بسم الله الرحمن الرحيم
الحركة الإسلامية ـ في أي بلد ـ هي صمام الأمان, وذلك بما تملكه من استقامة المنهج ونُضج التجربة و جهد الصالحين, وما قدمته من أرتال الشهداء وما تدخره من جموع المجاهدين الذين لا يزالون يقبضون على الجمر وما بدلوا تبديلاً نسال الله لهم الثبات. وحين نتحدث عن الحركة الإسلامية لا نعني تنظيماً معيناً أو جماعة محددة, فالحركة الإسلامية اسم جامع لكل من يتحرك بالإسلام بفهم صحيح، فيدخل تحت لوائها المجموعات و الأفراد من الدعاة و المصلحين و المربّين,
والحركة الإسلامية بهذا الفهم تنتظرها أعباء كثيرة وتواجهها تحديات عديدة، تستوجب عملاً دؤوباً وجهاداً مستمراً, فساحات العمل التعليمي والتوجيهي تحتاج للمزيد من البذل والعطاء لانتشار الجهل وتفشي البدع والمنكرات, وميدان العمل التربوي وتزكية النفوس يتسع للكثير من جهود التذكير ونصب منارات القدوة لتردي الأخلاق وضعف الهمم وسيادة الهوى و غلبة الشهوة, ومضمار العمل السياسي يفتقر للمزيد من دراسات التأصيل وبحوث التقويم والتقييم لمسيرة العمل الإسلامي المحاصر في هذا المجال, ولازلنا نحلم ـ في السودان ـ بجبهة عريضة تضم تيارات العمل الإسلامي: تنسق الجهود وتوحد الصفوف وتقارع الأعداء وتحفظ المكتسبات وتسعى للمزيد.
إلا أن واجب الوقت وفقه المرحلة بالنسبة للحركة الإسلامية في السودان الآن، هو الاستعداد لمرحلة السلام المقبل وما تحمله من تحديات، والتحسٌّب الجيد لجملة المحاذير والمخاطر التي قد تنشأ في مقبلات الايام. فبتوقيع الإتفاق الإطاري للترتيبات الأمنية والعسكرية بين الحكومة السودانية وحركة التمرد في نيفاشا الكينية في 25 سبتمبر الماضيº فتحت صفحة جديدة في تاريخ السودان, وشُرع باب يدخل منه الكثير من (الهواء) ورياح المتغيرات المقبلة بمراقبة دولية وترتيبات إقليمية تقودها دول تنظر كلها ـ بطريقتها ـ حسابات الربح والخسارة، الأمر الذي يوجب على الحركة الإسلامية أن تضع في حساباتها كل هذه المتغيرت، وأن تسعى أن تكون الأنجح في وقت تعمل فيه آلاف العقول على تشكيل ملامح المرحلة المقبلة.
وابرز تحدٍ, يُسفر في المرحلة القادمة هو صراع الهوية، والوجهة الفكرية والعقائدية للبلاد’ فهاهي شُلل العلمانيين وبقايا اليساريين تحاول بجهد التشكيك في ثوابت الأمة العقائدية والفكرية والطعن في تاريخها ووجهتها عبر أرتال من دعاوى التنوع الثقافي والعرقي، وألوان من حجج الديمقراطية المُدعاة و مزاعم اللبرالية الغربية, وما أطمعهم في ذلك إلا حالة الضعف العام التي طرأت على الخطاب الدعوي الإسلامي، وتبعثر الفصائل، وتشتت الجهود دون تنسيق أو تفاهم يخرس ألسنة المخرصين، ويردع محاولات المتطاولين.. (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم).
ولعله من نافلة القول أن نؤكد أن هذا الشعب مسلم وأن المسلمين يشكلون فيه الغالبية العظمى ومن حقهم – حتى وفق النظرة الليبرالية المجردة - أن يعيشوا وفق نظام عقيدتهم ويُحكموا حسب ما تراه شريعتهم دون المساس ـ بالضرورة ـ بحقوق الآخرين ولا ظلمهم. وهذه الحقيقة البسيطة البدهية هي ما تحاول النخب العلمانية ـ و من وراءها من القوى الإقليمية والعالمية ـ تجاوزها و القفز من فوقها, و من هنا تحديداً تبدأ أولى خطوط الدفاع وأبرز مواقع المعركة التي تسند الحركة الإسلامية فيها حقائق التاريخ و شواهد الواقع، و شهادات البشر إن هي أحسنت استخدام الأدوات والفرص والمقدّرات.
وثمة أمر آخر يتفرع مما أشرنا إليه في موضوع الهوية والوجهة الفكرية وهو موضوع العقيدة العسكرية المشتركة التي أشار إليها الاتفاق الإطاري في البند السادس, فأي عقيدة عسكرية تجمع بين الجيش السوداني وبين جيش المتمردين، والمعروف أن الجيش السوداني خلال الأربعة عشر عاماً الأخيرة قد توجه أمره على وجهة مستقيمة إذ صار ضباطه يحفظون سوراً من القرآن كالأنفال والتوبة والحشر عبر دورات مستمرة، وأصبح نداؤه الدائم: "الله أكبر"، كما أدخلت العديد من الأناشيد الحماسية [الجلالات] الإسلامية مما رفع روحه المعنوية وزاد مقدراته القتالية. أما جيش المتمردين فلم يوحده دين ولم تضبطه عقيدة، إذ أنه نشأ على "مانفستو" ذي ملامح شيوعية ثم ما لبث أن اتجه غرباً ـ بعد سقوط إمبراطورية الشر الشرقية ـ وأصبح قادته يلهجون بالعلمانية صباح ومساء. فأي خسارة تلحق بالإسلام والمسلمين في هذا البلد مما يجره هذا البند المشؤوم.
بعد الإطار الفكري الذي تحدثنا عنه أعلاه والذي يجمع فصائل الحركة الإسلامية نظرياً, يبقى من الأهمية بمكان الجمع العملي بينها، أعني توحيد الصفوف وتنسيق الجهود لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة والتي تستهدف أول ما تستهدف ـ فيما نرى ـ مكتسبات الحركة الإسلامية وإنجازاتها في السودان.
مما لا شك فيه أن خلف الإتفاق أيادٍ, أجنبية كثيرة تعمل لطمس هوية الأمة وفرض الرؤى العلمانية والمفاهيم الغربية, ومن المخجل والمبكي في آنً واحد أن يرمينا الأعداء عن قوسٍ, واحدة ونحن نعلم ذلك ثم لا نتحرك لنتوحد ونرميمهم عن قوسٍ, واحدة، وربنا يقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
والخلاصة أن الإتفاق الإطاري للترتيبات الأمنية والذي وقع في نيفاشا يوم 25/9 الماضي بين الحكومة السودانية وحركة التمرد يفتح آفاقاً من التحديات وأبواباً من المخاطر والمحاذير تستدعي من الحركة الإسلامية في السودان أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية لتواجه التحدي، وفي اللحظات التاريخية الحاسمة تظهر معادن الرجال.. والجماعات.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد