الأقليات الإسلامية . . واغتيال الهوية الثقافية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يعاني المسلمون في مختلف أنحاء الأرض -حيثما وُجدت الحكومات المستعبدة المتطرفة في بلدان الغرب وآسيا وأمريكا- من اضطهاد وتفرقة عنصرية على المستوى الشعبي من المتطرفين وعلى المستوى الحكومي، هذا إلى جانب خطر أكبر يهدد هذه الجاليات على مستوى أنحاء العالم، وهو محو الهوية الإسلامية في ظل إعلام غربي يرسخ لمبادئ الانحلال وإعلام عربي وإسلامي ضعيف لا يصل إلى الطوائف المسلمة أينما كانت.

ويبلغ عدد المسلمين الذين يقطنون الدول غير العضو في منظمة المؤتمر الإسلامي نحو (450) مليون مسلم على مستوى قارات العالم الست، وهو ما يقدر بثلث عدد المسلمين، وعلى وجه التحديد يزيد عدد المسلمين في دول الغرب عن (25) مليون نسمة، يعيش منهم (16) مليون مسلم في أوربا ـ عدا ألبانيا والبوسنة حيث المسلمون أكثرية ـ و(8) ملايين مسلم في الأمريكيتين، وحوالي نصف مليون مسلم في استراليا.

 

محو الهوية!

تواجه الأقليات المسلمة السابق ذكرها محاولات ـ سواء بشكل مقصود أو عفوي ـ لمحو الهوية، أو ما يسميها البعض باغتيال الهوية، لما في هذا الأمر من نية مدبرة من قبل الغرب، وتشمل هذه التحديات المستويات الثقافية والاجتماعية والإعلامية والتربوية والتعليمية. ويكون الاغتيال الاجتماعي عن طريق بث العادات والتقاليد الغربية التي تتسم بقدر كبير من التسيّب، والذي يتنافى مع الدين الإسلامي ويتنافى مع واقع الأسرة المسلمة وعلاقات أبنائها مع بعضهم، والعلاقات الاجتماعية داخل الأقلّيات، وعلاقاتها بالوسط الذي تعيش فيه.

 

بالإضافة إلى التفكك الأسري، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الأبناء دينياً وسلوكياً، وتمردهم على الأعراف الأسرية والاجتماعية الإسلامية، وقد يجد الأبناء في الصداقات مع أبناء غير المسلمين ملجأ للهروب من ضغوطات البيت.

أما الاغتيال الثقافي فيكون عن طريق اقتلاع التاريخ الإسلامي من الواقع وتحويله إلى مجرد ذكرى مشوّهة في عقولهم، وتستند حكومات الغرب في القيام بهذا الدور إلى إعلام قوي يمكنها من بثّ السم في عقول وحياة الجاليات المسلمة التي ترى من المجتمع ما يكفي لمسخ هويتها الثقافية وتحويلها إلى مجرد ثقافة ممسوخة أخذت من الغرب كل شيء وتحوّلت إلى صورة مماثلة.

 

وتعتمد ثقافة المسلم التربوية والتعليمية على المصادر الثقافية الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالطبع مفتاح هذه المصادر هو اللغة العربية، وهنا تكمن مشكلة خطيرةº إذ إن الأجيال القادمة بين هذه الأقليات تفتقد إلى عنصر هام جداً، وهو اللغة التي يمكنهم بها أن يتعرفوا على تعاليم الإسلام وأخلاقه عن طريق دراسة قرآنه وسنته، وهي اللغة العربيةº إذ غالباً ما يتعلمون باللغة الأم للبلد الذي يعيشون فيه، مما يترتب على هذا جهلاً حقيقياً في فهم الإسلام، وتمتد الخطورة هنا إلى العقيدة نفسها وليس الهوية فقط.

 

حملة منظمةžžžžžž!

وتعمل سلطات البلدان الغربية بأساليب مدروسة ومخططة لمحو الثقافةº إذ تعمل دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال على القضاء على الأسماء العربية ومنع استخدامها بقوة القانون; لأنها تعتقد أن الشخص الذي يحمل اسم أحمد أو علي يعني بقاء ارتباطه بالإسلام أي المحافظة على الحد الأدنى من الانتماء الثقافي للإسلام، فتعمد تلك السلطات إلى تغيير هذه الأسماء وتعريض من يخالف للعقوبة. في حين تفرض بعض الدول على الأقليات المسلمة وضع مقطع زيادة على أسمائهم العربية لتشويههاº فعلى سبيل المثال أحمد يتحول إلى أحمدوف وعلي إلى علييف.

بالإضافة إلى أن بعض تلك الدول تلجأ إلى طمس أي مظهر من مظاهر الإسلامº كحملتها المنظمة على الحجاب مثلاً، والتي شنتها فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تحت مزاعم الإرهاب، إلى جانب هولندا التي شرعت قانوناً لحظر النقاب ودفع المسلمين في اتجاه الأعراف، والتقاليد الاجتماعية السائدة في البلدان الغربية في سلوكيات غير شرعية لدى الأقلّيات المسلمة فيها محاكاة لتلك الأعراف، وفي مقدمتها موضوع الاختلاط والانفتاح بين الرجال والنساء في كل الأماكن والأزمان.

العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة ينتهج خطوات تسعى إلى إحداث الفرقة تمهيداً للتدخل العسكري..

 

ويدخل في السياق نفسه التبرج والسفور وتسويغ الكثير من المحرّمات الأخرى، كشرب وأكل أطعمة ولحوم غير حلال، وكذلك الجوانب الحقوقية المتمثلة في قضايا الزواج (الشرعي) والإرث وغيرها مما يرتبط بالقوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية. فكثير من البلدان الغربية تفرض على المسلمين القوانين المدنية الوضعية التي يتعارض الكثير منها مع الشرع الإسلامي، ودون شك فإن الانتماء بالجنسية للبلد الغربي سيترتب عليه الالتزام بقوانين هذا البلد بمختلف ألوانها ومضامينها، الأمر الذي يوجد هذه الإشكالية، أي إشكالية الانتماء بالجنسية للبلد الغربي والانتماء بالعقيدة للإسلام وما يترتب على ذلك من خصوصيات.

 

مهمة إسلامية:

وفي ظل ما يواجهه المسلمون من تحديات فيما وراء البحار كان لزاماً على الدول الإسلامية أن تقوم بدور فعّال في بثّ الثقافة الإسلامية إلى هذه الأقلّيات عبر وسائل الإعلام، وعلى شكل كتب تعليمية أو عامة ومجلات وأشرطة سمعية وبصرية وغيرها، ولاسيما تلك المعدّة خصيصاً لمخاطبة الأقلّيات المسلمة في الغرب، إضافة إلى إنشاء مشاريع في دول الغرب نفسها تقوم بمهمة الإنتاج، أو الترجمة كحد أدنى، وصولاً إلى إنشاء إذاعات ومحطات تلفازية ووكالات أنباء خاصة لبث الأخبار الإسلامية بديلاً عن وكالات الأنباء ومصادر الأخبار ووسائل الإعلام التي تشرف عليها وتمولها الدول الغربية.

وكذلك الاهتمام بإعداد الكوادر الإعلامية من أبناء الأقلّيات لسد أي فراغ محتمل في هذا المجال، على أن تتم هذه النشاطات ـ بالنظر لخطورة رسالتها وتأثيرها -تحت إشراف أساتذة وعلماء كمرجعيات في الجانب الشرعي.

ومن المثير للدهشة أن الغرب يستهدف الإساءة إلى الإسلام بأكثر من وسيلة، ويطمح إلى محو الهوية العربية الإسلامية حتى يستبدل بها النموذج الغربي. يقول أحد الكتاب العرب: إن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة ينتهج خطوات تسعى إلى إحداث الفرقة تمهيداً للتدخل العسكريº إذ تحوّلت "الحرب الثقافية إلى حرب عسكرية أفضت إلى احتلال أفغانستان والعراق والطموح إلى غزو دول أخرى كسوريا".

ومن هنا يتضح أن المسلمين يواجهون حملة منظمة يقودها الغرب وغير المسلمين تتطلب الحذر والانتباه، مما يضع على عاتقهم مواجهة هذه الحملة التي جاءت إلى ديارهم إلى جانب وضع آليات للحفاظ على هوية الأقليات.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply