التغريب بين اندماج الشباب وانصهارهم


بسم الله الرحمن الرحيم


لا نريد الدخول في أسباب هجرة الكثير من العوائل المسلمة إلى البلدان الغربية، فلقد باتت واضحة لكثرة ما دار الحديث حولها.لكن الذي يهمنا منها هو مشكلة التغريب بالنسبة لشريحة الشباب الذين يقومون بالهجرة تارة بشكل فردي شخصيّ بمعزل عن العائلة، وتارة بالالتحاق بالعائلة التي تتخذ قرار الهجرة.
والشكل الأول اخطر من الثاني لان الشاب في هذه الحالة سيكون مفصولاً تماماً عن عائلته، فلا رقابة ولا توجيه ولا حضانة، الأمر الذي يعني بالنسبة لغالبية المهاجرين من الشباب الانفلات من سلطة العائلة والتحرر من الالتزامات الدينية والاجتماعية والثقافية.
والخطورة تزداد إذا كانت خلفية الشاب الثقافية والدينية والاجتماعية هشّة، فإذا كان هو سلفا يجهل ذلك، أو لا يعلم منه إلا القليل، فإنّه مع تواتر الأيام سيفقد حتى هذا القليل ليملأ الفراغ الحاصل بثقافة المحيط الجديد .. ومن هنا تتعقد المشكلة ولا نقول تنشأ، فهي قد نشأت منذ قرر أن يهاجر لوحده.ولما كان أكثر الذين يهاجرون من الشباب سواء مع عوائلهم أو لوحدهم لا يتوجهون لإكمال دراساتهم إلا ما رحم ربي ولا يلتحقون بالمراكز الإسلامية والأجواء.
الدينية وإنما ينخرطون مباشرة في سوق العمل فإنّ احتمالات تأثير الأجواء الجديدة بشكل سلبي عليهم كبيرة لدرجة الانصهار مع المجتمع الجديد، فلا يبقى من هوية الشاب المسلم سوى اسمها، وإلاّ فتصرفاته وحتى طريقة لباسه وتسريحة شعره ووضع السلاسل على رقبته ومعصمه وتساهله في الاختلاط والعلاقات غير الشرعية مع الفتيات .. تشبه إلى حد بعيد حال الشاب الغربي نفسه.
وربما تعقد الأمر أكثر نتيجة غياب المراقبة والمحاسبة والشعور الديني بالمسؤولية، حتى يصل الى تعاطي المخدرات والى الانضمام إلى منظمات مشبوهة أو معادية للإسلام.
أن مشكلة التغريب عند الشباب تظهر وتتبلور أكثر عندما لا يكون الشباب والفتيات قد تلقوا تعليما أو تربية إسلامية سابقة على الهجرة، فلقد اتضح من خلال بعض الإحصاءات المهجرية أن العوائل الملتزمة والمحافظة والمتدينة التي تعاملت بأسلوب التفاهم والصراحة والاحترام مع أبنائها هي الأقل عرضة لحالات انحراف الأبناء والبنات من الأسر التي أهملت واجباتها في التربية، الأمر الذي يصل بها أحيانا إلى فقدان السيطرة تماما على أبنائها وبناتها حين يستمعون ويستمتعون بالخطاب الذي يقول لهم أنكم شخصيات مستقلة ولا دخل للوالدين في شؤونكم الخاصة .. ولكم حريتكم التي لا يحق لأحد التدخل فيها.
ولذلك، وأمام مشكلة التغريب التي يعيشها الكثير من الشبان المسلمين والفتيات المسلمات، لابد من النظر إلى المشكلة من أكثر من زاوية:
1- إن دور الأسرة في المجتمعات الإسلامية خطير وكبير، فما بالك في المجتمعات غير الإسلامية، إن المسؤولية هنا تتضاعف، فإذا كانت الأسرة حكيمة في تعاملها مع أبنائها قلصت وخففت وربما تمكنت من الحد من عوامل الذوبان في المجتمعات الجديدة بما توفره من أجواء الانسجام والتفاهم والاحترام والحوار بين أعضائها.
2- لابدّ من التفريق بين (الانصهار السلبي) و(الاندماج الذكي) فنحن لا نريد للشباب المسلمين أن يكونوا جزائر منفصلة عن المحيط .. كما لا نريد لهم أن يكون قطرات ذائبة في المحيط .. فإذا انطلق الشباب المسلمون والفتيات المسلمات من قاعدة رصينة - نعني خلفية ثقافية ودينية جيدة - فإنّهم سيكونون عناصر تفاعل جيدة وعناصر تأثير جيدة في الدفاع عن دينهم وحقوقهم وقضاياهم.لقد لوحظ في بعض أوساط الجاليات المسلمة في الغرب أن المنطقة أو الحي الذي يعيش فيه مسلمون ملتزمون تتراجع فيه معدلات الجريمة والمخدرات والفساد الأخلاقي مما أعطى صورة طيبة للمؤسسات المعنية في الدول الأوروبية على إن في المسلمين من يحترمون القوانين ويفون بالعهد والمواثيق، ولهذا الأمر انعكاساته الطيبة في
أسلوب التعامل بين تلك المؤسسات وبين المهاجرين.
3- إما على صعيد الانصهار السلبي والانبهار الذين يعمى ويصمّ، فلقد أفرزت تجربة الاغتراب جيلاً ليس بالصغير أو القليل من الذائبين من الرأس حتى أخمص القدمين بالمجتمعات الغربية، من جراء الإحساس بروحية الدونية والحقارة لانتماءاتهم السابقة، ومن خلال إجراء مقارنات مادية بحتة بين مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون فيها والتي يسيطر عليها الظلم في الغالب وبين هذه المجتمعات التي تعيش الحرية والنظام والاستقرار، بل يتطوّر الأمر إلى ما هو أسوأ من هذا وذاك إلى الشعور بالعيب من الإسلام وقيم الدين، ففي حين تجد فتيات مسلمات واثقات من دينهن وشخصياتهن يقاومن محاولات إجبارهن على خلع الحجاب، ترى في المقابل بعضا من فتيات المسلمين من تخلع حجابها من دون أي ضغط وذلك مسايرة للفتيات الغربيات المتبرجات، أو المسلمات الضعيفات الالتزام.
4- وكحل لمشكلة التغريب في أوساط الشباب نقترح ونشجع على السكن في المناطق التي
تتواجد فيها جاليات إسلامية اكبر، لان الجو الاجتماعي الإسلامي له تأثيره في قوة الانضباط والانشداد إلى الجماعة الإسلامية، كما أن ارتياد المراكز الإسلامية واختار الأصدقاء الصالحين، وإقامة نواد ومدارس إسلامية يلتحق بها الشبان والفتيات، بل وإيجاد أماكن للترفيه والتسلية الإسلامية ما أمكن ذلك، مما يساعد على الحفاظ على الهوية الدينية واللغة العربية وتأمين الحاجات النفسية والعاطفية للتواصل الاجتماعي وتحقيق الفرص المناسبة لنمو الثقافة الإسلامية التي تعد صمام الامان من الانصهار في المجتمعات الغربية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply