ماذا تفعل كوندوليزا في الشرق الأوسط؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

على رغم طيران وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في عطلة نهاية الأسبوع الماضي إلى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة التي مزقتها الحروبº فقد قللت رايس نفسها - ولا أحد غيرها - من أهمية زيارتها هذه، ذلك أنها لم تأت وفي معيتها خطة أو مشروع محدد، وإنما جاءت لتستمع فحسب على حد تصريحها للصحفيين.

وما من شيء أوضح من هذا الأسلوب لفضح سلبية أميركا، ولا مبالاتها بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وفقدان واشنطن لهيبتها وتأثيرها في المنطقة، ومشكلة رايس أن رئيسها بوش يبدو غارقاً حتى أذنيه في مأزقه العراقي، بينما ينشغل في الوقت ذاته بتصعيد مواجهته مع طهران، ويستشف من إشارات بوش وتحرشاته النارية بإيران في خطابه الأخير، وكذلك من الغارة الأميركية على القنصلية الإيرانية في مدينة أربيل مؤخراً أنه قد اختار طريق المواجهة مع طهران بدلاً من السعي لإدارة حوار معها.

والشاهد أن إيران والعراق هما اللذان يقضان مضجع بوش، ويصيبانه بالصداع والدوار، وبالتالي فهما الملفان اللذان ما زالا يدمران رئاسته، ويهزان أركانها، وهما كذلك في قرارة نفسه الملفان اللذان يلقيان بظلالهما الوخيمة على النزاع بين "إسرائيل" وجيرانها المباشرين في كل من فلسطين وسوريا ولبنان أيضاً، لكن وكما نلاحظ فقد تشبث مستشارو بوش من "المحافظين الجدد" برفض أية محاولة للربط ما بين الحرب الدائرة في العراق والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويجادل هؤلاء أيضاً بالقول إن على "إسرائيل" أن تعمد إلى حل نزاعها مع جيرانها الفلسطينيين والعرب وفق شروطها ورؤاها الخاصة بما في ذلك استخدام القوة الخشنة العمياء إذا ما اقتضت الضرورة.

ومشكلة الرئيس بوش هي أنه لم يدرك أو يصل إلى قناعة بعد بأن في السعي والعزم على التسوية العادلة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ما يعيد إلى الولايات المتحدة مصداقيتها وتأثيرها في العالم العربي الإسلامي، وما يذلل بالتالي الطريق أمام تسوية كافة النزاعات الإقليمية الأخرى في المنطقة بما في ذلك المأزق العراقي، وبروز دور إيران كقوة إقليمية مناوئة ومعادية للمصالح الأميركية، ولذلك كله فقد جاءت زيارة رايس إلى المنطقة وهي لا تحمل معها سوى الخيبة والعجز الأميركيين، وفيما نعلم فإن زيارة كوندوليزا رايس تبدأ بـ"إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تلتقي كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس محمود عباس "أبو مازن"، قبل أن تغادر منها لتواصل جولتها في بقية العواصم والدول الشرق أوسطية الأخرى.

وعلى رغم إنكار رايس أن تكون لها خطة أو تصور محدد لزيارتها هذهº إلا أن الشائعات قد سرت وسبقتها إلى القول إن الهدف الرئيسي للزيارة هو استكشاف مدى قدرتها على إقناع كل من أولمرت و"أبو مازن" ببدء العمل معاً من أجل الإعلان عن قيام دولة فلسطينية داخل حدود سياسية وجغرافية مؤقتة، وفي ذات الوقت ستبذل رايس قصارى جهدها في الحصول على دعم إقليمي لخطة بوش الأخيرة الخاصة بإرسال المزيد من القوات إلى العراق، إلى جانب سعيها لإقناع الدول العربية المعتدلة لاسيما مصر والمملكة العربية السعودية والأردن واستقطابها ضد إيران.

وهنا بالذات يكمن خطأ أجندة هذه الزيارة، وتتبدى نقاط ضعفها على الأرجح، فربما تبدو فكرة إقامة دولة فلسطينية داخل حدود سياسية جغرافية مؤقتة مُغرية لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنكوب محمود عباس "أبو مازن"، الذي لم يجن ثمرة سياسية واحدة حتى الآن من حكومة أولمرت، بما في ذلك عدم تفكيك تل أبيب لأي من نقاط تفتيشها غير الشرعية، دعك من تفكيك أي من مستوطناتها منذ مجيء أولمرت إلى السلطة، غير أن من المرجح أن تثير هذه الفكرة مشاعر فقدان الثقة في الرئيس "أبو مازن" بين قطاعات واسعة من الفلسطينيين إن وافق عليها، ذلك أن الفلسطينيين سينظرون إلى أي اتفاق ذي طبيعة مؤقتة على أنه خدعة لا أكثر لإعطاء "إسرائيل" المزيد من الوقت الكافي لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية.

وما يتطلع إليه الفلسطينيون بحق هو إجراء مفاوضات التسوية النهائية للنزاع، التي طالما انتظروها طويلاً، وتتمثل قضايا التسوية هذه في حق اللاجئين في العودة، وحدود الدولة الفلسطينية، ومصير مدينة القدس، وموارد المياه، وهي القضايا المفضية إلى وضع حد نهائي للنزاع، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهناك منقصة أخرى في مدخل رايس لحل الأزمة تتلخص في سعيها لإبرام صفقة إسرائيلية - فلسطينية معزولة بدلاً من السعي لإبرام صفقة سلام شرق أوسطية شاملة، لا بد لها من أن تشمل كلاً من سوريا ولبنان، وقد نقل عن إدارة بوش حثها لأولمرت على عدم الالتفات مطلقاً لنداءات سوريا، ومطالباتها بإبرام صفقة سلام شاملة كهذه، وما أفدح الخطأ!

ذلك أن لسوريا القدرة على هدم أي صفقة سلام مع الفلسطينيين ما لم يتم التصدي لمطالبها هي لاسيما استعادة مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967، ولهذا السبب فإنه ما من صفقة سلام إسرائيلية - فلسطينية معزولة - أياً كانت - سيكتب لها النجاح والبقاء ما لم تكن شاملة، وتتضمن المشاركة السورية اللبنانية فيها.

هذا وتكمن المفارقة المأساوية في الموقف الحالي في اتفاق كافة أطراف النزاع على ضرورة وأهمية المشاركة الأميركية في عملية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، إلا أن واشنطن هي التي اختارت عزل نفسها، وإقصاءها عن هذه العملية على امتداد السنوات الست الماضية، ولهذا السبب فإن زيارات رايس وجولاتها الصامتة المتواضعة في المنطقة بهدف "الاستماع" لا أكثر - كما تقول - لم تعد كافية ولا رافعة للذراع الأميركية، وما أبعد هذه الزيارات عن أن تكون بديلاً عملياً للالتزام الأميركي الجاد والصارم بالسعي إلى التوصل إلى تسوية دولية للنزاع وفقاً لمعايير وموجِّهات واضحة، لا لبس فيها ولا غموض.

لقد علَّق العرب آمالاً كبيرة على أن تساعد هيمنة المرشحين "الديمقراطيين" على كل من مجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس الأميركي إثر انتخابات نوفمبر الماضي النصفية في تصحيح استراتيجية الرئيس بوش وسياساته إزاء بلدانهم، غير أن تلك الآمال قد تبددت الآن، ففيما يتصل بالأزمة العراقية لم يفعل بوش شيئاً سوى رفض توصيات لجنة "بيكر -هاملتون" الخاصة بانسحاب الوحدات الأميركية المقاتلة من العراق، وليس أدل على ذلك الرفض من سعيه لإرسال المزيد من القوات والتعزيزات العسكرية إلى هناك، وعلى رغم احتمال سعي "الديمقراطيين" من أعضاء الكونجرس لتجفيف التمويل المالي اللازم لتنفيذ هذا القرار إلا أن ذلك يظل احتمالاً بعيداً كل البعد عن اليقين.

أما على صعيد النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني فما أكثر النواب والسيناتورات "الديمقراطيين" الذين يبزون أقرانهم "الجمهوريين" و"المحافظين الجدد" في تطرفهم ونزعتهم "صقرية"، وانحيازهم الأعمى إلى جانب "إسرائيل" على حساب الفلسطينيين، ولكي لا نلقي بالقول والاتهامات جزافاً، فلنشر في هذا إلى "تون والتون" الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، فهو من أشد المتحمِّسين وأقرب الأصدقاء لـ"إسرائيل"، وبالمثل أيضاً تعد نانسي بيلوسي الناطقة الجديدة باسم المجلس شخصية أحادية البعد في علاقتها بالطرف الإسرائيلي من النزاع، ولننظر إليها كيف هرولت إلى إبعاد نفسها عن كتاب "فلسطين.. لا التمييز العنصري" الذي صدر حديثاً للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر! ففي حديث لها بمقر لجنة "إيباك" وهي المنظمة الرئيسية للوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل في أميركا قالت بيلوسي: "هناك من يدفع بالقول إن جوهر النزاع الدائر الآن هو الاحتلال الإسرائيلي لكل من قطاع غزة والضفة الغربية، ولكن هذا القول ليس سوى محض هراء وترهات لا أساس لها من الصحة، والحقيقة أن تاريخ هذا النزاع لم يكن يوماً حول الاحتلال بقدر ما هو حول حق "إسرائيل" الأساسي والجوهري في البقاء".

والسؤال هنا: مع وجود شخصيات بهذا الفهم والانحياز الأعمى لإسرائيل في قمة الهرم السياسي الأميركي فما الذي يمكن أن يأمله الفلسطينيون والعرب؟ وما السبيل لأن تتوخى واشنطن العدل والمساواة تجاههم في تسوية نزاعهم مع تل أبيب؟!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply