المطامع العسكرية والبترولية في الشرق الأوسط


 

بسم الله الرحمن الرحيم

البروفيسور 'ميشيل جوسودويسكي' هو مؤلف كتاب 'عولمة الفقراء' الذي يعتبر من الكتب الأفضل مبيعاً، والذي تم نشره بأحد عشرة لغة، كما أنه أستاذ اقتصاد في جامعة أوتاوا بكندا، ومدير مركز أبحاث العولمة، بالإضافة إلى مشاركته في الموسوعة 'بريطانيكا'، ومن آخر مؤلفاته ' الحرب والعولمة والحقيقة وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر'.

· روبرتو فرانكي: لقد أقام الأمريكيون قواعد عسكرية في العراق والسعودية، والكويت وأفغانستان، وباكستان وقرغيستان وتركمستان، ويدعي الأمريكيون أنهم يكافحون 'الإرهاب' بمثل هذه الطريقة، ولكن أليس من حقنا الافتراض أنهم يرغبون السيطرة على احتياطي بترول هذه الدول، وتأمين خطوط أنابيب البترول التي يمر من خلالها في حقيقة الأمر، وفي أفغانستان على وجه الخصوص قد نخمن بالتأكيد أن الأمريكيين يولون اهتماماً خاصاً لزراعة المخدرات، فما هو تأثير هذا التوسع التعسفي في الأراضي الذي تتبعه الولايات المتحدة في إطار النشاط الجيوسياسي في هذه المناطق؟ وكيف يمكن لهذا الوضع المتفجر أن يثير قلق بعض الدول مثل الصين وروسيا والهند؟

ميشيل جوسودوفسكي: تحتوى هذه المنطقة على نحو 70 بالمئة من الاحتياطي العالمي من البترول والغاز، فهي تمتد من أقصى المملكة العربية السعودية حتى بحر قزوين، كما تتضمن أيضاً جهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً، فهي تضم بالتالي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ومن أهم الدول المنتجة التي نجدها في تلك المناطق: المملكة العربية السعودية، العراق، إيران، الكويت، إلا أن هذه المنطقة مستغلة ليس فقط من جانب شركات إنجليزية - أمريكية، بل هناك مصالح أوروبية روسية وصينية بالمنطقة، فيوجد إذاً تنافس لإقامة منطقة تأثير في هذا الإقليم الكبير، ويمكننا ملاحظة أن العمل العسكري الأمريكي الذي يحدث في هذه المنطقة هو محاولة ليس فقط لطرد الروس ولكن للصينيين والمصالح الأوروبية مثل شركة البترول الفرنسية البلجيكية 'توتال - فينا - ألف' والشركة الإيطالية ' ENI3'.

أما بالنسبة للصينيين فلديهم تبادلات تجارية مع إيران، ولديهم عقود موقعة أيضاً مع العراق دون إغفال أن الصين تصدر معدات عسكرية، وهو نفس الشيء مع روسيا، وبالنسبة لأفغانستان تلتقي حدودها الغربية مع الصين، ولها حدود مشتركة مع باكستان وإيران، ومن الواضح أن هذه الدول تعلب دوراً هاماً على الساحة الجيوسياسية.

 

· هل تعتبر أفغانستان منطقة التقاء لهم:

إنها تعتبر نقطة التقاء حتى لو لم تكن دولة هامة في مجال إنتاج البترول، ولكن مع مراعاة أنها دولة لها ثرواتها البترولية غير المستغلة، كما أنها تعتبر معبراً أرضياً لخطوط أنابيب البترول التي تتجه نحو بحر السعودية.

ومن الناحية التاريخية فإن أفغانستان كانت دولة هامةº ولنتذكر أنه في عام 1979 تم إعلان الحرب الأفغانية السوفيتية ولم يكن ذلك من خلال الاتحاد السوفيتي ولكن بواسطة الـCIA، وفي هذا الصدد لعب الـCIA دوراً مشجعاً في ثورة الإسلاميين داخل أفغانستان، كما يمكننا تذكر أن هذه الثورة كانت بإدارة الحكومة الموالية للسوفيت في ظل حكومة ببرك كارمل، ومن خلال مزيد من تقديم المساندة المالية للمجاهدين فإن عمليات الـCIA هي المسئولة عن إنشاء شبكة تنظيم القاعدة بشكل من الأشكال، أما العنصر الثاني الهام بالنسبة لأفغانستان فهي تجارة المخدرات التي ازدهرت في الستينيات وفي بداية الثمانينيات، وتتضح ثمار هذه التجارة اليوم من خلال ما تمثله من إيراد 100 مليار دولار، ولا يمكن إغفال هذا المبلغ عندما يعتبر الجزء الأكبر من هذه التجارة ناتج عن التجارة بالتجزئة.

أي أن إيرادات المخدرات تجنى بالدولارات النظم البنكية والأسواق والجرائم المنظمة، وأن هذه التجارة الكبيرة تتم برعاية من الـCIA، وقد اعتلت طالبان الحكومة في أفغانستان بمساندة من الأمريكيين، ولكن عقب عدة أعوام منعت وحرمت طالبان إنتاج المخدرات، إلا أن تطبيق هذا القرار جاء قبل عام من الاحتلال الأمريكي، وخلال قيام نظام طالبان انخفض الإنتاج إلى أكثر من 90 بالمئة، بينما عقب مرور عام على الاحتلال الأمريكي عاد الإنتاج إلى نفس مستوياته قبل حكم طالبان، وهو ما يؤكد على أن إنتاج المخدرات يتم بحماية من أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

· ولكن هل سيطرة الولايات المتحدة على أفغانستان على سبيل المثال سيؤثر بالضرورة على زعزعة السياسة الخارجية لقوى مثل الصين والهند وروسيا؟

من المؤكد أن الانتشار العسكري في هذه المنطقة يستهدف مواجهة الصين وروسيا، ولكنها ليست المنطقة الوحيدة للانتشار العسكري، فمنذ عام 1999 عملت الولايات المتحدة على زيادة وجودها العسكري على الحدود البحرية مع الصين [بحر الصين وبحر اليابان، وشبه جزيرة كوريا ومضيق تايوان] أكثر من حدودها الغربية [الجمهوريات السوفيتية سابقاً، أفغانستان، وباكستان]، وقد أبرمت الولايات المتحدة أيضاً اتفاق تعاون على الصعيد النووي مع الهند يستهدف الصين وروسياº فما يحاول الأمريكيون القيام به هو إقامة تحالف عسكري من شأنه وقف إمكانية قيام باقي الدول في هذه المنطقة من إنشاء شراكات ذات النوع التجاري والفني.

 

· لماذا يثير الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالأخص الولايات المتحدة و'إسرائيل' بمواصلة بلاده البرنامج النووي؟

إن البرنامج النووي الإيراني قد بدأ في ظل نظام شاه في السبعينيات بمساندة من الولايات المتحدة، وكان هذا البرنامج في الأصل مخصص لأهداف مدنية، ولكن التكنولوجية هنا، والأمريكيون هم الذين نقلوها، وقد يكون الأمريكيون في ذلك الوقت كان لديهم نية إنشاء قوة نووية في إيران لخدمة مصالحهم، لذلك فإن البرنامج النووي الإيراني ليس جديداً.

ولا تعتبر حالياً تصريحات الرئيس الإيراني ضد 'إسرائيل' أمراً جديداً نهائياً لأن القادة الإيرانيين في كافة الأزمان يدلون بتصريحات سلبية ضد 'إسرائيل'، وفي هذا الصدد أعتقد أنه يجب التمييز بين فن البلاغة والفعل، إني أرى من جانب السياسيين الإيرانيين تصريحات حاقدة دائماً، ولكني أرى أن العالم ليس مُعد وفقاً لفن البلاغة، ولكنه منظم طبقاً للأفعال الحازمة في مجال القانون الدولي والانتشار العسكري والأعمال الاقتصادية، وهذا ما يميز إيران عن 'إسرائيل'، وهو ما تدلي به 'إسرائيل' من تصريحات حاقدة بشأن زعماء دول قد يصبحون أهدافاً لعمليات الاغتيال.

فيجب التفريق إذاً، فوسائل الإعلام تدعي أن الرئيس الإيراني بصدد مهاجمة 'إسرائيل'، ولكن في الحقيقة أنه ألقى تصريحاً يوضح من خلاله أنه لا يحب 'إسرائيل' ولا يعترف بوجودها، ولا يوجد جديد في ذلك، فلم يعترف الملا نهائياً بوجود الدولة العبرية، فهل ذلك يٌصدمنا؟ لم يشكل ذلك بالنسبة لي أي صدمة.

ولكن ما أغضبني هو أن 'إسرائيل' تهاجم منازل أشخاص يعيشون في فلسطين بواسطة المروحيات، وما يثير سخطي أيضاً هو تصريح مثل الذي ظهر خلال هذا الأسبوع [تاريخ الحوار 11 سبتمبر 2006] في وسائل الإعلام والذي ذكر أن عضواً في البرلمان 'الإسرائيلي' قد صرح أنه ينبغي اغتيال أوري أفنيري الناشط 'الإسرائيلي' المناهض للحرب، وأيضاً عندما قررت على الصعيد السياسي اغتيال عرفات، أو زعيم حماس، وفي كافة هذه الحالات ينبغي علينا أن نتحدث عن عنف رسمي وليس فجائي، عندما يتم التصريح باغتيال رئيس دولة، وأن يتم اتخاذ قرار ذلكº فإنه خرق لكافة معايير المجتمعات المتحضرة، وفي المقابل إذا تم التصريح أننا نرغب في اختفاء 'إسرائيل' من على وجه الأرض فإنه من رأيي ليس تصريحاً له مضمون فعلي أو عملي، لا يوجد هناك ما يشير إلى أن إيران تبتغي مهاجمة 'إسرائيل'، ولكن وسائل الإعلام دائماً على استعداد لتهويل تصريحات الرئيس الإيراني، ولكنها لا تقول شيئاً حول ما هو قائم في الولايات المتحدة بشأن سياسة اغتيال رؤساء الدول، فإن هذا التنظيم كان من قبل ممنوعاً حتى أقره مجلس الشيوخ الأمريكي منذ عام، وهو ما يسمى الكيل بمكيالين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply