مشكلاتنا المزمنة.. وكيف يمكن حلها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تنفرد اليوم بالهيمنة على العالم قوة تسعى لإدارته وفق سياسات لا تلتزم القيم والأخلاق والمثل، جعلت كل همها تغليب المصالح الخاصة على حساب مصالح الشعوب وخاصة الشعوب العربية والإسلامية، كما غلبت عليها نزعة الغطرسة والاستكبار والشعور بالتفوق إزاء كافة الأمم، وهي لا تبيت خيراً لعالمنا العربي والإسلامي بل العكس منذ أن ورثت الماضي الاستعماري البريطاني والفرنسي البغيض الذي بدأ بالأفول بعد الحرب العالمية الثانية، وكشفت عن وجهها يوم أن أعلنت انحيازها للصهيونية في عدوانها على قطر عربي مسلم واغتصابها أرضه، وتشتيت الملايين من أبنائه وذبح الألوف منهم، وإقامة كيان دخيل فوق أشلاء الضحايا، وأطلال مئات القرى والمدن التي أزالوها من الوجود.

وقد مهد الطريق لنزعة الهيمنة والعدوان أمران كان لهما ولا يزال الشأن الكبير والخطير فيما وصلت إليه من تكبر واستخفاف بالأرواح والدماء العربية والإسلامية:

أولاً: تولي نظم حكم في بعض أقطار العرب والمسلمين بتخطيط وتوجيه غربي أعلنت بالقول والعمل فصلها بين الدين والدنيا، فلا شأن للإسلام في زعمها الباطل بأمور الاقتصاد والسياسة، والدفاع والجهاد، والتقدم والنهوض، والسبق في العلم والتفوق في الابتكار والاختراع، أو بالأخلاق والقيم والمثل.. وفي المقابل: الافتتان بما لدى الوافد الدخيل من أنماط وسبل المتاع وأساليب الحياة والعيش

ثانياً: أن أكثر النظم الحاكمة قد اعتمدت سياسة تهميش الشعوب، وانفردت بالسلطة والقرار، وحرمت الشعوب حق المشاركة، معتمدة على أجهزتها الأمنية في قمع الرأي المخالف، وإسكات الآخر المعارض، وقد ترتب على ذلك القهر غياب الشورى، وافتقاد العمل المؤسسيº مما أدى إلى غياب الرأي الصائب، والقرار المدروس، وصدور القرارات التي افتقدت الحكمة، وجافت مصلحة الأمة، وأوقعتها في أزمات طاحنة، بعد أن وصلت إلى مستوى غزو أو شن الحرب على جار عربي مسلم، إضافة إلى سيادة روح الخلاف والصراع بين الحكام بعضهم البعض، واتساع الهوة بين الحكام والشعوب، وغياب أو تغييب روح وأواصر الأخوة التي زرعها الإسلام، وأكد عليها الحق - تبارك وتعالى - في قوله وهو أصدق القائلين: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) (آل عمران:103).

وهناك من يضيف إلى ذلك انهيار القوة الثانية التي برزت نداً للمعسكر الغربي، كعامل له أثره في انفراده بالهيمنة، ولجوئه إلى التوسع والعدوان، وهو عامل له دوره في التفرد الحاصل، إلا أن الحال العربي والإسلامي خاصة على مستوى نظم الحكم يبقى هو العامل الأساس في إتاحة الفرصة، وفتح الساحة أمام العدوان الصهيوني والغربي ليصادر الأرض، ويسعى لإحكام الخناق حول الأعناق، ويهدد الوجود والمصير والدور الحضاري الذي نهض به المسلمون لقرون طوال حين تمسكوا بشريعة ربهم وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -.

إن ثمة حقيقة لم تعد خافية وهي أن العدوان الذي يقع على الأمة الآن وفي ظل انفراد طرف واحد بالقوة والهيمنة هو نتاج سياسة مرسومة، وعوامل داخلية على ساحة العرب والمسلمين جعلت الفرصة سانحة ومهيأة.. وكان لابد أن يصل الحال بعالم العرب والمسلمين إلى الواقع الذي يعيشه اليوم.

وإذا كان الغرب قد احتضن الكيان الصهيوني الغاصب، ورعى وجوده، وأعلن مسؤوليته عن أمنه وتفوقه، فإنه مضى في هذا الاتجاه في إطار سياسة اعتمدت أيضاً عدة خطوط خطيرة منها:

1 فرض حصار علمي حول العرب والمسلمين يحول دون ولوجهم أبواب العلم أو الاغتراف من منهله.. فإضافة إلى فتح أبواب الغرب أمام العقول العربية والإسلامية للهجرة إليه، وحرمان عالم العرب والمسلمين من ثمار علم تلك العقول وتفوقها.. فإنه حرص على حرمان العرب والمسلمين من علوم العصرº وبخاصة ما يتصل بالأسلحة المتطورة، حتى يحرمهم بالتالي من أسباب التقدم والمنافسة، والدفاع عن النفس، وردع العدوان، واستخلاص الحقوق.

2 الحرص على استغلال الموارد، مع السيطرة على مصادر الطاقة، والتحكم في أهم المفاصل، وطرق الاتصال والمواصلات، مع التحكم في التجارة، وزرع أسباب الفقر والحاجة ليصل الأمر إلى مستوى استيراد رغيف الخبز والدواء.

3 تقطيع أواصر الوحدة والاتحاد، وبث عوامل الخلاف والتنافر والتطاحن، ودعم وتأييد الكيان الصهيوني الغاصب.. والإصرار على تفوقه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والسعي لإيجاد "نظام شرق أوسطي" يمثل فيه العدو دور المركز والموجه والمسيطر في إطار سياسة تحارب وحدة العرب والمسلمين.

إن الحملة المسعورة على الإسلام والمسلمين ما بين اجتياح وغزو وتدمير ونهب للثروات وقتل وإبادة للأبرياء، والسعي لاقتلاع جذور الهوية، وتغيير وتبديل المناهج الإسلامية الصحيحة والأصيلة، هذه الحملة تنطلق من موقف رافض لمبادئ العدل والإنصاف والمساواة التي جاء بها الإسلام، ويجب أن نسعى لكشف تلك الحقيقة أمام كل المخدوعين.

إن الإسلام دين الفطرة أنزله رب الناس للناس كافة، وهو وحده الأعلم بما فيه صالحهم ونفعهم وخيرهم، ومن ثم فليس بغريب أن تعلن قوى الاستكبار، الحرب على الإسلام: العقيدة ومنهاج الحياة ونظامها الرباني، كما ليس غريباً أن تدعم قوى الاستكبار الدكتاتوريات والنظم المستبدة، وتشملها بالرضا على امتداد عقود طوال، بعد أن أعلنت الفصل بين الدين والدنيا.

ولم يكن غريباً أن تسعى وتضغط لتغيير مناهج التعليم، ولم يكن غريباً أيضاً أن يبلغ عداؤها حد اعتبار دفاع الشعب الفلسطيني عن دينه وأرضه وعرضه إرهاباً وعنفاً يجب حصاره ووقفه وتفكيك منظماته، مع ممارسة الضغوط على الحكومات من أجل إحكام هذا الحصار، والمشاركة في وأد الانتفاضة الفلسطينية، مع اعتبار إجرام ووحشية الصهاينة دفاعاً عن النفس!

إن العداء السافر للإسلام الذي نراه ونلمس آثاره إنما يأتي في إطار سياسة استعمارية بدأت رحلتها في اتجاه الهيمنة على عالمنا العربي والإسلامي من قديم ومضت في مسيرتها العدوانية طوال عقود لتسفر عن وجه الظلم والطغيان السافر في مطلع القرن الواحد والعشرين.

ترى هل يدرك حكام العرب والمسلمين أبعاد الموقف وحقيقته، وأن ملاذهم ومنجاتهم إنما هو الإسلام: عقيدة وشريعة ونظام حياة، لا فاصل فيه بين الدين والسياسة، ولكنه الرباط من عند الله لا ينفصم ولا ينفصل.. وأن كل محاولة للفصل أو التجزيء أو التبعيض إنما فيها الدمار والضياع؟!

ذلك هو وحده طريق النجاة والفلاح، ذلك وحده هو المخرج في مواجهة تهديد للأمة كلها بالإبادة أو الخضوع والاستسلام.

إن للأمة سلاحها الذي لا يهزم صاحبه أبداً.. ولا تنال منه الأيام والليالي: سلاحها الحق، ونحن أصحاب الحق، وأصحاب العقيدة الإيمانية، وأزمة العالم اليوم أزمة غياب العقيدة الصحيحة.

فهل نتمسك بعقيدتنا وحقنا لنعيش أعزة كراماً؟ هذا ما ينبغي العمل من أجله.. حكومات وشعوباً.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply