المسلمون في مواجهة الغزو الثقافي المعادي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في شهر حزيران - يونيو 1998 خرجت مجلة " تايم " الأمريكية وعلى غلافها صورة لمئذنة مع يد تحمل رشاشاً ومع عنوان رئيس في أعلى الغلاف نصه: " هل يتوجب علينا الخوف من الإسلام؟ "º وفي العدد نفسه تنشر المجلة تقارير لمراسليها في العالم يتحدثون فيها عن انتشار الإسلام وتحوله إلى قوة عالمية يجب أن يحسب لها حسابº خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإضافة جمهوريات إسلامية جديدة في وسط آسيا إلى القوة الإسلامية.

ثم تحذر المجلة في مقال استفزازي الغرب لأنه عاد يدق أبواب العالم بقوةº و" قد بدا بتوجيه اللكمات إلى أوروبا والعالم الحر.. " كما تقول المجلة مكرسة نفسها في هذا العدد للتحذير من الإسلام والمسلمين بصورة عدائية استفزازيةº ومع ذلك فإن عدد ال: تايم: لم يثر القارئ الغربي كثيراً لأن الإعلام الغربي بشكل عام منهمك في محاولة تفسير هذا الانتشار السريع للإسلام في العالم الحديث ويحذر من هذا الانتشار حتى أن صحيفة اللوموند الفرنسية مثلاً نشرت في شهر آذار - مارس 2000 تحليلاً لآلان روبييه قال فيه " إن الغرب منذ 1300 سنة يعيش هاجس مقاومة الإسلامº ولكن مع هذا الانتشار السريع للإسلام في الزمن الحالي ما الذي يملك الغرب فعلهº إنه لم يعد يملك شيئاًº فالإسلام هذه المرة ينقض على الغرب وقريباً سوف تنتهي قيم الغرب الروحية والثقافية والمادية إن لم يجد الغرب وسائل لصد الإسلام ".

ما كتبه روبييه يتشابه مع كتبه بريان بيد هام في صحيفة هيرالد تريبيون في أواسط عام 1997 قائلاً: إن الحرب مع الشيوعية كانت ثانوية قياساً بالحروب مع الإسلام والمسلمينº فالحرب مع الشيوعية استغرقت سبعين عاماً فقطº بينما حروب الغرب مع الإسلام بدأت منذ 1300 سنة ولم تتوقف حتى الآنº وإذا استمر الإسلام في انتشاره بهذه السرعة في العالم فإن الغرب سيكون أخيراً هو الخاسر ".

بهذه اللهجة القلقة يتحدث الإعلام الغربي عن انتشار الإسلامº وهي لهجة ليست جديدة في هذا الإعلامº ولكن المتتبع لها يجد أن حدتها وشراستها كانت دائماً تتوازى مع قوة العالم الإسلامي أو ضعفهº ففي العقود الماضية من هذا القرن بدا الخطاب الغربي مطمئناً تجاه الإسلام إلى حد ماº فالبلاد الإسلامية كلها تقريباً كانت تحت السيطرة الغربيةº وانعكس ذلك الاطمئنان في الاجتماع السنوي الثاني والعشرين للجمعية الأمريكية الكاثوليكية التاريخية الذي عقد عام 1941º ففيه ألقى مارشال بلدوين رئيس الجمعية خطاباً قال فيه " إن الغرب ما عاد ينظر إلى الإسلام باعتباره خطراً على الحضارة الغربية " ثم ذكّر بلدوين مستمعيه بأن" العالم المسيحي ظل يواجه خطر العالم الإسلامي لفترة تقرب من ألف سنة تمتد من تاريخ وفاة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عام 632. المجتمع حتى تاريخ انهيار آخر هجوم عثماني أمام فيينا عام 1638. م" (1).

والآنº إذا قارنا ما بين كلمة بلدوين التي قالها عام 1941. المجتمع وهو مطمئن تجاه الإسلامº ومقالتي روبييه وبيد هام وهما في حالة قلق من انتشار الإسلامº سنجد أن القاسم المشترك بينها هو اعتبار الإسلام عدواًº وأنه بحالة حرب مع الغرب المسيحي منذ 1300 سنةº ويجب عدم نسيان الثأر من الإسلام لأنه ألحق الهزائم العسكرية الفادحة بالعالم الغربي عبر التاريخº وهكذا فإن أعداء الإسلام يحرصون على إبقاء نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين عدائية.

 

تفاعل أم غزو؟

في الصحوة الإسلامية المعاصرة تفاقمت نظرة العداء نحو الإسلام من قبل أعدائهº وبالتالي ازدادت جهودهم لتوسيع المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في أذهان الغربيين من جهةº وتصعيد عمليات الغزو الثقافي للمسلمين من جهة أخرىº والمؤسف أن بعض المفكرين المسلمين يرفضون مصطلح الغزو الثقافي أو الفكري لأن (الغزو) مصطلح عسكريº ويطالبون بأن نتحدث عن (استيراد) فكري أو إيديولوجي بمعنى التفاعل مع الغربº ولهذا فإن الحديث عن (الغزو الفكري) في رأيهم يعني الانغلاق على الهويةº وهو ما يجب أن يتحاشاه المسلمون

إن أمر هؤلاء عجيب فعلاًº فهم يرفضون أن نتحدث عن الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين كي لا نُتهم بالانغلاق على الهويةº في حين أن ألمانيا مثلاً تتحدث عن ضرورة مقاومة الغزو الفرنسي للثقافة الألمانيةº وفرنسا بدورها تثير بعنف مسألة الغزو الثقافي الأمريكي للفرنسيينº ووزير الثقافة الدانمركي وقف مؤخراً أمام البرلمان الدانمركي وتحدث عن أخطار الغزو الثقافي الأمريكي على الدانمركيينº بينما المسلمون برأي بعض مفكريهم يجب أن لا يتحدثوا عن الغزو الثقافي الذي يستهدفهم مع أنه أمر واقع وخطيرº بل إننا نصل مع الدكتور فؤاد زكريا وعلي حرب إلى أنه يجب أن نتحدث عن (انفتاح ثقافي)(2) وهذا يعني أن نتحدث عن خلوّ وفاضنا من الثقافة وضرورة أن نستورد ثقافة الآخرين بلا قيود!!

يتناسى هؤلاء بأن الثقافة الموجهة إلينا لم توجه أصلاً إلاّ لغايات عدوانيةº وما هي إلاّ جهد خبيث للحد من انتشار الإسلامº وأن ثقافة الغزو آتية إلينا من أعداء لم ينسوا ثاراتهم مع الإسلامº وما من مسلم عاقل يقبل بعد هذا بأن تغزو ثقافة الغرب بهذا الشكل عقولناº وأن تنفذ إلى وجودنا من خلال السينما والتلفاز والأغنيات والأدب وكتب الموضة والمجلاتº مع أننا يجب أن نعترف بأن العالم شهد تقدماً في العلوم بينما ظللنا متخلفين وعلينا أن نلحق بالركب ونبلغ التقدم وأن نستفيد من علوم الآخرين ونكسبها ولكن دون أن نخضع إلى تأثيرهم أو نكون تابعين لهم وتحت سلطتهم الثقافيةº ودون أن ننسى بأن لدينا من الإرث الثقافي والفكري والعلمي ما يستحق الاعتزازº وهذا يعني أن ثمة فارقاً بين الغزو الثقافي والتفاعل الثقافيº فلكل أمة من الأمم تمايزها الثقافيº وهذا التمايز هو الذي يحمل قيم كل أمة وإبداعاتها وإبداعات أبنائها وأصالة هذا الإبداعº وما يحدث اليوم هو محاولات حثيثة من قبل أعداء الإسلام لإلغاء التمايز الثقافي للمسلمين وإحلال قيم ثقافات أخرى محل ثقافتهم.

 

هكذا يفعلون:

ولكي نوضح أن ما يحدث هو غزو وليس تبادلاً فكرياً نورد بعض أشكال وأساليب هذا الغزو حيث نجد أن أهم ما يلجأ إليه الغرب في حربه ضد المسلمين والإسلام هو عرضه الخبيث للفارق بين واقع المسلم وواقع المواطن الغربي من جميع النواحيº فهم يصورون الغربي على حالة من الرفاهية والنعيم التي يصعب على المسلم أن يصل اليهاº ويصورون الغربي في حالة من الحرية والرخاء وحرية القول والعملº بينما المسلم مكبوت مضطهد لا يستطيع أن يتصرف أو يتكلم بحرية!!

وبعد أن يرسخ أعداء الإسلام هذه المفاهيم في أذهان بعض المسلمين وكأنها أمر واقع لا سبيل إلى تغييره يمضون في بث الشعارات والمفاهيم المغرضةº ولنعترف بأن هذه المفاهيم المغلوطة قد تكونت لدى كثير من الأجيال المعاصرة واستطاعت أن تحدد للدين دوره بمعزل عن الحياة وفي زاوية ضيقة يلخصها شعار- فصل الدين عن الدولة -أو تلغي دوره من الحياة أساساًº فهو لا يرتبط بالواقع من خلال المعاني التي تصنع القوة والحركة والتقدمº بل ينظر إليه باعتباره سبب الضعف والجمود والتأخر كما تدل على ذلك شعارات كاذبة مثل " الدين أفيون الشعوب " و " الدين ضد العلم ".... !!

ويمكن أن نعدد أيضاً من أساليب الغزو الثقافي المحاولات التالية:

- توظيف السينما والتلفزةº فثمة مئات من الأفلام السينمائية الغربية التي تحاول تشويه صورة الإسلام والمسلمينº ويومياً تبث الأقنية الفضائية عشرات المسلسلات التلفزيونية التي تكرس فكرة تخلف المسلمين.

- توظيف الكثير من الكتاب والمؤلفين ليكتبوا ما يشوّه صورة الإسلام بأسلوب خبيث ذكي وليتسرب بذلك السم إلى عقول المسلمين.

- تشجيع الخلافات المذهبية بين المسلمين وتعميقها ثم إبرازها للمسلمين عبر الأقنية الإعلامية على أنها تمثل الإسلام... (3).

 

ما العمل؟

دعونا نعترف أن الخوف في مسألة الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين والتصدي له موضوع خطير يحتاج إلى كثير من البحث ولا يمكن أن نفيه حقه عبر هذه العجالةº ولكن يجب أن ندرك بأن هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين قد وصل إلى أشد حالاته شراسة وأنه يزداد عداء وخبثاً مع ازدياد انتشار الإسلام في العالمº وهذا يعني أنه لاخيار أمام المسلمين إلا التصدي لهذا الغزوº ولا شك في أن سبل التصدي مرهقة وشاقة وتحتاج إلى بذل الكثير من الجهود التي نذكر بعضها:

- مسؤولية القادة والعلماء المسلمين عن شحذ الهمم الإسلامية وبث الفعالية الروحية للأمة الإسلامية.

- الاتجاه السليم إلى الأجيال المسلمة الجديدة وإيجاد حالة التصاق متين بينها وبين الإسلام وقيمه ومبادئه.

- نشر الوعي الثقافي الكفيل بتكوين المسلم المتمتع بالشخصية الإسلامية الحقيقية التي تملك تصوراً شاملاً عن الكون والإنسان.

- التعريف بالتاريخ الإسلامي المضيء وقدرة الثقافة الإسلامية على الوقوف في ساحة الحياة وقدرتها على قيادة الأمة نحو ما تصبو إليه.

- تأمين الوسائل الإعلامية الحديثة بتقنياتها المتطورة والقادرة على التصدي للوسائل الإعلامية المعادية.

إن سبل التصدي كثيرة وشائكة كما قلناº ولكن كل السبل لا يمكن أن تكون فعالة ما لم يلتق المسلمون على صعيد واحد وعلى هدف واحدº والالتقاء يجب أن يكون مبنياً على حب الخير والمصلحة لجميع المسلمين دون تمييزº ويجب ألا يغرب عن البال بأن الأعداء هم الذين زرعوا الشقاق والخلاف في صفوف المسلمين.

 

-------------------------------------------------

الهوامش:

1- عبد الرحمن حمادي - صورة المسلمين في السينما العالمية - مجلة البيان - العدد171- الكويت - 1997.

2- سليم علي جواد - نحن والآخر - مجلة الراية - العدد 203 - بيروت - 1988.

3- من المؤسف تلك المناظرات التي يتناظر فيها مذهبياً مسلمون غير مؤهلين وبشكل مستمر في صالة نيوجرسي سكوير بالولايات المتحدة الأمريكية وتبثها عدة أقنية فضائية وخاصة الشتائم التي يتبادلها الطرفان أثناء المناظراتº وتتناقلها بعض وسائل الإعلام الإسلامية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply