جذور العلمانية والتغريب في العالم الإسلامي 1


 


بسم الله الرحمن الرحيم

تُعد العلمانية (فصل الدين عن الحياة) أحد الانحرافات الكبرى التي أصابت الأمة الإسلاميةº إذ إنها حملت في طياتها مجموعة من التشوهات والمفاسد التي مسَّت أو تغلغلت ـ بدرجات متفاوتة ـ في تصورات أفراد هذه الأمة وقيمهم، أو نشاطاتهم وعلاقاتهم، أو نُظُمهم ومؤسساتهم.
ومن المعروف في دراسة أحوال المجتمعات وتحولاتها أنه من غير الممكن الوقوف على نقطة محددة (زمنية أو فكرية) في مجتمع ما والإشارة إليها على أنها نقطة التحوٌّل العمراني (الحضاري) ـ هبوطاً أو صعوداً ـ في هذا المجتمعº فهذه النقطة قد تكون (محطة) في منحدر الهبوط أو سُلَّم الارتقاء، ولكنها لا تكون منعزلة أو منبتَّة الصلة بغيرها من الأفكار والأحداث والشخصيات الأخرى التي تكوِّن (المحطات) الأخرى في مسيرة هذا المجتمع.
ومن هذا المنطلق فإننا لا نستطيع دراسة نشأة العلمانية في العالم الإسلامي من غير البحث في الحامل الذي جاء بها (التغريب)، ومن غير البحث في الخلفيات والعوامل الثانوية التي ساعدت على هذه النشأة، وبعد ذلك يمكننا تتبع شبكة التطورات التي انتهت إلى ما نحن فيه.
نظرة من بعيد:
يمكن القول: إن العلمانية إحدى الصور الفجة لانفصال السلطان عن القـرآن الذي أخبر به النبي #: «... ألا إن الكتــاب والسلطان سيفترقانº فلا تفارقوا الكتاب...» (1)، وقد بدأ هذا الانفصال التدريجي بشكل خافت بعد الخلافة الراشدة إثر انفصال أهل العلم والتقوى عن أهل السلطان والغلبةº حيث تغيرت معايير اختيار أصحاب السلطان، وإن بقي أهل العلم يمثلون مرجعية للأمَّة وفي كثير من الأحيان لأهل السلطان أنفسهم، ولكن هذا الانفصال لم يكن في مبدأ أمره انفصالاً عن الأفكار والتصورات والعلاقات والتشريعات الإسلامية بقدر ما كان انفصالاً بين (جهاز) التفكير و (جهاز) التنفيذ، وإن قُدِّر وحدث انحراف ما في التنفيذ فإنه كان يقع في دائرة الاجتهاد الخطأ أو الهوى والمعصية، ولكن لم يتعد إلى دائرة التصورات والأفكار وتغييرها بغية إيجاد مسوِّغ وتشريع لهذا الانحراف والتعدي كما هو حادث في العلمانية، أقول ذلك على الرغم من وجود بعض الفتاوى التي كانت تصدر أحياناً من علماء السلطان لإيجاد مسوِّغ لمعاصيهم وتفلتهم من الأحكام الشرعية، ولكن المدقق يمكنه أن يرى أن هذه الفتاوى لم تكن أكثر من استخدام سيئ وبمهارة لأصول شرعية يُسلِّم المجتمع بمرجعيتها.
غير أننا لا نعدم أيضاً في بواكير (التراث الفكري الإسلامي) بعض الجذور العميقة لتصورات ومفاهيم منحرفة عن الإسلام الصحيح ساهمت إلى حد كبير في إخصاب الأرضية الفكرية التي عملت عليها العلمانية.
فمن ذلك: الأثر الذي تركته الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية على فكر بعض الفرق ـ وخاصة المعتزلة ـº حيث شاع عندهم تقديم العق

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply