عبر رسالة بعث بها وزير خارجيتها وكيل أحمد متوكل عن قلقها من العقوبات وتأثيراتها القاسية على الشعب الأفغاني.. وقال متوكل إن العقوبات ستعوق إجراء عمليات صيانة الطائرات المدنية خارج البلاد وشراء قطع الغيار لطائرات الأنتينوف الروسية المستخدمة للرحلات الداخلية والتي تعد بديلاً عن الطرق البرية غير الصالحة للسير وحمّل الأمم المتحدة مسئولية الأزمة الاقتصادية في بلاده لكن ما لم يقله متوكل أن العقوبات ستحظر توريد السلاح لطالبان وهو ما يفعّل قبضتها على البلاد.

أما بشأن رد الفعل تجاه زيارة مسعود زعيم المعارضة المناهضة لطالبان فقد اتهم أوروبا بإشعال نار الحرب في أفغانستان بعد دعوتها لمسعود بزيارة فرنسا وإلقاء خطاب أمام البرلمان الأوروبي واعتبر الزيارة بمثابة تشجيع للمعارضة لمواصلة الحرب ومن ثم فهو «عمل ظالم» ضد الشعب الأفغاني، أما فرنسا فقد دافعت عن الزيارة وقالت إنها تستهدف محاولة الإبقاء على خطوط الاتصال مع جميع أطراف النزاع في أفغانستان.

طالبان تطلب الدعم الإسلامي:

وفي محاولة لاستقطاب الدعم الإسلامي ومواجهة العقوبات والهجوم السياسي من قبل قوات المعارضة قام وزير خارجية طالبان بزيارة للدوحة للقاء أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني باعتباره رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي في دورتها الحالية طلبًا لدعم المنظمة.. لكن من الواضح أن المنظمة لن تستطيع أن تقدم الدعم لطالبان فالعقوبات المفروضة عليها دولية تتبناها الولايات المتحدة ورفعها مشروط بتسليم أسامة بن لادن الذي ترفضه طالبان.

ويضاف لذلك أن منظمة المؤتمر الإسلامي ما تزال منقسمة في شغل مقعد أفغانستان.. لطالبان.. أم لحكومة رباني المخلوعة، في الوقت الذي لم تعترف فيه بعد بطالبان، ومن هنا فلن يكون بمقدور المنظمة فعل شيء للأخيرة وعلى الأخص بعد فشل جهود المنظمة في إيجاد اتفاق بين الفريقين المتنازعين بأفغانستان.

ومن الأخطاء القاسية التي ارتكبتها حركة طالبان أنها عجزت عن اتخاذ سياسة معتدلة بل ارتدت لباس يميل إلى التشدد وكأنها حرصت على الظهور به علنًا أمام المجتمع الدولي وربما كانت عملية تحطيم التماثيل البوذية بصرف النظر عن الخلاف الإسلامي حولها أبلغ مثال على ذلك أرادت به توجيه رسالة للتيارات الإسلامية في العالم الإسلامي تستهدف كسب التعاطف والتأييد والظهور بمظهر الغيره على الإسلام لكن هذا العمل أكسبها عداء العالم الغربي الذي نظر إلى طالبان كحامية للأصولية التي لن تسلم دولة من نيرانها خاصة وأنها تصر على إيواء وحماية أسامة بن لادن الذي يخشاه الغرب.

ومما يؤخذ على طالبان أنها لم تحاول كسب ود وتأييد الدول الإسلامية بصورة عملية وكافية على الرغم من أنها لم تحظ باعتراف إلا من ثلاث دول إسلامية في العالم كله هي بخلاف باكستان الحليف الاستراتيجي الوحيد لها. السعودية التي جمدت علاقاتها معها إضافة للإمارات العربية المتحدة، وكان بمقدور طالبان لو انتهجت سياسة أكثر مرونة ودبلوماسية لحازت على اعتراف إسلامي ودولي.. لكنها اختارت طريق الصدام والمواقف المتشددة.

وعلى الجانب الآخر فإن تحالف المعارضة المناهض لطالبان بدأ يستخدم الوسائل الدبلوماسية لفرض المزيد من العزلة الدولية ضد طالبان وكسب التأييد الدولي له وهو ما تحقق خلال زيارة مسعود لفرنسا، أما على الصعيد العسكري فإنه يواصل تدعيم قواته فقد حصل مؤخرًا على صفقة أسلحة متطورة من روسيا من بينها طائرات هيلكوبتر ودبابات ومدفعية وصواريخ، ولم يعرف بعد ما إذا كان مسعود قد حصل على وعود بتزويده بسلاح أوربي خلال زيارته لفرنسا وهو طبعًا أمر غير مستبعد إذا كان الخلاص من طالبان هدفًا حيويًا لدى الغرب.

وثمة تطور آخر على النطاق العسكري وتوازي القوى في أفغانستان ينبغي الإشارة إليه ألا وهو عودة الجنرال الأوزبكي عبد الرشيد دوستم أحد قادة الفصائل الأفغانية المعارضة لطالبان إلى أفغانستان مؤخرًا من منفاه الاختياري في تركيا والتي كان يقيم فيها منذ عام 1996م عندما طردته قوات طالبان من الإقليم الذي كان يسيطر عليه شمال أفغانستان، ويسعى دوستم إلى فتح جبهة جديدة ضد طالبان بالتحالف مع قوات مسعود مما يعني المزيد من الدعم لقوى المعارضة.

حرب قادمة.. والشعب الضحية:

وبعد هذا العرض للواقع الجديد الذي تقبل عليه أفغانستان لا يكون من الصعب على المراقب لهذه التطورات أن يتوقع اندلاع جولة جديدة من حرب واسعة في البلاد المنكوبة بميليشياتها المتناحرة والتدخلات الخارجية خلفها ومن ثم مزيد من الدمار والخراب الذي حل بأفغانستان البلد المسلم منذ الاحتلال الشيوعي السوفيتي لها في الثمانينات الماضية وحتى بعد هزيمته على يد المقاتلين الأفغان الذين انقلبوا بعدها على بعضهم البعض واضعين أنفسهم في قبضة أياد أجنبية تصنع بهم ما تريد من مخططات لبسط النفوذ.. ويبقى الشعب الأفغاني المنكوب الضحية ودافع الفاتورة الباهظة من قوته وأمنه وحاضره وغده.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply