الاستغراب (*)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ليس هناك حاجة كبيرة لإيضاح طبيعة العلاقة القائمة بين الشرق الإسلامي، والغرب (النصراني العلماني) من الناحية العسكرية والسياسية منذ أن تمكنت الدولة الإسلامية الوليدة من تهديد وجود الدولة الرومانية في الشام ومصر وشمال أفريقيا، ومن ثم تهديد أوربا ذاتها.

لقد كان أساس هذه العلاقة ولا يزال، الصراع والصدام العسكري.

وعلى الرغم من أن أهداف الفريقين لم تكن واحدة، إلا أن كل فريق يرى في الفريق الآخر منافساً قوياً وعدواً لدوداً يسعى إلى فرض سيطرته، وفرض نظامه العقدي والحضاري في منطقته وبين سكانه.

والمسلمون في عصورهم الزاهية كانوا يرون الامتداد الطبيعي للدعوة والجهاد يسير في الاتجاهين: الشرق من بلاد فارس والهند وآسيا الوسطى إلى جنوب شرق آسيا، وفي الغرب من المغرب العربي والأندلس إلى جنوب أوربا وشرقها.

والغرب كان يرى الامتداد الطبيعي لمصالحه وسيطرة مملكاته النصرانية (في العصور الوسطى) ثم دوله الاستعمارية وشركاته المتعددة الجنسيات، في العصور الحديثة يسير في اتجاه الشرق، ولابد أن يخترق العالم الإسلامي بأكمله حتى يصل إلى الشرق الأقصى.

 ورافق علاقة الصدام العسكري والسياسي، بعدٌ حضاري وثقافي شديد الوضوح والاستقطاب، فكل فريق منتصر يقوم بتثبيت أركان نظامه العقائدي ورؤاه الحضارية للكون والإنسان في المناطق « المحررة »، وغالباً ما يقوم الفريق المنهزم كما يقرر ابن خلدون بتقليد الفريق المنتصر « ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه، في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله..» [1].

 ولهذا فلو تتبعنا العلاقة الثقافية بين المعسكرين منذ عصر صدر الإسلام، وحتى اليوم نجد أنها تميزت بمراحل ثقافية وتاريخية متميزة:

 1- في أول عصور الاصطدام الحضاري بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني، لم يكن للدولة الرومانية المنهزمة أي فعل حضاري متميز، عدا بعض ما نقله المسلمون من أدواتهم الثقافية مثل حركة تعريب الدواوين وسك العملات..

 ولهذا فقد دخل سكان البلاد التي فتحها المسلمون في الدين الحنيف دون مقاومة كبيرة..

ولكن حصل بُعيد ذلك وفي أواخر عهد الدولة الأموية، ثم تطور في عهد الدولة العباسية، ماسمي في التاريخ الإسلامي « بحركة الترجمة »، حيث تُرجمت العلوم اليونانية، مثل الفلسفة والرياضيات والفلك، إلى العربية.

وعلى الرغم من أن هذه الحركة قد أثرت تأثيراً مهماً في الفكر الإسلامي حيث ظهرت بعض المذاهب « العقلانية » المتأثرة بالفلسفة اليونانية مثل مذهب المعتزلة، إلا أن هذا التأثير كان تأثيراً ذاتياً تم بمبادرة من المسلمين، ولم يكن فعلاً ثقافياً مفروضاً من الخارج.

 

 2- وعندما كان المسلمون يمثلون القمة في الفعل الحضاري والتفوق العسكري،  كان لزاماً أن ينتقل التأثير إلى مراكز الضعف الثقافي في مختلف البلاد التي احتكت بالعالم الإسلامي، وكان الغرب أحد هذه المراكز، فحدث أن حصل بعد الحروب الصليبية، رد فعل قوي في الغرب من جراء الاصطدام بالحضارة الإسلامية ومنجزاتها سواءاً أكان ذلك في الشرق الإسلامي أم في بلاد الأندلس التي كانت تعيش في الناحية الأخرى أزهى عصورها حضارياً..

ولهذا حدث ما يسمى بالاستيقاظ والانتباه الغربي، قبل ما يسمى « بعصر النهضة » الأوربية.

وبدأت تسير بعد ذلك عملية البناء الثقافي في الغرب في اتجاهين: الأول: ببعث التراث الثقافي اليوناني والروماني بشكل مكثف، حتى يكون الركيزة الأساسية للنهضة، والثاني: كان لابد من صد هذا الفكر الغازي وجعله غريباً بين الناس، إما بتجاهله، أو بإيجاد المراجع العلمية التي تستطيع تفسير هذا الفكر (الغريب) وتصويره للناس بما لا يتعارض مع المقومات الأساسية التي سار بها الاتجاه الأول.

أما كيف يتم تجاهل حدثاً ثقافياً بارزاً، وفعلاً حضارياً يطرق الباب، فتحدثنا عنه المستشرقة « زيغريد هونكة » بقولها: « أما أن تكون ثمة شعوباً أخرى، وأطراف من الأرض لها شأن عظيم في التاريخ، بل وفي تاريخنا الغربي خاصة، فذلك أمرٌ لم يعد بالإمكان تجاهله في حاضر قد طاول النجوم عظمة.

لأجل ذلك، يخيل إلي أن الوقت قد حان للتحدث عن شعب قد أثر بقوة على مجرى الاحداث العالمية، ويدين له الغرب، كما تدين له الإنسانية كافة بالشيء الكثير.

وعلى الرغم من ذلك فإن من يتصفح مئة كتاب تاريخي، لا يجد اسماً لذلك الشعب في ثمانية وتسعين منها.

وحتى هذا اليوم، فإن تاريخ العالم، بل وتاريخ الآداب والفنون والعلوم لا يبدأ بالنسبة إلى الإنسان الغربي وتلميذ المدرسة إلا بمصر القديمة وبابل بدءاً خاطفاً وسريعاً، ثم يتوسع ويتشعب ببلاد الاغريق ورومة، ماراً مروراً عابراً ببيزنطية، ومنتقلاً إلى القرون الوسطى المسيحية، لينتهي منها آخر الأمر، بالعصور الحديثة.. » [2].

 

 كان هذا التجاهل جزءاً من الاستراتيجية الغربية في صد الفكر الإسلامي أما إذا اضطر الغرب إلى التعامل مع بلاد الإسلام وخاصة منذ عصر « النهضة » الغربية، فكان لابد من إيجاد وسيلة أخرى، وكانت هذه الوسيلة هي ما يسمى اليوم بـ « الاستشراق ».

لقد كان للإستشراق مهمة تاريخية واضحة، وهي تحصين الهوية الثقافية اأوربية عن طريق تكوين المراجع العلمية الغربية التي تستطيع أن تحدث وتناقش بطريقة علمية لا تدع مجالاً للاختراق الثقافي من الخارج.

(يمكن الاطلاع على ما كتبه الأستاذ محمود محمد شاكر في بحثه المتميز: « رسالة في الطريق إلى ثقافتنا » عن تاريخ الاستشراق وأهدافه).

ويؤكد إدوارد سعيد في كتابه الهام « الاستشراق » حقيقة أن الدراسات الاستشراقية لم يكن هدفها في الأساس معرفة الشرق على حقيقته، ولهذا فهو يقول: « أنا شخصياً أعتقد أن قيمة الاستشراق على وجه الخصوص، هي في كونه علامة على السلطة الأوربية الأطلنطية على الشرق، أكثر من كونه بحث حقيقي عن الشرق، (وهذا ما يدعيه شكله الأكاديمي)...

ولذلك فإن الاستشراق هو بعد هام للثقافة الفكرية السياسية الحديثة، ولهذا فليس له علاقة كبيرة بالشرق، أكثر من علاقته بعالمنا « نحن »..

 وبطريقة ثابتة فإن الاستشراق يعتمد في استراتيجيته على التفوق المركزي الذي يضع الغربي في مجموعة من العلاقات المحتملة مع الشرق، ولكن بدون أن تفقده دائماً اليد العليا... » [3].

 

  وأصبح « الاستشراق » من هذا المنطلق يمثل رأس الحربة في توجه سياسات الغرب الاستعمارية منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وحتى الآن حيث لايزال يمارس نفس الدور تقريباً من خلال مراكز الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية، ومن خلال مراكز الدراسات الاستراتيجية التي ترسم السياسات الغربية في مجالات متعددة.

 3- أما المرحلة الثقافية الثالثة التي تميز العلاقة الحضارية بين الغرب والشرق الإسلامي فتتمثل في مرحلة « التغريب » التي بدأت منذ بداية عصر الاستعمار الحديث للعالم الإسلامي من قبل أوربا، وبالتحديد من غزو نابليون مصر عام 1798 م.

وقد استمر « التغريب » سمة ثقافية بارزة حتى بعد أن اضطر الغرب إلى تقويض خيامه العسكرية والرحيل.

أما كيف حدث هذا؟ فيحدثنا الكاتب الفرنسي (ك موريل) بسخرية عن تلك الفترة فترة تصفية الاستعمار: « إذا أرخنا للمعارك فقد أخفق الاستعمار.

ويكفي أن نؤرخ للعقليات لنتبين أننا إزاء أعظم نجاح في كل العصور.

إن أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار..

لقد انتقل البيض إلى الكواليس، لكنهم لايزالون مخرجي العرض المسرحي... » [4].

 

 ويشير المؤرخ الأمريكي (دافيد فرومكين) عن تلك الحقيقة في كتابه (سلام ما بعد سلام) بقوله: « كان أمراً مألوفاً في بدايات القرن العشرين، عندما كان تشرشل وضيوفه يمضون الوقت في رحلتهم على متن اليخت أنشانترس، أن يفترض المرء أن الشعوب الأوربية ستواصل القيام بدور السيطرة الذي تمارسه في الشؤون العالمية إلى أبعد ما تستطيع البصيرة أن ترى.

وكان من الشائع أيضاً الافتراض أن الشعوب الأوربية بعد أن أنجزت معظم ما اعتبره كثيرون رسالة الغرب التاريخية أي تحديد المصير السياسي للشعوب الأخرى على الكرة الأرضية فلا بد أنها متممة هذه الرسالة.

وكانت بلدان الشرق الأوسط بارزة بين البلدان التي كان على الأوربيين التعامل معها، إذ هي بين قلة من المناطق المتبقية على كوكبنا دون أن يعاد تكوين شكلها اجتماعياً وثقافياً وسياسياً على صورة أوروبا ومثالها..» [5].

 

إذن كان التغريب الثقافي والفكري (على صورة أوروبا ومثالها) هدف من أهداف الاستعمار العسكري والسيبريالية على الشرق الإسلامي.

وبالفعل تمكنت أوروبا من تحويل اتجاه طلائع « المثقفين العرب » إلى الفكر والفلسفة الأوربية لتبدأ « حركة الترجمة » الثانية، ولكنها هذه المرة حركة مفروضة من الخارج ترى في أوروبا المثال النموذج، وترى في التراث الإسلامي التأخر والرجعية، وأصبحت تنظر للحضارة والثقافة من منظار غربي لا أثر فيه للتميز الحضاري، بل أن « نسير سيرة الأوربيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يُعاب، وأن نشعر الأوربي بأننا نرى الأشياء كما يراها، ونقوم الأشياء كما يقومها، ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها... » [6].

 

الحقيقة أن التغريب يجري على دم وساق، ويواجه العالم الإسلامي وبقية دول ما يسمى (بالعالم الثالث)، بشكل لم يسبق له مثيل، خطر تفتيت الهوية الثقافية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أن مسيرة التغريب قد بدأت منذ وقت طويل، إلا أنها بدأت تأخذ أشكالاً مختلفة وأكثر خطورة منذ سقوط الشيورعية، وانفراد القوة الأخرى بالمسرح العالمي.

فقد سيطرت المنظومة الليبرالية الرأسمالية على المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، صندوق، اليونسكو، منظمات الإغاثة العالمية، وأخيراً منظمة التجارة العالمية « الجات ».. )

وتمكنت عن طريق هذه السيطرة من فرض القوانين الدولية التي تراعي نظامها ومصالحها.

كما سيطرت المنظومة الليبرالية الرأسمالية على وسائل الاتصال الحديثة وتمكنت بفضل التقدم التقني الهائل من الوصول بقيمها ومعتقداتها إلى جميع بقاع العالم تقريباً.

(ينطلق فيض « ثقافي » بمعنى فريد من بلدان المركز الغرب ويجتاح الكرة الأرضية).

تتدفق صور، كلمات، قيم أخلاقية، قواعد قانونية، اصطلاحات سياسية، معايير كفاءة، من الوحدات المبدعة إلى بلدان العالم الثالث من خلال وسائل الإعلام (صُحف، إذاعات، تلفزيونات، أفلام، كتب، أسطوانات، فيدو).

ويتركز الجانب الأكبر من الإنتاج العالمي « للعلامات » في الشمال، أو يصنع في معامل يسيطر عليها، أو حسب معاييره وموضاته.

وسوق المعلومات شبه احتكار لاربع وكالات: أسوشيتيد برسس وينايتد برس (الولايات المتحدة)، رويتر (بريطانيا العظمى)، فرانس برس. وتشترك في هذه الوكالات كافة إذاعات العالم، كافة شبكات تلفزيون العالم، كافة صحف العالم. ويتدفق 65% من المعلومات العالمية من الولايات المتحدة. ومن 30 إلى 70% من البث التلفزيوني مستورد من المركز..

وهذا الفيض من المعلومات لا يمكنه إلا أن « يشكل » رغبات وحاجات المستهلكين، أشكال سلوكهم، عقلياتهم، مناهج تعليمهم، أنماط حياتهم » [7].

 ولعل من مظاهر هذه السيطرة تفشي الأنماط الثقافية الاستهلاكية في المجتمعات الإسلامية، ومنها طغيان النزعة الفردية وحب الذات في التعمل مع الآخرين، وأيضاً الاستسلام للعامل الدعائي في ترويج المنتجات، وكذلك إتجاه الأفراد وخاصة الشباب إلى الثقافة السطحية السهلة، فتجد الشاب لا يستطيع أن يجلس ليقرز كتاباً كاملاً، بل يريد الكتاب مختصراً في صفحة أو صفحتين..

وهكذا، فنحن كما يقولون في (زمن السرعة) ومنها أيضاً تفشي ظاهرة المأكولات السريعة، نتيجة لانتشار هذه النوعية من المطاعم والمتاجر، وكل هذا يعكس الانماط الاجتماعية السائدة في بلاد الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

 وربما كان من أخطر مظاهر التغريب في العلاقات الولية أن أصبح الاقتصاد والقوة المالية هي العامل الأساسي في علاقات وتحالفات الدول، فلا قيم ولا ثقافة، ولا مبادىء.

وهذا يؤكده المفكر والاقتصادي الفرنسي (جاك أتالي) بقوله: « إن البشرية تدخل في مرحلة من الزمن جديدة تماماًك التاريخ يتسارع، التكتلات تتفكك، الديمقراطية تحقق انتصارات جديدة، ممثلون ورهانات جديدة تبرز على المسرح، أمام هذه التحولات التي تبدو في ظاهرها مبعثرة لا يربط فيما بينها أي رابط، يسود لدى المراقبين الحذر من النماذج الموجودة، ويغلب الاستسلام لمزاج القوى العديدة التي تحرك كوكبنا، كما يغلب الميل إلى إعطاء السوق دورً حاسماً في كل شيء بما في ذلك دور الحكم في مصير الثقافات.. » [8].

 

 الاستغراب: هل يكون المحطة الرابعة؟

 ولمواجهة هذا المد التغريبي الهائل، لابد أولاً من إدراك خطورة العلاقات الغير متكافئة بين الفريقين، ثم بإتخاذ استراتيجية تعتمد على محورين أساسيين:

أولهما: بعث العقيدة الإسلامية الصحيحة والفكر الإسلامي الأصيل ونشره بين الناس ليكون الركيزة الأساسية للنهضة، ثم قيام مراجع علمية إسلامية تدرس الغرب، وتفهم منطلقاته وأهدافه ونظم حياته الثقافية والفكرية، لتكون الحاجز الأول لتحصين الهوية الإسلامية، وهذا ما نسميه بـ « الاستغراب ».

(وهذين المحورين شبيهين بالطريقتين اللتين سلكهما الغرب عند مواجهته للحضارة الإسلامية،  وعندما كان في بداية نهضته الحالية. وليس في هذا تقليداً للغرب، بل هما فيما أحسب سنة من سنن الله في الكون).

 وعلى الرغم من أن الصحوة الإسلامية المعاصرة قد أدركت أهـمية الشق الأول من هذه الاستراتيجية، فبدأت بالاهتمام بالعلم الشرعي، وتصحيح المعتقدات، ونشر كتب العقيدة والعلوم الإسلامية، بل لا يزال كثير من المفكرين والمنظرين للصحوة، لا يدركون خطورة المرحلة الحالية، ويحتفظون بأفكار سطحية عن الغرب، وعن علاقاته بالمجتمعات الإسلامية، وذلك لغياب المراجع التي يتستطيع أن تشكل الرؤية الإسلامية عن الغرب، بعيداً عن تنظيرات فلاسفة « التغريب » المعاصرين (ولا تقل عنها سواً تنظيرات إحجاب الفكر الإسلامي المستنير! عن طبيعة العلاقة بين الغرب في ظل ظروف التغريب الشامل).

 إن الاستغراب الذي نشير إليه هنا، ينبغي أن ينطلق من أسس واضحة ليحقق بعض الأهداف الهامة:  1- استثمار نجاح الصحوة الإسلامية في كسر حدة الانبهار بالغرب، حيث بدأ كثير من الشباب المسلم يعيد تقويمه للتقدم التقني الغربي.

وحتى يتم تعميق الاعتداد بالنفس، والشعور بالانتماء للأمة والتميز الحضاري والفكري، ينبغي نقض وتعرية مفاهيم الغرب وقيمه التي يبثها في العالم (الديمقراطية، الحداثة، الثقافة العالمية..

الخ) ولن يتم هذا النقض إلا بمعرفة أسس هذه المفاهيم وتناقضاتها على مستوى التنظير، وعلى مستوى التطبيق.

 

 2- عند إيجاد المراجع الإسلامية الذين يمكن أن نطلق عليهم بـ « المشتغربين » سوف يتظاءل تأثير (المتغربين) من أبناء المسلمين، الذين يرون في الغرب، النموذج والمثال، في الفكر والأدب والاقتصاد وقيم العمل، وقيم السياحة، والعلاقات الاجتماعية..

الخ، ولن تحتاج الأمة إلى عناء كبير لكشف شبهاتهم التنظيرية، إذ أن لديها من يعرف فكر (القوم) ومصالحه ومخططاته.

 

3- وعندما نتمكن من دراسة الغرب دراسة واعية في سبيل تحصين هوية الأمة، والحفاظ على مصالحها، سوف نستطيع دراسة تأثير التطورات التي تحدث في الغرب في جميع المستويات السياسية، والاقتصادية، والفكرية، والاجتماعية، على ثقافة الأمة وعلى مصالحها ومستقبلها.

إن غياب الروية الحقيقية لما يجري في الغرب تجعلنا نعيش في ظروف وأحوال ليست من صنعنا، ولا نعرف كيف حدثت، ولماذا، ومن المستفيد منها؟  إن الاستغراب هو محاولة جادة لدراسة الغرب، ليس بهدف الترف الثقافي والفكري كما حصل عندما ترجمت الفلسفة اليونانية في القرون الإسلامية الزاهية وإنماا لتحقيق مصالح في غاية الأهمية ومنها في المقام الأول تحصين الهوية الإسلامية في ظل ظروف التغريب الجامح الذي يجري تطبيقه علي أكثر من صعيد.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) تناول مصطلح الاستغراب بالبحث والدراسة د/ حسن حنفي في كتابه المعنون بـ (مقدمة في علم الاستغراب)، وهذا المقال لا يعتمد على ما طرح في الكتاب المذكور بل هو طرح مستقل كما ترى للموضوع، وكاتب المقال لا يتفق مع د/ حسن حنفي في كثير من منطلقاته الفكرية سواءً ما هو مقروء منها في كتابه المشار إليه أو في كتبه الأخرى.

(1) بن خلدون، المقدمة، دار القلم بيروت 1878، ص 147.

(2) زيغريد هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون، وكما دسوقي، منشورات دار الآفاق الحديثة بيروت، الطبعة الخامسة 1401هـ / 1981م ص 11.

(3) ادوارد سعيد، الاستشراق، (الطبعة الانجليزية)، 1979، ص6 وما بعدها.

(4) ك موريك، 1985 م نقلاً من كتاب سيرج لاتوش، تغريب العالم، ترجمة: خليل كلفت، دار العالم الثالث، 1992م، ص7.

(5) دافيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط، ترجمة: أسعد كامل الياس، رياض الريس للكتب والنشر، 1992م، ص22.

(6) طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، ص44.

(7) سيرج لاتوش، تغريب العالم، ترجمة: خليل كلفت، دار العالم الثالث، 1992م، ص27.

(8) جاك أتالي، آفاق المستقبل، ترجمة:محمد زكريا إسماعيل، دار العلم للملايين، 1991م، ص35.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply