الديك يبيض


 

بسم الله الرحمن الرحيم

رحبتُ به، وقدمتُ إليه المائدةَ، ودعوتُهُ ليمدَّ يَدَه إلى أيِّ طعام يشتهي..

كنت آملُ أن أفتح معه حواراً حول الإسلام حتى يتسنى لي دعوتُهُ إليه، فقد كان نصرانياً معتزاً بدينهº مُعتزاً بحضارةِ قومِه.

وكنتُ أعملُ على أن أرتِّبَ أفكاري حتى أتدرج معه في طرحِ الموضوعِ، فلا أنجرَّ وراءَ عراكٍ, لفظيٍ,، أو مسألةٍ, جانبيةٍ,، ثم ينتهي الأمرُ للتعصبِ والنزَاعِ والخصومةِ.

وبينما أنا غارق البال، إذا به يقطع تفكيري بسؤاله:

(ما هذا؟!) (لطبيخٍ, كان موضوعاً في وسط المائدة).

فقلت له: هذا بيضُ ديكٍ,؟! فضحكَ ومدَّ يدهُ إليه ليطعمَ منه، علَّه يستسيغُ طَرفتي السمجةَ.

لم يرق له طعمُ الطبيخ، فقلتُ لهُ: لعلك لم تألف أن تأكلَ بيضَ الديكِ؟! كادَ الرجلُ أن يشرقَº فما زلتُ أؤَكدُ لهُ ما قلتُ بألفاظي، وتعابير وجهي الجَادة.

ناولته كوبَ ماءٍ,، ثم قلتُ لهُ: كُنَّا قديماً نشعرُ بنفسِ الشعورِ تجاهِ طعمِ هذا البيضº إلا أننا بعد فترةٍ, من الزمنِ تعوَّدنا أَكلَهُ، واستسغنا طعمَهُ.

هذه المرة عبسَ في وجهي وقالَ: أرجو أن تكونَ مُدركاً لما تقول فليسَ هناكَ ما يُسمى ببيض الدِّيك في أي جزءٍ, من العالم، ولكن لعلكَ تقصدُ أن هذه الطبيخَ قد أعدٌّ من لحمِ الديكِ، أو تقصدُ أمراً آخرَ.

هذه المرة ضحكتُ أنا، وقلتُ له: بل أنا مدركٌ لحقيقةِ ما أقولُ، ولستُ مستعداً أن أتنازلَ عن علمي اليقيني لأمور ورثها العالمُ دون أن يمحصَ عنها بالتجربةِ والبحثِ والدراسةِ، ولست وحدي على هذا الأمرَ فقومي جميعهم على هذا الأمرِ الذي تنكره.

إلا أنني أضفتُ:

أنا لا أنكرُ أننا كُنَّا سابقاً نرى بنفسِ رأيكم في أن الدجاجةَ وحدها هي التي تبيض، لكننا لم نجمد عند موروثاتنا القديمة، فنحن نؤمن بتغيرِ الظروفِ، وحركةِ الحياةِ، وتقلبِ الأحوالِ، والمسألةُ عندنا تخضعُ للعقلِ.

هنا نهضَ الرجلُ ليصيحَ بأعلى صوتِهِ: عقلٌ.. أيُ عقلٍ,... أعتقدُ أنني أحتاجُ إلى أن أُفيقَ من هذا الحُلُم.

لم يكن من الصحيح تركُ الرجلِ ليخرُجَ دونَ أن أوضحَ لهُ صدقَ ما أقولُ، أو في أقلِ القليلِ أن يكملَ عشاءَه، فَيَصِمُنا بالجنونِ أو البخلِ أو بهما معاً.

أصررتُ عليه لكي يجلسَ، وأخذتُ أبادلهُ الابتسامات، وأتلطفُ معه حتى سكنَ وجلسَ.

تركتُ الحديثَ معه وفي نفسي أن أنطلقَ معهُ بعدَ العَشَاءَ في معركةٍ, كلاميةٍ, أُخرى.

وفي ظلِ الهدوءِ الذي خيمَ على الغرفةِ، كنتُ أتناولُ عشائِي من طبقِ البيضِ بشراهةٍ, لم أعهدها فيّ من قبلُ.

وللأسف قطعَ صمتَنَا صياحُ ديكِ جارتِنا، فسألتُ الله من فضلِهِ كما هي السٌّنَّةُ، بينما بدءَ يُتمتمُ صاحبي بصوتٍ, أسمعُهُ:

ديكٌ يبيضُ.. وبيضُ ديكٍ,... وعقلٌ..

ثم عقبَ يقول:

وهل هذا الديكُ أيضاً يبيضُ!!؟

قلتُ له: نعم، غادرتُ الغرفةَ سريعاً، وعدتُ ببيضةٍ, في يدي، وقلتُ هذا من جارتي صاحبةُ الديكِ.

قال: وهل يمكنُ أن أنظرَ إلى الديكِ.

فأشرتُ إلى النافذةِ وكانت تُطل على صرحِ منزلِ جارتي الذي فيه الديك.

أخرجَ منديلاً ليُجفِفَ عَرَقَهُ، والتفت إليَّ وسألَ: وكم قيمةُ هذا الديكِ؟!

قلتُ له: قيمتُهُ تُساوي قيمةَ أيَّ ديكٍ, آخرَ هنا أو في بلادِكم!!

قال: ولكني أريدُ أن أشتريَهُ.

قلتُ له: أخبرُ جارتي، وإن كانت لن توافقَ على بيعهِ بدونِ الدجاجةِ.

قال: أنا لا أحتاجُها فلدينا من أمثالها الكثيرُ.

قلتُ له: وكيف يبيضُ الديكُ إذن؟!.

مال إلى الجدرِ مستنداً إلى يِدِهِ وأشارَ بيدِهِ: الدجَاجةُ تُلقِحُ الديكَ إذن.

قلتُ له: أمرٌ طبيعي، وإلا فكيف ستخرجُ البيضةُ من الديكِ.

قال لي: هل يمكنُ أن تَتَحدثَ بهذا الكلامِ أمامَ وسائلِ الإعلامِ.

قلتُ له: وماذا في الأمرِ.

قال: إذن دعني أسأَلَكَ من مبتكرُ هذه النظريةِ من علماءِكم.

قلتُ له: هم أبناءُنا - ولا فخرَ - الذين درسوا لديكمُ العلومَ، فما عرفوا منها إلا حقوقَ المرأةِ، فمنذُ ذلك الحينُ والديكُ في أعيننا يبيضُ.

كنتُ في خيالي هذا، وكنتُ أتمنا أن أرى مشهدَ صاحبي بعدَ وقوعِ الكلامِ عليه، إلا أن زوجتي أيقظتني من خيالي بصياحها من المطبخ.

أين البيض يا ديك البيت؟!!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply