وما زال التغريب مستمراً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

د. محمد عابد الجابري أحد الأبواق المجلجلة للعلمانية والتغريب في العالم العربي، وتحديداً في بلاد المغرب مراكش، على الرغم من إفلاس التيار العلماني، وتساقط أوراق الليبرالية العربية المعاصرةº فإن الجابري يعود أدراجه مرة ثانية مدعياً أنه عود حميد حيث يتجرأ على النص القرآني مستخدماً قواعد ما يسمى بعلم الخطاب، أو علم اللغة النصي، ومطبقاً لفلسفة الحداثة الغربية وما بعدها، خائضاً لغمار التخريب في كتاب الله كما فعل نصر حامد أبو زيد، ومن هم على شاكلته من قبل.

قبل أن نتعرض لتجليات الجابري وفتوحاته يلزم التنويه لقواعد التفسير الخاصة بهذا العلم، ذلك العلم الغربي الاتجاه، والأمريكي النشأة الذي يقوم على الآتي:

- نزع القدسية عن النصوص، والتسوية بين ما هو وحي ديني وما هو نتاج بشري.

- استبعاد التفسيرات والتأويلات السابقة، والبدء من نقطة الصفر.

- العقل أساس التفسير، والرؤية العقلية الفردية هي المعيار.

- لا ثبات لأي قراءة أو تفسير عقلي بل هي في تغير مستمر.

- تفكيك النص، وإعادة ترتيبه حسب رؤية القارئ الآنية.

- فصل النص عن تاريخه.

- الحقائق نسبية ومتغيرة لا ثبات فيها.

ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث عندما تطبق هذه القواعد على القرآن، حيث يدعي أن له الحرية في تفسير القرآن بطريقة علمية باستخدام تلك القواعد والأدوات التي تختلف عن الأدوات التي يجب أن يتحلي بها من يتصدى للتفسير، حيث التمكن من العلوم الشرعية كعلم التفسير، وأسباب النزول، ومصطلح الحديث والفقه، وأصول الفقه واللغة العربية، وغيرها من العلوم المؤهلة لذلك، فهو يفكك الآيات ويعيد ترتيبها، وتفسيرها حسب رؤيته العقلية الذاتية ليحدث قرآناً جديداً يواكب تصورات الليبرالية الغربية.

يعترض الجابري على القراءات المتواجدة حالياً للقرآن الكريم داعياً لقراءة جديدة تقوم على قواعد عقلية علمية يقرها علم اللغة المعاصر، وهي عنده تنحصر في ثلاث قراءات:

* القراءة السلفية الدينية، ويعرفها بأنها قراءة أيديولوجية لا تاريخية ذاتية، تسقط المستقبل على الماضي، ولا يمكنها أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للتراث هو الفهم التراثي للتراث.

* القراءة الليبرالية - الاستشراقية، ويعرفها بأنها قراءة أوروبية النزعة، تقوم على قراءة تراث بتراث، ومهمتها تنحصر في رد التراث العربي الإسلامي إلى أصول إما يهودية أو مسيحية، أو فارسية أو يونانية أو هندية.

* القراءة اليسارية - الماركسية، ويُعرفها بأنها تتبنى المنهج الجدلي كمنهج مطبق، وتحاول تطبيق السلفية الماركسية لهذا المنهج.

ويخلص الجابري إلى أن كل هذه القراءات تفتقد للموضوعية، وتعاني من غياب الرؤية التاريخية، ولا تربط التسلسل التاريخي بالواقع فتؤسس على طريقة واحدة هي قياس الغائب على الشاهد.

تفيض إلهامات وفتوحات الجابري عندما يقترح قراءة جديدة بمنهج ورؤية يدعي أنها تتجاوز سلبيات القراءات الثلاثة السابقة! فتجعل المقروء التراثي معاصراً لنفسه، ومنسجماً مع محيطه الخاص، و(معاصراً لنا على صعيد الفهم والمعقولية).

من هنا يقول الجابري: "يتم إضفاء المعقولية على المقروء (النص القرآني) من طرف القارئ مما يساهم في نقل المقروء إلى مجال اهتمام القارئ، مما يسمح بتوظيف النص القرآني في إناء ذاته، أو حتى إعادة بنائه!" واعتماد تفسير القرآن بالقرآن بالمنهج العقلي الذي يستبعد كل التفاسير السابقة واللاحقة وتحديداً جماعات الإسلام السياسي والسلفيات الجهادية (على حد تعبيره).

لكي تدرك حجم الإنجاز الذي حققه الجابري يلزمك أن تضع جملة ما توصل إليه من قراءته في نطاق واحد لتعرف من أي مدخل للقرآن دخل، وإلى أي مخرج وجد نفسه على بابه:

أولاً: تفسير القرآن بالقرآن بالمنهج العقلي، وإبعاد التأويلات المنافية للعقل.

وبما أن العقل لا يؤمن إلا بكل ما هو مادي ملموس فلن يقبل كل ما هو غيبي، حيث أساس الإيمان في الإسلام "الإيمان بالغيب"، أو سيحاول تأويله ليتفق مع الرؤية العقلية المادية.

ثانياً: التعامل مع القرآن بحسب ترتيب النزول من أول آية نزلت حتى آخر أية (على عكس ما تواتر عليه المسلمون، وعكس ما هو عليه المصحف حالياً، بهدف "تحقيق القراءة التاريخية للظاهرة القرآنية"، فيتم إعادة ترتيب سوره وآياته حسب ترتيب النزول لكي يجعله معاصراً لنفسه، لا يتعدى زمن وسبب النزول إلى التعميم.

ثالثاً: ربط الدعوة المحمدية بالسياسة والتاريخ، وهذا معناه اعتبار السنة الشريفة بما فيها (الحديث) و(السيرة) أعمالاً تاريخية وليست من أصول التشريع، والإقتداء مما يمكن من إعمال العقل فيهما، وربطهما بالظروف التاريخية والسياسية فلا تتعدي زمنها إلى وقتنا الحاضر.

رابعاً: عدم الفصل في القرآن بين الدين والدنيا، وهي دعوة خبيثة يتم فيها تذويب ما هو ديني في ما هو دنيوي، وجعل ما هو دنيوي في مرتبة الديني، فتكون العبادة عملاً دنيوياً، وتكون الأعمال الدنيوية العادية أعمالاً تعبدية.

خامساً: اعتبار تعاليم القرآن موضوعاً مفتوحاً لإعمال العقل، فتعرض أوامر الله وأحكامه وحدوده على العقل "الجابري" لينظر ما الذي يأخذه منه وما الذي يتركه!

سادساً: اعتبار القرآن هو وحده المعجزة، و"نفي" الخوارق والمعجزات الأخرى مثل انشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وأمية الرسول (والنفي هنا معناه عدم الإيمان بها) لكي تتفق والتقييم العقلي.

سابعاً: إلغاء معنى أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واعتبار هذه الأمية ليست علامة على المعجزة، واعتبار أنها لا تعني أنه لا يحسن القراءة والكتابة، إنما "الأمي من الأمم التي ليس لها كتاب منزل"! هذا المعنى يدخلنا في تفسيرات المستشرقين من اليهود والنصارى الذين يثيرون الشبهات حول القرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم -، حيث حاولوا إثبات أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم القراءة والكتابة، وأنه قد كتب القرآن من عنده، وبالتالي عدم اعتبار القرآن وحياً بل عملاً بشرياً.

ثامناً: تأويل القصص القرآني بما يتفق مع العقل وليس مع السرد والحدث وهذا معناه رفض ما هو خارق ومعجز وقبول ما هو منطقي وعلمي من القصص، وعدم الإيمان بتفاصيل القصص القرآني، مما يقدح في بدائيات العقيدة، ويشابه ما يعتقده أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم.

فها هو "الجابري" قد دخل مدخلاً إلى القرآن، فكيف كان مدخله!

وها هو "عابد الجابري" قد خرج بنفسه وبنا فأين أصبح مخرجه!

"اللهم أدخلنا مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق" آمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply