بسم الله الرحمن الرحيم
ليس صعباً فهم ما ذهبت إليه وزيرة الخارجية الأميركية من إعلانها عن: "ولادة شرق أوسط جديد ومختلف" في المنطقة. فهذا يعني بحسب المفهوم الأميركي إيجاد تسوية نهائية للأزمة التي نتجت جراء إقامة دولة يهود عام 1947 على أرض فلسطين. وبموجب هذه التسوية سيولد الشرق الأوسط الجديد جراء صفقة متكاملة (Full-Package) تعدها أميركا وتشمل كافة فرقاء الصراع "العربي-الإسرائيلي". وبشكلٍ, أكثر دقة، سيكون شكل الشرق الأوسط الجديد حصيلة للتصفية النهائية لجوهر ذلك الصراع ومتعلقاته الأساسية: في فلسطين (الدولة، القدس، الحركات المقاومة، اللاجئون والأسرى) وفي لبنان (مزارع شبعا وكفر شوبا إضافة لسلاح حزب الله) وفي سوريا (الجولان).
وتُعتَبر الحرب الوحشية التي تخوضها (إسرائيل) في لبنان من أهم الأدوات في إنجاز المشروع الأميركي، فمن جهة، يستعرض اليهود الأسلحة الفتاكة التي يمتلكونها، ويكشفون عن قدراتهم التدميرية لبلدٍ, كلبنان خلال أيام، ما يعني ضرورة التسليم بهيمنة (إسرائيل) عسكرياً في المنطقة، وعدم التفكير بالمساس فيها في المسقبل، القريب منه والبعيد! ومن جهة أخرى تعتبر واشنطن أن الصواريخ التي تصل إلى عمق فلسطين بشكلٍ, غير مسبوق كماً ونوعاً، عاملاً مساهماً في تأجيج مخاوف مهمة لدى الرأي العام اليهودي، ما يضطر اليهود إلى إلقاء أنفسهم تماماً بحضن الإدارة الأميركية من غير أي اعتراض أو تلكؤ، وذلك بغية إيجاد تسوية تضمن لليهود البقاء والاستمرار والأمن والاستقرار كدولة في الشرق الأوسط.
ومما يساهم أيضاً في إنجاح المشروع الأميركي القاضي بتشكيل شرق أوسط جديد يقوم على أساس (سلام) دائم وشامل بين دول المنطقة فيما يتعلق بالصراع (العربي الإسرائيلي) هو قبول النظام السوري من منظور استراتيجي لعملية (السلام) التي تجريها الولايات المتحدة، معتبراً الأخيرة الوسيط الوحيد القادر على عقد صفقة نهائية وتامة بهذا الخصوص. إضافة إلى ذلك وقوع انشقاق حزب العمل وحزب الليكود وولادة حزب كاديما من طياتهما بقيادة شارون ثم اولمرت بأجندة جديدة تتقاطع مع أجندة النظام السوري الاستراتيجية، أي إرساء عملية (سلام) شاملة في المنطقة. وقد فاز كاديما بالانتخابات الأخيرة بدرجة كبيرة بالفعل، ثم شكَّل الحكومة متحالفاً مع حزب العمل الذي ينسجم معه في المضمون، معلناً وبصورة واضحة عن نيته الانسحاب من مناطق مهمة تم احتلالها عام 1967، ما يعني خطوة أساسية إلى الوراء في المشروع اليهودي-الصهيوني، الذي طالما رأى أصحابه المنطقة مستباحة أمامهم ولا حاجة بهم في التراجع قيد أنملة عن طموحاتهم في المنطقة.
لقد بات واضحاً أن الإدارة الأميركية تريد استمرار الحرب الجارية حالياً لتحقيق ولادة ذلك الشرق الأوسط الجديد! حيث أنها تستثمر تداعيات تلك الحرب لإبراز المخاطر الجمَّة التي تتهدد المنطقة، وضرورة انصياع الجميع لمخططاتها، سواء من الجانب العربي/الإسلامي أو اليهودي. ولذلك رفضت الإدارة الأميركية وقف إطلاق النار بل وعرقلت كل المحاولات الساعية لذلك. بل إن المتابع لتفاصيل الوقائع يجد أن الولايات المتحدة تغذي الصراع، وتمنع بوسائل شتى أياً من فرقاء الصراع من إيقاف إطلاق النار، وغايتها من ذلك إنضاج الظروف الموائمة لإتمام المشروع الأميركي، حتى ولو كان ذلك مؤذياً مؤقتاً لطفلها المدلل (إسرائيل) أمام ذلك الصمود البطولي من حزب الله. وللتأكيد على ذلك، فقد نقلت جريدة السفير اللبنانية في 2006-07-23 ما قاله أحد معاوني أولمرت عما إذا كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس تحمل مشروعاً لوقف النار أثناء زيارتها الأخيرة، فرد قائلاً إذا تجرأ أولمرت على إبلاغ رايس بقراره وقف إطلاق النار لردت عليه بإبلاغه بقرار أميركا وقف المساعدات السنوية لإسرائيل.
هذا هو مشروع أميركا فيما يسمى بولادة الشرق الأوسط الجديد، وهي تعمل جادة لإنجازه هذه المرة، لتنطلق منه مجدداً إلى بناء مشروعها في الشرق الأوسط الكبير الذي تتعرض فيه إلى إخفاقات كبيرة ومكلفة. وهكذا ستبقى الساحة السياسية في الشرق الأوسط الكبير والصغير، الجديد والقديم، منطقة صراع محتدم يدفع المسلمون فيه الثمن باهظا بسبب التبعية العمياء من قبل حكامهم للقوى الاستعمارية الكبرى إلى أن يأذن الله بفرج على هذه الأمة، فتعود الأمور عندها إلى نصابها، وما ذلك على الله بعزيز.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد