فراغ القوة في الشرق الأوسط!


بسم الله الرحمن الرحيم

منذ مدة استقر الكثير من المحللين السياسيين وكتاب الدراسات والأبحاث على وجود ثلاث قوى وثلاث مشروعات تتصارع على المستوى الاستراتيجي لإعادة ترتيب أوضاع الدول الإسلامية, وإحداث تغيرات ذات طابع حضاري شامل.

المشروع الأول: هو معلن عن نفسه بنفسه وهو المشروع الأمريكي لتغيير الشرق الأوسط, أو لتشكيل شرق أوسط جديد, خاضع للهيمنة الأمريكية المطلقة، وهو مشرع اعتمد لتنفيذه القوه العسكرية المباشرة، والقتال الحربي ضد الدول التي رفضت مسايرة المشروع كما هي حالتي العراق وأفغانستان، كما اعتمد نمط أو نظرية الفوضى البناءة في حالات أخرى أو ضد دول أخرى، ووفق أساليب متنوعة شملت عمليات الاغتيال لأحداث حالات من الاضطراب في بنى الدول، وضم شخصيات سياسية وفكرية وثقافية إلى خططها ومشروعها، وتربية وحماية شخصيات "شابة" جديدة لتغير اتجاهات الرأي العام كمكون وطني عام, وإيجاد جسور علاقات ومصالح مع قطاعات فئوية أو طائفية على حساب الأوطان، ولعزل "المكونات الوطنية" في كل بلد عن بعضها البعض، وأحداث حالات من التخلخل والتفكك داخل المجتمعات لتسهيل مهام الاختراق، وتطويع الإرادة والسيطرة، كما هي استخدمت مختلف أشكال الضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على حكومات الدول لتغير توجهاتها، أو لتطويع إرادتها في إطار المشروع الأمريكي.

والمشروع الثاني هو المشروع الإيراني الذي هو مشروع يعلن عن نفسه بتصرفاته وسلوكه بأكثر مما يعلن عن نفسه من خلال مشروع استراتيجي متكامل (على مستوى الإعلام والطرح السياسي)، كما هو على صعيد الإعلان عن نفسه قد اكتفى بإعلان رفضه ومقاومته للمشروع الأمريكي، وهو مشروع اعتمد القوة العسكرية على صعيدين: الأول هو إعداد الدولة الإيرانية ذاتها على المستوى العسكري لتتحول إلى قوة إقليمية مسيطرة (خاصة في ضوء خروج القوة العراقية من التوازن الاستراتيجي معها)، والثاني: من خلال دعم ومساندة قوى وأحزاب وتيارات شيعية على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية (منظمة بدر، ومقتدى الصدر في العراق، وحزب الله في لبنان، والهزارة في أفغانستان وغيرها).

كما هو اعتمد على توريط "خصومه" في مشكلات في داخل المحيط الإيراني عبر تشجيعهم ودعمهم والتحالف معهم لإطاحة خصوم إيران في المحيط، ولإضعاف هؤلاء الخصوم أنفسهم، وجعلهم أضعف على صعيد المساومات مع الطرف الإيرانيº فقد تحالفت إيران مع الولايات المتحدة وبريطانيا في العدوان على أفغانستان على مختلف الصعد، بما حقق لها إقصاء حركة طالبان في أفغانستان (والتي كانت طهران من قبل قد حشدت قواتها العسكرية لحربها قبل العدوان الأمريكي)، والحكم في العراق بقيادة الرئيس العراقي صدام حسين الذي وقف في وجه مشروعها (هذا) والذي كان يحمل عند بدايته عنوان "تصدير الثروة ", أو تصعيد حالة التشيع في المحيط.

وكذا هي اعتمدت استراتيجية سياسية وإعلاميه تقوم على "خلط الأوراق" و"التعتيم" على أهداف استراتيجيتها، وهى لذلك مارست نشاطاً إعلامياً وسياسياً متواتراً (قناة العالم - تصريحات أحمدي نجاد شبه اليومية تقريباً).

والمشروع الثالث هو المشروع الثالث وسبب التسمية "هنا" لا يعود إلى عدم وضوح هويته ولكن بقصد التوضيح، حيث هو مشروع لا دولة تقوده أو تسانده (كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، وإيران في المشروعين الآخرين)، كما هو مشروع واسع الأطياف، وبلا قياده مركزية، إذ تتعدد الجماعات والاتجاهات التي تدعو وتعمل من أجله (بلا اتفاق واضح بينها)، وكذا لأن الأغلب على توصيفه هو أنه "مشروع مقاوم"، بما يشير إلى أنه يقاوم المشروعات الأخرى بالدرجة المهمة، وإن كان ذلك لا يعني أنه لا وضوح لديه - بهذه الدرجة أو تلك - على صعيد استراتيجيته في إعادة ترتيب المنطقة، إذ هو بالإجمال يدعو إلى البناء الإسلامي للمجتمعات، ولعودة الدولة الإسلامية كتعبير عن الأمة الإسلامية.

وهو يختلف عن المشروعات الأخرى في أن "تنوع" أساليب وصوله إلى أهدافه هي حالة ترتبط برؤية كل جماعة - لا ضمن خطة واحدة كما هو الحال في المشروعات الأخرى -، إذ تعتمد "القاعدة" على الأعمال العسكرية (وهي تختلف معها في نشاطها، وسبل تحقيق أهدافها مجموعات أخرى كثيرة)، وكذا هي تمارس نشاطاً إعلامياً واسعاً (على عكس تيارات أخرى)، بينما هي لا تمارس "العمل السياسي" كما هو معتاد أو وفق ما هو متعارف عليه (عند جماعات أخرى)، كما تعتمد حركات وجماعات أخرى أساليب "الدعوة" و"النشاط السياسي" (نموذج حركة الإخوان المسلمون بكل أطيافها).. إلخ.

وهكذا صار الصراع بين الاتجاهات الثلاثة والاستراتيجيات الثلاثة طوال المرحلة الماضية التي يمكن التأريخ لها - في هذه المرحلة - بثورة الخميني بالنسبة للمشروع الإيراني (والذي لم يأت بعيداً في واقع الأعمال عن المشروع الشاهنشاهي إلا في النمط الصريح المعلن من الولاء للمشروع الأمريكي)، وبالعدوان الأمريكي على العراق في عام 1991 باعتباره نقطة إطلاق السيطرة الأمريكية على العالم، والتي جاء إعلانها – عسكرياً - من العراق تحديداً لما لهذا من دلالات حضارية واستراتيجية تواصلت فيما بعد عبر العراق أيضاً، (وهو ليس منفصلاً بطبيعة الحال عن الاستراتيجيات الأمريكية منذ الخمسينات بشكل خاص).

أما المشروع الثالث فإن التأريخ له هو عمليه صعبة، إذ هو مشروع يمكن التأريخ له ببدايات المقاومة للغزوة الاستعمارية الأوروبية من قرنين من الزمان، كما يمكن التأريخ لضروراته منذ إسقاط تركيا لواجبها تجاه الأمة الإسلامية عبر حركة أتاتورك, وكذا بظهور حركة الإخوان المسلمين، أو بنشاط وقوة التيار السلفي، أو بظهور تنظيم القاعدة، أو بظهور حركة حماس (مع الاختلاف البين والواضح بين تلك ا لتيارات)، أو بغيرها، وإن كان الأكثر تحديداً هو ظهور حالة المقاومة الشاملة للمشروعين الآخرين.

 

صراع على ماذا؟

في التاريخ الاستعماري كله جرى التعتيم على الأهداف من الحروب والمشروعات الاستعمارية، كما جرى تقديم أوصاف خادعة لعمليات الاحتلال، حيث الخداع هو الاستراتيجية الدائمة في كل عمليات الاحتلال، النموذج الأبرز كان الحرب العالمية الأولى التي جرت فعلياً لتحقيق هدف الإجهاز النهائي على دولة الخلافة الإسلامية بأحداث تغيير فكري وسياسي في مركزها في تركيا، واحتلال أقاليمها وولاياتها كلياً باعتبارها مهزومة في الحرب، لكن تلك الأهداف استبدلت بإعلان شعارات وصياغات تتحدث عن: تركة الرجل المريض"، وفي تلك المرحلة جرى احتلال فلسطين من قبل القوات البريطانية لتسليمها للصهاينة وفق وعد بلفور، وكان المسمى الذي أطلق على الاحتلال هو "الانتداب"، كما جرى تقسيم الولايات الإسلامية بين بريطانيا وفرنسا وفق اتفاق سايكس بيكو باعتبارها دول منتصرة في الحرب.

وفي الصراع الراهن فإن الولايات المتحدة قد اختارت عنوان الشرق الأوسط الكبير للتعمية على هدفها في حرب الإسلام والمسلمين (وتغيير هوية المنطقة)، واحتلال الأراضي الإسلامية، والاستيلاء على ثروات الأمة...الخ، كما هي اختارت شعارات الديمقراطية لتضليل الشعوب إعلامياً وذلك وفق خطط إعلامية مدروسة.

أما إيران فقد اتخذت غطاء لها في تحقيق أهدافها من الشعارات الأمريكية ذاتها في جانب كما هو الحال في حديثها عن الإرهاب في العراق وأفغانستان الذي هو وصف للمقاومة الإسلامية، كما هي خلال الحرب مع العراق قد اختارت شعارات مقاومة البعث الصدامي، ومواجهة تطلعات صدام...الخ.

ولأن المشروع الثالث هو المشروع الذي يستهدف مصالح الأمة، ويرتبط بهويتها، ويدافع عنهاº فهو ليس فقط في غير حاجة إلى "شعارات للتغطية" على مشروعهº بل هو يطرح شعارات محددة صادقة مع توجهاته وأهدافه، وإن كان الأغلب فيها حتى الآن هو أنها ترفع شعارات مواجهة المشروعين الآخرين باعتبارهما مشروعين "استعماريين" بأكثر مما تطرح بنود وبرامج مشروعها الأصلي، مع الاختلاف بطبيعة الحال بين هذه الجماعة أو تلك على هذا الصعيد بحكم اختلاف الظروف التي تنشط فيها كل جماعة وليس فقط بفعل حالة التعدد والاختلاف بين الجماعات باتجاهاتها المختلفة.

وفي كل ذلك والحاكم لكل ذلك هو أن المنطقة التي يجري حولها الصراع ليست "أرض فضاء على صعيد النظم التي تحكمها، ولا على صعيد شعوبها، ولو كانت كذلك ما كانت هناك حاجة من قبل المستعمرين لإخفاء أهدافهم، ولا كان هناك خطاب موجه من أصحاب مشروع الأمة...الخ، وهنا يمكن القول بأن أصحاب المشروعات "الثلاثة" على اختلاف أهدافهم واستراتيجياتهم وتضادها حتى القتال ينطلقون من فكرة مفادها أن "نظم الحكم" التي تسيطر على الأوضاع في المنطقة لم يعد يمكن لها الاستمرار، أو لم تعد تملك مقومات البقاء - فوجهوا جهودهم لتغييرها كل حسب أهدافه - كما هم وجدوا أن الشعوب باتت أقرب إلى حالة التغيير منها إلى حالة الركون إلى التعايش مع أوضاعها الراهنة.

الصراع إذن يجري على منطقة محدودة، ذات هوية محدده، وفي ظل حالة انفصال بين الشعوب ومختلف أشكال الحكم فيها بما أوجد الفرصة لدى أصحاب الاستراتيجيات الثلاثة للدخول على خط التغيير، وأحدها استعماري (من بعيد)، وثانيها تشكل عوامل القرب الجغرافي والاستراتيجي ملامح قوته، وثالثها يتمتع بالمشروعية لدى الشعوب إن لم يكن بحكم تعبيره عنها (وفق ملامح متنوعة ومتعددة الأوجه يختلف فيها وضع كل تيار أو جماعة)، ولذلك اختلفت طرق الاقتراب في تنفيذ الأهداف بحكم طبيعة الاستجابات المختلفة من الشعوب لكل استراتيجية من الاستراتيجيات الثلاث.

 

الاتفاق والاختلاف الاستراتيجي:

بدأت المعركة وفق هذه الاستراتيجيات من مرحلة طويلة مضت، كما يمكن القول إن حالتها المرحلية الفاصلية كانت ما بعد غزو واحتلال أفغانستان ثم العراق، وفى ذلك ووفق الأولويات والمعطيات في الواقع جرى تقاطع أو توافق بين اثنين منها ضد الاستراتيجية الثالثة.

وواقع الحال أن كلاً من استراتيجيات الولايات المتحدة وإيران قد التقتا أو تقاطعت مع بعضهما البعض في تلك الرحلة ضد الاستراتيجية الثالثة وقواها، مع تباينات هنا وهناك بطبيعة الحال مثل كل التقاء، حيث الالتقاء شي و"التطابق" شيء آخر، وفى استراتيجيات الدول أو في الاستراتيجيات بشكل عام لا يوجد تطابق أبداً.

لقد التقت الاستراتيجيتين الأمريكية والإيرانية على إقصاء حركة طالبان من الحكم في أفغانستان، حيث الولايات المتحدة كان هدفها الرئيس هو تمديد خط أنابيب من بحر قزوين عبر أفغانستان (وهو ما كانت طلبت من طالبان تمريره فرفضت)، وحيث إيران كانت مهتمة بالأمر من زاوية ضرب أوائل تطبيق المشروع الثالث في أفغانستان، وبحكم أن وجود "هذا المشروع الواضح في معالمه العقائدية والسياسية - والأخيرة على صعيد الرفض للمشروعات الأخرى - قد مثل النموذج الذي يدفع حتى في إيران للتطور باتجاهه هم الآخرين...الخ، كما يمكن القول بأن إيران رأت أن "إقصاء طالبان" سيفتح الطريق لها لتوصيل الغاز والنفط الإيراني - ومن بحر قزوين - إلى باكستان والهند أيضاً بما يحقق أهدافها الاستراتيجية في الإقليم.

كما التقت الاستراتيجيات على إقصاء حكم الرئيس صدام حسين من العراق، حيث الولايات المتحدة استهدفت السيطرة على بترول العراق، وضرب قوة ممانعة لوجودها في "الشرق الأوسط " أي لإعادة ترتيب العالم الإسلامي تحت هيمنتها المطلقة بدءاً من منطقة الخليج.

وحيث إيران صاحبة مصلحة في ضرب قوة ممانعة لتمددها الاستراتيجي في "المنطقة العربية" باعتبار حكم صدام كان مستنداً إلى مفهوم القومية في مواجهة "القومية الفارسية"، هذا إلى جانب التقاء استراتيجي عام بسبب استهداف كليهما "تفكيك" الدول القائمة في الجناح الآسيوي الممتد من أفغانستان إلى لبنان باعتبار أن التفكيك هو لمصلحة الطرفين كمقدمه لإعادة ترتيب التواجد السكاني في علاقته بالجغرافيا الجديدة المستهدفة.

ففي حين اهتمت الولايات المتحدة من هذا التفكيك - وبالدرجة الأولى - إعادة بناء نظم سياسية على أسس عقدية فكرية، وسياسية واجتماعية ثقافية، تكون تحديد التوجه لصبغة واضحة لا لبس فيها ولاءً للولايات المتحدة حضارياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً, وكذا إعادة تشكيل الدول وفق كيانات أصغر وأضعف لتستمر تحت السيطرة الأمريكية دون قدرة على مقاومة النفوذ والوجود والمصالح الأمريكيةº فإن إيران اهتمت بتحقيق التفكيك، وكذا بإقامة "الدول الجديدة" على أساس من فكرة "تحرير" الشيعة من سيطرة الدول "السنية" الحالية, وباتجاه "السيطرة" على هذه البلدان الجديدة، أو تغيير هوية الدول القديمة في المناطق التي تمكنها الكثافة السكانية الشيعية من فعل ذلك، أو بزيادة تمثيل الشيعة في السيطرة على القرار السياسي في المناطق الأقل كثافة شيعياً بين السكان، أو حتى بإضعاف قوة "السنة" في تلك المساحة من العالم الإسلامي كصيغة عامة (كما هو الحال في الدفاع المستميت عن سوريا، والتحالف مع الاحتلال في داخل العراق، وتقيم التغطية السياسية له، والدفع المغامر بالمعدات العسكرية لحزب الله).

وهكذا، وبعد أن جرى "الانتهاء" من عملية غزو واحتلال أفغانستان والعراق دخل الطرفان في "مواجهات" بسبب محاولة كل منهما تحويل نتائج الغزو إلى مصلحته الاستراتيجية دون أن ينفك "التحالف" و"الالتقاء" الاستراتيجي بينهما بسبب الآفاق البعيدة له باعتبار أن استراتيجية إيران تستهدف بناء "دولة الشيعة الكبرى" في المنطقة، وأنها في ذلك تتجاذب مع الاستراتيجية الأمريكية لتحقيق أهدافها دون الدخول في مواجهات معها تكون لمصلحة أصحاب الاستراتيجية الثالثة، وهو نفس الفكر لدى مخططي الاستراتيجية الأمريكية التي تخشى من دخول في مواجهة مع إيران، حيث هذه المواجهة ستكون لمصلحة المشروع الثالث.

لقد دخلت قوى إقليمية أخرى على خطوط الصراع فكانت التهديدات بقصف إيران، والضغط عليها بالملف النووي، وكان الصدام المتفجر في لبنان، ثم كانت الدعوات الغربية من بعد لإشراك إيران في حل المشكلة العراقية ثم اللبنانية، وسيتلو ذلك الحديث حول الفلسطينية أيضاً، وكانت الاستجابة الإيرانية أيضاً.

 

فراغ القوة:

والحادث الآن بوضوح هو أن أصحاب الاستراتيجية الثالثة قد تمكنوا من "إعطاب" استراتيجية الولايات المتحدة التي أصيبت بانكسار حقيقي، لكنهم لم يتمكنوا بنفس القدر من إفشال الاستراتيجية الإيرانية، بما أحدث فراغاً على صعيد القدرة الأمريكية في التأثير في المنطقة، أو على صعيد قدرة الاستراتيجية في الصراع مع الاستراتيجيتين الأخريتين، ولو حتى كحالة مرحلية.

كما الحادث الآن هو أن الاستراتيجية الإيرانية كانت الأكثر جهوزية من الاستراتيجية الثالثة على استثمار الانكسار الحادث في الاستراتيجية الثانية – الأمريكية - بما جعلها تستثمر بنجاح الضربات التي وجهت من قبل أصحاب الاستراتيجية الإسلامية ضد الاستراتيجية الأمريكية، كما هي تحولت (أي الإيرانية) إلى الاندفاع الهجومي لتحقيق أهدافها التكتيكية والاستراتيجية على نحو واضح وصريح على خلاف المرحلة الأولى التي كانت مكتفية فيها "بالتسلل" غير المحسوس وغير الهجومي، والأمر باختصار هو أن الاستراتيجية استفادت من تحالفها مع الاستراتيجية الأمريكية، وعززت أوضاعها على حساب الاستراتيجية الإسلامية والأمريكية بفعل الضربات الأمريكية التي وجهت للنشاط الإسلامي، وبفعل الضربات الإسلامية للوجود الأمريكي.

وهنا كان الهجوم الصهيوني على حزب الله - بأوامر أمريكية مباشرة - محاولة لإيقاف الاندفاع الإيراني على حساب المشروع الأمريكي، ولإضعاف التحالف السوري الإيراني، كما هنا جاءت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة - قبل الانتخابات الأمريكية - في إطار إعادة حسابات التحالف الاستراتيجية في المنطقة، ومحاولتها تشكيل تحالف مع "الدول السنية المعتدلة" لمواجهة الاندفاع الإيراني، أو كمحاولة لإنهاض القوى الاحتياطية للمشروع الأمريكي لمواجهة المشروع الإيراني، ولقطع الطريق على استثمار أصحاب المشروع الإسلامي حالة الانكسار في الاستراتيجية الأمريكية، ولقد دخلت المنطقة مرحلة إعادة تشكيل التحالفات، وهو ما سنتناوله في تحليل آخر.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply