بسم الله الرحمن الرحيم
إن آلية الهجمة الغربية والمشروع الحضاري الغربي، تتبنى وجهة واحدة أحادية طاغية رغم ادعاء الغرب العريض بإيمانه بالتعددية والديمقراطية، وقبول الآخر.
ولذا فانه (الغرب) لا يرضى من الشعوب والحضارات الأخرى، إلا أن تتبنى فكره ورأيه في كل شيء، وأي شذوذ عن ذلك من قبل المجتمعات، التي تحاول الدفاع عن نفسها، بواسطة الحفاظ على شخصيتها وهويتها، يعتبره تخلفاً وخروجاً عن سبيل التقدم، ودخولاً في حومة مجموعة من التهم المغرقة في الكذب والنفاق مثل: الإرهاب، والتعصب، والاعتداء على حقوق الإنسان.
ولقد كان موضوع المرأة من أهم الأدوات والأساليب التي هاجم بها الغرب مجتمعاتنا العربية الإسلامية، بما لها من مكانة، في ترسيخ قواعد المجتمعات، واستقرارها، وتربية أجيالها.
ولقد استغل الغربيون ابتعاد المسلمين عن هدي نبيهم في التعامل مع المرأة، ووجود الكثير من الرجال المسلمين الذين أصبحوا بهذا الابتعاد موضع اتهام بالمساعدة على افتعال قضية للمرأة، أنشئت من أجلها مؤسسات، وعقدت ندوات ومؤتمرات، راح الغربيون يروجون لها ويزينون لمجتمعاتنا صورة المرأة عندهم، ويجعلون من انحرافها وتمردها وعريها ووقوعها فريسة أفكار الرجال الذين يريدونها صيداً سهلاً قريب المنال متسترين خلف شعارات مزخرفة بالحرية والخروج من تحت ركام الظلم والإهانة نموذجاً للعمل. وهم في هذا السبيل ومن أجل الإقناع استعملوا كل وسيلةº فمن كتابات وخطب وبيانات المتغربين في مجتمعاتنا، إلى الصورة في التلفاز والصحيفة والسينما، إلى الكتب والصحف المنحرفة وغيرها.
ولقد كانت هجمة عارمة منسجمة مع هجمة عامة كبيرة على مجتمعاتنا، تبغي إسقاط خنادق المقاومة عندنا من أجل أن يصلوا إلى الهيمنة الكاملة، التي تجعل منهم وجهة لنا تعب قلوبنا وأفكارنا منها وتعود إليها، وعندئذ تتم لهم عملية الكسب المادي ونهب الثروات بشكل كامل، وتلك نهاية المطاف الذي يبتغون وعندئذ يحكمون السيطرة على كل مقدراتنا.
ولقد نجحت الهجمة إلى حد كبير، فها هي مجتمعاتنا تعج بالمتغربات، وتلك دوائرنا ومعاملنا ومؤسساتنا مليئة بالنساء الموظفات المختلطات بالرجال بدون حشمة ولا وقار، وفي كثير من الأحوال بدون حاجة لوجودهن هناك، بل قد يكون وجودهن في الغالب من أجل استكمال اللوحة، التي أراد لها الغرب والمتغربون في مجتمعاتنا أن ترسم وتؤطر، ثم تعرض. بشكل احتفالي مثير، يشير إلى الإسلام بأصابع الاتهام مع أنه تقدم بحقوق المرأة أشواطاً لم تستطع حضارة الغرب حتى اليوم أن تلحق بها
وامتلأت الساحات والميادين بصراخ همجي، يدعو إلى جعل المرأة نداً معادياً للرجل، وليس شريكاً مكملاً، يأخذ مكانته الحقيقية لخدمة الإنسان عامة والمبادئ السامقة الكاملة خاصة أنها رمية على الطريقة الغربية، تبتغي سقوط الحصون والمقاومة وإلى الأبد.
2 ـ ولكن ....
وجاءت صحوة الإسلام، وبدأت أحلام التائهين تذوب رويداً رويداً أمام بريق نور الحق، الذي لم يَخبُ يوماً من الأيام، ولنستمع إلى عائشة التيمورية تنشد (أيام زمان): ـ
بيد العفاف أصون حجابي وبهمتي أسمو على أترابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني خجلي عن العليا ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي
ثم لنر من جديد حملة العلمانية في فرنسا ولنعجب!! كيف أربكتها عودة المرأة بزخم إلى سبيل الحق والخير والجمال، فراحت تتعرض حتى للصغيرات المسلمات في المدارس، يرتدين تاج العفة، ويقهرن عتمة الضلال، في عقر عاصمة النور المزعومة. فتحاول يد الشيطان أن تحرم هاتيك الصغيرات من مدارسهن، تحت شعارات محاربة التعصب والأسلمة، بينما هم بعملهم المشين ـ القيام بطرد الصغيرات من المدارس لا لذنب إقترفنه إلا لباس العفة والشرف ـ كانوا أشد المتعصبين الظالمين.
فإذا التفتنا حولنا وجدنا هذا التيار الخير، الذي دخلت فيه ممثلات، لم يكن أحد في يوم من الأيام يحس بتوبتهن ورجوعهن، إلى جادة الصواب من بين براثن بريق الأضواء، ومن تحت ركام نشوة الشهرة والمال. وتابت الكثيرات وفي عيونهن دموع الندم، على ما فرطن في سالف الأيام، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: ـ "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً". "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون".
ثم لنستمع إلى صيحة الحق كيف بدأت تعلو من جنبات المجتمعات الغربية، بعد طول عناء وعنت ومقارفة للحرام ومن بين فكي تجربة مرة، عانت منها أجيال آمادا طويلة، ذهبت ضحية أهواء أصحاب الهوى والربح والكسب الحرام، الذي يأتي عن طريق منهجية خروج المرأة، وانطلاقها بلا رادع ولا قيد ولا أخلاق، يحدوها في ذلك طُعم مركب وضع فيه السم لها مدهوناً بكلمات تمويهية تقول: بالمساواة مع الرجل، والندية له، والاستقلال الاقتصادي عنه، بينما يشهد رجل علم من داخل حضارة الغرب بالحق الذي يفضي إلى غير ما أريد من هذه الشعارات يقول الكسيس كاريل: "الحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي، فالقوانين الفيزيولوجية غير قابلة لليّن شأنها في ذلك شأن العالم الكوكبي، فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن، دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة«.كتاب الإنسان ذلك المجهول.
وهذه مجلة (ماري كير) الفرنسية، قامت باستفتاء النساء الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، وكان عنوان الاستفتاء (وداعا عصر الحرية وأهلا عصر الحريم)، وشمل الاستفتاء رأي 2.5 مليون فتاة في الزواج من العرب، ولزوم البيت فكانت الإجابة 90% نعم، والأسباب كما قالتها النتيجة هي الآتي:
1 ـ مللت المساواة مع الرجل.
2 ـ مللت حياة التوتر الدائم ليل نهار.
3 ـ مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو.
4 ـ مللت الحياة الزوجية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا عند النوم.
5 ـ مللت الحياة العائلية التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا عند مائدة الطعام.
إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها يمكن أن تطمس إلى حين، ولكنها لايمكن أن تطمس إلى الأبد، وما أتينا على ذكره من صيحات دليل رائع على ذلك.
غير أن هذا الذي قلناه، لايمكن أن يستهوينا، فيجرنا إلى الاعتقاد: أن الغرب قد عاد أدراجه إلى الفطرة تواً، وعرف الحق الذي لاحق غيره، لا أبداً فالغالبية العظمى من الغربيين، مازالت تستهويهم حياة الانطلاق المجنون، وتجرفهم تيارات الحداثة، الماجنة، الكافرة بكل قيمة أو مبدأ إلا السلعة والمادة ولحظة المتعة واللذة.
وهم ما يزالون يسيرون بحماس وراء مشروعهم الحضاري وفرضه على الأمم والحضارات الأخرى، يغريهم في ذلك ضعف الآخرين، وكثرة الثغرات في جدر المقاومة، والأعداد الكبيرة من الممالئين لحضارتهم، المتوزعين في كل الأركان الهامة وغير الهامة داخل تلك الأمم. وفوق ذلك كله ومن قبله وبعده الآليات الخفية والظاهرة، التي تعمل بها وبواسطتها مدنية الغرب، فتخترق الحجب والحواجز بخفاء، يكاد يكون محبباً للنفس البشرية الأمارة.
فطرق التعليم، ووسائل الإعلام، وأجهزة الرفاه الحديثة، (وموضات) الملابس، ووسائل الحياة ومظاهرها، ومايدور وراء الكواليس في عمليات الشهرة والابتزاز وتسليط الأضواء، كل ذلك وغيره يعمل بطريقة سحرية، لاستقبال المعجبين، بعد أن يقعوا في الشراك الخطرة، وهم يضحكون، لاهين فرحين، بما آتاهم الغرب، من شرف المشاركة في أفكاره، ورضاه لهم بالعيش على حواشي تضاريسه ومعالمه، وقد يكون الأمر هيناً، لو أن هؤلاء الساقطين في شرك الغرب كانوا أفراداً ومجموعات قليلة، ولكنها شعوب بأكملها، كرست مناهج الحياة الغربية في أرضها، وفوق أديم موروثها وهويتها، وهي تظن أنها تأخذ بأسباب التقدم والنهوض.
ولقد كان لأمتنا نصيب كبير من هذا الذي ذكرناه، ولكن هذه الأمة لايمكن أن تمضي في هذا الاتجاه إلى ما لانهاية، وفيها كتاب الله المحفوظ، وفيها الطائفة الظاهرة على الحق، لا يضرها من خالفها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وسوف تمضي أمم الغرب إلى مصائرهم المحتومة التي تترتب على مخالفة السنن الإلهية التي لا تتخلف، هذا إذا لم ترعوا تلك الشعوب، وتعود إلى الفطرة.
ولنقرأ معاً هذه الكلمات الغربية: »عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم، وهي جميعاً في تسعير سعير لأهل الأرض أولها الأدب الفاحش الخليع، الذي لا يفتأ يزداد في وقاحته ورواجه بعد الحرب العالمية الأولى، بسرعة عجيبة، الثاني الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروساً عملية في بابه، الثالث: انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء الذي يظهر في ملابسهن، بل في عريهن، وفي إكثارهن من التدخين، واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام،. هذه المفاسد الثلاث فينا إلى الزيادة والانتشار، بتوالي الأيام، ولابد أن يكون مآلها إلى زوال الحضارة والاجتماع النصرانيين، وفنائهما آخر الأمر، فان نحن لم نحد من طغيانها، فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابهاً لتاريخ الرومان، ومن تبعهم من سائر الأمم، الذين قد أوردهم هذا الاتباع للأهواء والشهوات موارد الهلكة والفناء، مع ما كانوا فيه من خمر ونساء ومشاغل رقص ولهو وغناء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد