تغيير مناهجنا الدراسية إلى أين؟


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره...

بوأ الله لإبراهيم مكان البيت، وأراده الله قلعة للتوحيد "ألا تُشرِك بِي شَيئاً"(الحج: من الآية26)، واستجاب الله دعاء إبراهيم وبعث في أمة العرب رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

وكانت بلاد العرب وأرضُ الحرمين جزيرة الإسلام، منها شعّ نوره ومن بطاحها بُعث نبيه _ صلى الله عليه وسلم _، ومنها انطلقت قوافل المجاهدين يفتحون البلاد ويدعون العباد إلى الحق، وكان الإسلام قدرَ الجزيرة، وكان فضل الله عظيماً على أهلها إذ جعلهم حملة الإسلام الأول، وأهلَ السابقة والفضل"بَلِ اللَّهُ يَمُنٌّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ"(الحجرات: من الآية17)،"وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدَانَا اللَّهُ"(الأعراف: من الآية43).

وظلت الجزيرة – عبر القرون – تحظى بالأهمية والرعاية، فهي مهوى الأفئدة وقبلة المسلمين، ومنها ابتدأ تاريخ الإسلام، وفيها أعظمُ مقدسات المسلمين، ولا غرو أن تحتفظ بخاصيتها وتميزها الحضاري والقيمي وإن مرّت بمراحل ضعف أو تهميش في جوانبها السياسية والمادية.

ولا تزال بلاد الحرمين تحتفظ بمكانتها ولها سَمتُها وخصائصها المميزة عن غيرها، ولكن هذا التميٌّز لم يكن مرضياً لأعداء الملة والدين في قديم الزمان وحديثه، وكانت حملات المشركين والمنافقين في مواجهاتها الأولى مع خير القرون شرسة حادة، استُخدمت فيها كل أنواع السلاح، وشعار المشركين قولهم:"أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ"(صّ:5)، ومنهج القوم"أَنِ امشُوا وَاصبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُم إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ"(صّ: من الآية6)، وشعار المنافقين"لَيُخرِجَنَّ الأَعَزٌّ مِنهَا الأَذَلَّ"(المنافقون: من الآية8)، ومنهجهم في التضييق"يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَن عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضٌّوا"(المنافقون: من الآية7).

واستمرت ولا تزال حملاتُ المواجهة والإرهاب يصطلي المسلمون عموماً بنارها ولبلاد الحرمين نصيب وافرٌ منها، وما الهجوم الكاسح في وسائل الإعلام الغربية وفي دوائرهم السياسية وهيئاتهم ومنظماتهم إلا نموذج من نماذج العدوان والظلم، فلم تسلم البلاد ولا العباد من تطاولهم وظلمهم ولم يُستثن الإسلام الحق، ولا النبي الأكرم، ولا الكتاب المهيمن من هذه الهجمة الشرسة، وأنى لغيرهم أن يسلموا؟

ولا غرابة في ذلك فالهدف واضح"وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم"(البقرة: من الآية120) والنفس الطويل"وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا"(البقرة: من الآية217).

ولكن المستغرب حقاً أن يستجيب المسلمون لهذه الاستفزازات، وأن يضعفوا أمام هذه المكيدة ويتأثروا بهذه الحملات، والأخطر من ذلك أن يتّجهوا إلى أغلى ما يملكون بالتغيير لا بالتطوير، وأن تكون قيم الأمة وأصولها في مهب الريح، وأن تُخترق حصونها الأخيرة في سبيل إرضاء الآخرين، أو لنوع من الهزيمة النفسية عند ثلة من المثقفين، فيحذف أو يحور (الولاء والبراء) من المناهج الدراسية، ويستحيا من ذكر الجهاد، وهو ذروة سنام الإسلام أو يغض الطرف عن الكافر وترقق العبارة معه فيُسمى بالآخر بدل الكافر، وهو مصطلح الشرع حتى وإن قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا مستعمرين غاصبين، وكأنه لم ينزل في كتابنا"وَليَجِدُوا فِيكُم غِلظَةً"(التوبة: من الآية123)،"وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم"(المائدة: من الآية51)،"لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ"(الممتحنة: من الآية1).

وعلى حين غفلة من الناس جرى في هذه الأيام تغييرٌ في مناهجنا الدراسية، وفوجئت المدارس بسحب كتب مدرسية طبعت هذا العام 1424هـ، لتُستبدل بكتبٍ, أحدث منها، وكان التغيير على مستوى كتبٍ, بجملتها، أو إبقاء كتب مع تعديل في بعض مضامينها، أو توحيد المنهج للبنين والبنات في كتاب واحد أو تغيير الرسوم والصور والتعليقات القديمة إلى صور وتعليقات محدثة تظهر فيها صورة الفتاة إلى جانب صورة الفتى، وفيها إيحاءات لا تخفى على اللبيب..

 

ولنا على هذا التغيير وقفات وتعليقات:

1- هذا التغيير العاجل والمفاجئ كان مُركزاً على مواد الدين، ولا سيما (التوحيد)، ويُعنى التغيير بقضايا أساسية في العقيدة كالولاء والبراء، وما يتبع ذلك من حكم الاحتفال بأعيادهم ومشاركتهم أفراحهم، وحكم الاستعانة بالمشركين والعمل عندهم والإقامة بين أظهرهم وحكم تقليدهم ونحو ذلك، وقد طالعت بنفسي كتاب التوحيد الجديد للصف الأول الثانوي، فرأيت حذفاً كاملاً لباب الولاء والبراء، وتغييرات أخرى في الأبواب الأخرى يدركها بجلاء من قارن بين المنهج القديم والجديد.

فلماذا تكون البداية بمواد الدين وبهذه الموضوعات على وجه الخصوص؟ ومن المسؤول عن الهدر المادي حين تطبع كتب هذا العام ثم تسحب بعد أسابيع لتوزع كتب بديلة عنها؟

2- لم يُستفت العلماء وفي مقدمتهم هيئة كبار العلماء في هذا التغيير، وفي ذلك خرق وتجاوز للأمر الملكي القاضي بإحالة أي تغيير في المناهج الشرعية إلى هيئة كبار العلماء، بل صدرت فتوى لأحدهم، وهو فضيلة الشيخ صالح الفوزان باستنكار التغيير في المناهج، ومما قاله: لا يجوز التغيير في الكتب المؤلفة القديمة بحذف شيء أو زيادة أو شطب شيء أو تقديم أو تأخير ولا حذف أسماء مؤلفيهاº لأن ذلك خيانة للأمانة العلمية، وهو من جنس تحريف أهل الكتاب لكتبهم... إلخ، بل ذلك خرق لسياسة التعليم في المملكة، والتي نصت أهدافها الإسلامية العامة على: 1- تنمية روح الولاء لشريعة الإسلام، وذلك بالبراءة من كل نظام أو مبدأ يخالف هذه الشريعة... إلخ (ص 10)، كما نصت سياسة التعليم في المملكة في أهداف المرحلة الثانوية (وهي المرحلة التي حذف منها باب الولاء والبراء) على: متابعة تحقيق الولاء لله وحده، وجعل الأعمال خالصة لوجهه ومستقيمة في كافة جوانبها على شرعه (ص12)، ونصت كذلك على أن غاية التعليم في المملكة فهمُ الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً، وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها (ص10) الطبعة الرابعة.

وإذا نصت هذه الوثيقة المعتبرة على الولاء والبراء وعلى فهم الإسلام فهماً متكاملاً في أكثر من بند فكيف يحذف هذا الباب برمته من المنهج؟ وإذا كان يخطط لتعديل سياسة التعليم برمتها فالأمر أدهى وأمر ويحتاج إلى وقفة حازمة وعلى مستوى أعلى، وهل يلام من قام بمرافعة للتجاوزات على سياسة التعليم؟

3- إن أمر المناهج الدراسية عظيم فعليها تتربى أجيال الأمة في كافة المراحل، ومن خلالها تصاغ عقول الطلاب والطالبات، المناهج الدراسية ذات صلة بمشروع الأمة الحضاري، ومحددة لقيمها وأسلوب تعاملها مع الآخرين، هي عامل من عوامل الوحدة والبقاء، وهي لون من ألوان التميز، ومرتكزٌ للصمود أمام التحديات العالمية.

وإذا كانت تلك بعض قيم المناهج، فالتغيير فيها لا ينبغي أن ينفرد بالقرار فيه امرؤٌ أو فئة معينة، بل هو حق للمجتمع كله بدءاً من الطالب ومروراً بالمعلم، ثم ولي أمر الطالب، وانتهاءً بولاة الأمر، ومنهم العلماء، فهل يليق أن تصادر آراء هؤلاء جميعاً، ويصدر القرار بشكل أحادي أو فتوى؟ أين الدعاوى بتقدير وجهة نظر الآخرين؟ ألسنا ننتقد سياسة الإقصاء، أولسنا نعيب احتكار الآراء، وما بالنا نمارس ذلك في أخطر القضايا؟

ومهما قيل إن التغيير بسبب الأحداث والتفجيرات الأخيرة، فالحديث عن التغيير في المناهج سابق لذلك، ومهما استنكرنا حوادث التفجير في بلادنا فلا ينبغي أن نعالج الخطأ بخطأ آخر.

4- إن قضيتنا مع المناهج، بل مع التعليم برمته قصة طويلة، ومنذ زمن والمستغربون وأهل العلمنة يدندنون حول التعليم مرة بالدعوة إلى الاختلاط ومرة بتغيير المناهج، وثالثة بإدخال التربية الرياضية في مدارس البنات... وهكذا، ومع الإصرار ومستجدات الأحداث بدأت الخطوات الأولى لتنفيذ المخطط، وينبغي أن يصرَّ الخيِّرون وأصحاب الفكر السليم على وقف التنفيذ، والتنبه للخطوات المستقبلية، وأين القول بأن (الدمج) مجرد قرار إداري؟ وهل لنا أن نقول: إن هذه أول ثماره المرة؟

5- وثمة طرفٌ آخر يصر على التدخل في مناهجنا، ولكنه يُسِرٌّ بذلك من قبل، ثم بات يجهر ويعلنها صراحة وتهديداً، واصفاً إياها بالتطرف، وناسباً لها تدمير حضارتهم، والحق أن مناهجنا لم تدمر منشآت الغرب، وإنما دمّر الغربُ أنفسهم بأنفسهم، وذلك بظلمهم وطغيانهم وتدميرهم للآخرين، ولقد شهد شاهد منهم بذلك، فقد قال (أحدُ) أصحاب مدرسة المخابرات المركزية الأمريكية (بيل كريستان): إن الهدف الحقيقي للمتطرفين هو تخليص العالم الإسلامي من الهيمنة الأمريكية، إنهم لم يسعوا إلى تدمير أمريكا بقدر ما سعوا إلى إخراجها من أرضهم، [مستقبل العالم الإسلامي وتحديات في عالم متغير (كتاب البيان) 1424هـ ص563-564].

6- إننا حين نستجيب لهذا الاستفزاز ونغيِّر في المناهج لا عن قناعة وإنما لإقناع الآخرين، فنحن بهذا التصرف نصدِّق التهمة، وسيظل القوم يتهمون، ونحن نغير، حتى لا يبقى لنا من مناهجنا شيء نتميز به، وأعداؤنا في الغرب والشرق يدركون أن التأثير على التعليم مدخلٌ للسيطرة على الفرد والأمة، وهو أسلوب لتدجين المجتمعات الإسلامية وسلخها من هويتها المسلمة، وهو نوع من الإرهاب الفكري والاستعمار الثقافي لا يتورع الغرب عنه، ومن العجب أن هؤلاء الذين يمارسون التدخل في مناهج الآخرين يرون التدخل في مناهجهم نوعاً من الحرب عليهم، وأمريكا وقبل عشرين عاماً تقول: لو قامت قوة بفرض نظام تعليمي علينا لكان ذلك مدعاة لإعلان حرب علينا. (الدويش، البيان/173)، وعلى المجتمع والأمة أن تدرك آثاره ومخاطره المستقبلية، وأن تتبصر في المخطط والأدوات ووسائل التنفيذ، وتسعى جاهدة لإيقاف صلاحيته وسريانه.

7- وسؤال مهم يطرح نفسه، وماذا عن مناهج القوم التعليمية، وما هي رؤية المسؤولين في التعليم عندهم؟ ودعونا نُمثِّل بأقرب نموذج يجاورنا في البلاد المحتلة (فلسطين) – عجَّل الله بتحريرها من أيدي الصهاينة الغاصبين – حيث يُحدد وزير المعارف والثقافة الإسرائيلي السابق (زبولون هامر) أهمية التربية في المجتمع اليهودي بقوله:"إن صمودنا أمام التحدي الكبير الذي يواجهنا يتمثل في مقدرتنا على تربية قومية مرتبطة بالتعاليم الروحية اليهودية تربيةً يتقبلها الطفل راغباً وليس مكرهاً، ولهذا فإن على جهاز التعليم الرسمي والشعبي أن يتحمل التبعية الكبيرة للصمود أمام التحديات التي تواجه إسرائيل..".

ويعمم التربية وأثرها على كل أفراد المجتمع اليهودي أولُ رئيس وزراء لإسرائيل (ابن غوريون) حين يقول: إنه لن يكون للحركة الصهيونية مستقبلٌ بدون تربية وثقافة عبرية لكل يهودي بوصفه واجباً ذاتياً (انظر: هكذا يربي اليهود أبناءهم في إسرائيل، مقال في مجلة البيان عدد 173/1423هـ).

هكذا ينظر المسؤولون في دولة اليهود إلى قيمة التعليم وتأصيل المناهج بنظرتهم المرتبطة بتعاليم التوراة المحرفة، ومصيبة حين يتشبث أهل الباطل بباطلهم، ويتوارى أو يستحي أصحاب الحق من إظهار حقّهم.

وفي أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية تبرز المدارس اليهودية كنموذج متطرف في الحفاظ على الهوية والتميز الديني، وذلك من خلال فتح مدارس منظمة ينخرط فيها مُربون ومعلمون متمكنون في مجال التربية والتعليم، ومختصون بدراسة الأبعاد النفسية والاجتماعية للجالية اليهودية في المجتمعات الغربية (الجمهور: التعليم الإسلامي في الغرب، ملف مجلة البيان).

بل تقول الدراسات التربوية وتشهد الإحصاءات الرقمية على تنامي وزيادة المدارس الدينية في الغرب، حتى وصلت إلى ثمانية عشر ألف مدرسة تضم أكثر من مليوني تلميذ في عام 1980م، والأهم من ذلك أن في مناهج الغرب بشكل عام تطرفاً وإساءة للعرب والمسلمين ولم نسمع من يطالب بتغييرها (محمد الدويش: هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب؟) إننا في زمن العودة للهويات، فالأصولية الإنجيلية، واليمين المتطرف، والتوراتيون ونحوها من مسميات القوم شاهد على ذلك، والتطرف بضاعة القوم إن رموا غيرهم بها.

وسؤالٌ أيضاً يضاف إلى سابقه: مناهجنا الدراسية إلى أين؟

ومدارسنا الدينية ما حالها؟ وما حجمها؟ مع الاعتبار بأن ديننا الإسلام هو الحق المُنزّل من عند لله، وغيرُنا"شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ"(الشورى: من الآية21).

8- وثمة ملحظٌ تربوي قيمي على التغيير في المناهج، فالولاء والبراء وإن حذف أو أُضعف في المناهج المدرسية فهو محفوظ بنصوص الكتاب والسنة، وبماذا نجيب الطالب في مادة التفسير عن آيات الولاء والبراء ومدلولاتها، أو ليس عيباً أن نحذف في المنهج ما يقرأه الطالب صباح مساء في كتاب الله؟ ومثل ذلك يُقال عن آيات الجهاد وهي تملأ القرآن الكريم عرضاً وبياناً وإرهاباً للعدو، وغلظة ومقاتلة للذين يلونكم من الكفار، هل من حقنا أن نتدخل فيما أنزل الله، أو نغيِّر فيما شرع الله؟ وهل نريد أن نوقع الناشئة في نوع من الاضطراب، بل وفي نوع من عدم الثقة والشك في تراث الأمة ومدونات العلماء، وهي حافلة بالحديث المفصل عن هذه القضايا الحية والأصيلة في عقيدتنا وتراثنا؟

9- إننا – وحسب سنة الله في التدافع – قد نضعف في زمن من الأزمان أمام عدونا، وقد نُهزم في معركة السلاح العسكري، وهذا ضعفٌ وتقصير، ولكن المذل أن ننهزم في تحقيق قيمنا وفي الجهر بإسلامنا.. المصيبة حين نُهزم من داخل أنفسنا، وأخطر من ذلك حين نعمق الهزيمة لتصل إلى أبنائنا وأحفادنا، وذلك بالعبث بأي مفردة أصيلة من مفردات مناهجنا التي يتربى عليها أبناؤنا وبناتنا وهي تعمق فيهم العزة بالإسلام والنصرة للمسلمين، وجهاد الأعداء والانتصار للمظلومين.

إن الأمانة توجب علينا أن نعلم الأجيال أمرَ الإسلام – كما أنزله الله – مهما كان واقعنا، ومهما خطف العدو من مكاسبنا واستباح من أرضنا وخدش من كرامتنا، ونخون الأمانة إن خرَّجنا أجيالاً يلتبس عليها الحق بالباطل، وتفهم العدو صديقاً حليفاً، والماكرَ المستعمر رجلاً مهذباً محترماً؟

إنه خليق بالعقلاء والمفكرين والنبلاء وقادة الفكر ورجال التربية – من باب أولى – ألا يتورطوا في تربية جيل ضعيف في انتمائه لأمته ووطنه متذبذب في نظرته، حائر في منهجه، متشكك في شيء من مسلمات دينه.

إنها أمانة العلم ومسؤولية التعليم عَهِد بها إلينا من سبقنا بيضاءَ نقية، وينبغي أن نُسلمها لمن بعدنا كذلك، وليس من لوازم ذلك أن نجمد ولا نُطور، لكنه التطوير المدروس والنافع الذي يجمع بين الثبات والمرونة، والأصالة والمعاصرة، ولا يكتب في ظروف الانكسار والهزيمة، وهل نحن راضون عن تطويرنا في العلوم التجريبية، ونحوها من المعارف المادية التي قصّرنا فيها وسبقنا إليها الآخرون، ولم يبق لنا إلا أن نغيّر في قيمنا وثوابتنا.

10- ومفارقات عجيبة يدركها العامة فضلاً عن العاملين والمتابعين للأحداث، فهل يليق أن نُهمش (الولاء والبراء) أو نستحي من ذكر (الجهاد) في زمن أعلن الأعداء حربهم علينا، ولم يرقبوا في مؤمن إلاً ولا ذمة، قُصفت بلاد المسلمين بأحدث أسلحتهم، ودُمرت المنشآت والبُنى (الفوقية والتحتية) بطائراتهم وقنابلهم ومدفعياتهم، تيتم الأطفال، وترملت النساء، واستبيحت الأموال، وعُبث بالأعراض، وضاقت الأرض وشكت السماء من ظلمهم، وترسخ في عقول المسلمين وقلوبهم ناشئتهم وكبارهم، بل وفي عقول غير المسلمين الكره لهؤلاء الغزاة المستعمرين، ودرسوا ذلك من الواقع المشاهد قبل أن يقرؤوه في المناهج، وفقد الأمل من كان يرجوا الإصلاح على أيدي هؤلاء المفسدين، وخيمت سحابة من الغضب والسب لهؤلاء المجرمين المستكبرين، ونقلت وسائل الإعلام المختلفة شيئاً من مظاهر الغضب والاستياء لهذه الممارسات الظالمة التي تجاوزت مواثيق الأمم، واستهجنت بكرامة الشعوب، ووأدت ما بقي من خداع الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة التي طالما تشدق بها القوم، وهي اليوم رِممٌ مُحنطة تضاف إلى ما في متاحفهم من دُمى عفا عليها الزمن.

أفيليق بنا والحال تلك – في كره العالم للغرب المعتدي – أن نحجب عن أبنائنا وبناتنا هدي الإسلام ومنهج القرآن في أسلوب التعامل وطبيعة العلاقة مع هؤلاء؟ إن مناهجنا ينبغي أن تكون مواكبة للأحداث واعية للمتغيرات.

ومن الخطأ أن يشعر الطالب والطالبة بشيء من التناقض لما يدرس وما يرى على صعيد الواقع.

11- وهنا حقيقة لا بد أن تدرك وهو أن المخطط كبير لتطويق العالم الإسلامي فكره وحضارته واقتصاده، ويظلم نفسه ويسيء إلى أمته من ساهم في تنفيذ شيء من مخطط القوم في بلاد المسلمين من حيث يدري أو لا يدري، ومن لم يمنعه دينه ولا كرامته وإباؤه من الضيم والهوان وسوء المنقلب، فما لجرحٍ, بميت إيلامُ، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا وإخواننا المسلمين، فالتغيير للمناهج بدأ، وستتلوه خطوات أخرى إذا لم يتوقف، وثمة لجان جديدة مشكلة، وثمة وعود بتغيير وطباعة كتب مدرسية جديدة، بل الأمر يتجاوز المناهج والتعليم إلى قضايا وملفات أخرى كالمرأة ومحاولات إفسادها، والمؤسسات الدينية ومحاولة تقليصها، وتحديد مناشطها والهيئات والمؤسسات الإغاثية الإسلامية ومحاولة تطويقها ومحاصرة مناشطها... إلى غير ذلك من نشاط المسلمين ودعوتهم، ولو كانت سلمية هادئة فهي محل غضب الأعداء ويودون إلغاءها أو إضعافها، بل هي في النهاية، وكما أخبرنا الله عنهم"وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ"(النساء: من الآية89)، ألا فلننتبه جميعاً لهذه المخططات والأهداف، وليستشعر كلُّ منا الخطر، وليساهم في النصرة لدين الله والدعوة للإسلام، أنى كان موقعه ومهما كان حجم مسؤوليته، ورفقاً بأمتكم ومجتمعكم يا مهرولون، ومزيداً من الثقة بإسلامكم وقيمكم يا مسلمون، والقصد القصد تبلغوا، والسكينة السكينة تفلحوا.

12- وبعدُ فهذا هو المأزق فكيف المخرج؟ وما هو الدور المطلوب؟

إنني حين أؤكد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمدافعة، أؤكد معها على الحكمة والتعقل والصبر والاحتساب، وأن يقوم كل أحد منا بما يستطيعه، بالكتابة للمسؤولين، ومقابلتهم والنصح لهم، وبزيارة اللجان العاملة في المناهج وتذكيرهم بمسؤوليتهم، ونتائج قراراتهم على البلاد والعباد – حاضراً ومستقبلاً – ومناشدة الكتبة في وسائل الإعلام بالكتابة بما يدينون الله به، واستنهاض همم التربويين خاصة وأساتذة الجامعات بعامة على الكتابة وإبداء رأيهم في تغيير المناهج، ومعلمي المراحل المختلفة في التعليم من باب أولى، ولا سيما من كانوا يدرسون هذه المواد من قبلُ ومن بعدُ أن يكتبوا مرئياتهم وملاحظاتهم، وإذا كان المنهج المدرسي مهماً، فلا تقل عنه أهمية أثر المعلم والمعلمة في تفعيل هذا المنهج، ولذا يوصي المعلمون والمعلمات بتفعيل مناهجهم ويذكّرون بأمانة العلم ومسؤولية التعليم.

أما أنت يا ولي الأمر فبإمكانك أن تقوم بدورك في تربية أسرتك على هدي الإسلام بشموله وتوازنه في وقت يحتدم الصراع وتختل الموازين، ولا بد أن تُسأل الوزارة ما مصير القرارات السابقة؟ ولماذا نُحيت بعض اللجان المختصة العاملة؟ وهل من مبرر لإبعاد البعض عن المناهج؟ وما نوعية اللجان الجديدة؟ وكيف يُتخذ القرار فيها؟ وإذا عُرف أناس بالصلاح والنزاهة في هذه اللجان والمجالس الجديدة، فما مدى تأثيرهم في القرار؟ وهل يصدر شيء باسمهم وهم غير مقتنعين به؟ إنها حمل وأمانة فليتقوا الله فيها، ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ونعيذهم من الأخرى.

يا علماء الأمة مسؤوليتكم في البلاغ والدعوة أعظم من غيركم، فما هو موقفكم تجاه تغيير المناهج الواقع والمتوقع؟ وما هو بيانكم الناصح للراعي والرعية؟

أيها المسؤولون والرعية أمانة في أعناقكم مسيرة البلد وقيادة السفينة إلى بر الأمان، والحفاظ على وحدة المجتمع وخصائص البلد ذمة وعهد عاهدتم الله عليه، فالعهد العهد تُفلحوا، والصدق الصدق تنجوا وتسعدوا وتُسعدوا، ولا يستفزنكم الذين لا يوقنون.

أيها المسلمون جميعاً ومهما فعلتم من أسباب فلله الأمر من قبل ومن بعد، فأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، وادعوه خوفاً وطمعاً، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply