بسم الله الرحمن الرحيم
س: تؤكد 'واشنطن بوست' أن البيت الأبيض يعد لعمل حربي ضد إيران، هل نحن بصدد نموذج آخر لهجوم وقائي دون اعتبار منظمة الأمم المتحدة؟ ألم تتعلم واشنطن أي درس من الأخطاء التي تم ارتكابها في العراق؟
- أعتقد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدير الأمر بشكل ملائم، ولازلت أعتقد أن أفضل حل هو التفاوض، فلا أرى ماذا يمكن أن يحل القيام بعملية عسكرية، إننا لا نرى ضرورة للقيام بأعمال يمكن أن تزيد من اشتعال جو مشتعل بالفعل بما يكفي، آمل أن تفوز روح التفاوض، وألا يكون الخيار العسكري سوى توقعات.
س: تجمد المغرب منذ عام 1992 الاستفتاء بشأن مستقبل الصحراء، فهل هناك خيار آخر سوى انتظار أن تتدارك أطراف القوى موقفها أم لدى المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة سبل أخرى من أجل فرض حل عادل؟
- بصراحة، لا يمكن للأمم المتحدة فرض حل، وهو ما يفسر لماذا حاولنا بشكل مكثف للغاية التوصل لحل يرضي جميع الأطراف، وذلك هو ما حاول مبعوثيي الخاصين القيام به مثل وزير الخارجية الأمريكي السابق 'جيمس بيكر'، الذي حاول لمدة سبعة أعوام التوصل لاتفاق، الأمر الذي يواصله الآن ممثلي الخاص الجديد 'فان فالسوم'، إننا بصدد موقف شائك: تصر قيادة الصحراء الغربية على حق تقرير المصير، والذي كان يمثل جزءً من الاتفاق الذي وافق عليه الطرفين، إلا أن المغرب ينوه الآن إلى منح حكم ذاتي للصحراء، ويحاول المجتمع الدولي بين هذين الخيارين التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، الأمر الذي يستغرق وقتاً، إلا أنني لازالت واثقاً في أننا سوف ننجح.
س: كيف ينبغي أن تتم مكافحة 'الإرهاب'؟ ألا يمكن أن يكون جوانتانامو والعراق سبباً في تغذية هذه الآفة؟
- إن وجود قوى خارجية في أية دولة يثير رد فعل وطني، وفي هذا الصدد ينبغي أن نعترف بأن ذلك الوجود في العراق يمثل مشكلة، وفي الوقت ذاته يرى البعض أن ذلك الانتشار العسكري قد يساعد على تحسين الأوضاع، إننا بصدد رأيين على الطاولة: رأي من يقولون أن القوات الأجنبية لا تساعد على إحلال السلام، ورأي من يعتبرون أن مغادرة القوات بشكل متعجل قد لا يساهم في تهدئة الوضع في الدولة، إننا بصدد أحد المواقف التي لا يوجد فيها حل جيد تماماً، إلا أنه لا زالت لدي ثقة في إمكانية تشكيل جيش وطني حقيقي يعمل من أجل عراق موحد، ومن الواضح أن الوضع في الوقت الراهن سيء تماماً، فالوضع الذي يعيشه العراق والذي يسوده عدم أمن مستمر بالنسبة للمواطنين أمر غير مقبول.
س: وفيما يتعلق بجوانتانامو؟
- أشير إلى التقرير الذي وضعه مقرر خاص للأمم المتحدة، والذي تضمن اعتبارات في غاية الخطورة، لقد صرح الكثيرون منا بأن أفضل ما يمكن عمله بالنسبة لجوانتانامو هو غلقه.
س: تطلب منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من حماس نبذ 'العنف'، في الوقت الذي آلت فيه خارطة الطريق إلى حال أسوأ من الانهيار، بينما تكاد 'إسرائيل' تنتهي من بناء جدارها غير الشرعي، وتحتفظ 'بمستوطناتها'، من أين يمكن البدء من جديد؟
- ليست فقط اللجنة الرباعية [منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا] التي تطالب حماس بنبذ واضح 'للعنف'، من الواضح أن حماس الآن هي المسئولة عن الأراضي، وأنها لم تعد حركة منفصلة عن النظام، فهي الآن السلطة الفلسطينية، وعليها أن تتولى مسئولياتها، وأن تتخذ إجراءات محددة، وقرارات صعبة، حتى تحافظ على تعاون المجتمع الدولي معها، وأود أن أضيف أنه لا ينبغي على السلطات 'الإسرائيلية' أن تغلق باب المفاوضات، وأعتقد أن رئيس الوزراء الجديد قد يتخذ خطوات في ذلك الصدد، وبالرغم من أن الانسحاب من غزة تم بشكل أحادي الجانب إلا أنني أرى أن الانسحاب النهائي وترسيم حدود لا يمكن أن يتم دون مفاوضات.
س: هل تدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي دينهما لجمهورية الكونغو الديمقراطية المغفلة من خلال مساعدتها على إجراء أول انتخابات حرة بها منذ الاستقلال؟
- سوف تجري الكونغو أولى انتخاباتها الديمقراطية عقب 45 عاماً، ما يعني وجود رجال ونساء قد وصلوا إلى ذلك العمر دون أن يتمتعوا أبداً بفرصة التصويت، إن المواطنين يشعرون بحماس كبير إزاء إمكانية ممارسة حقوقهم الديمقراطية لأول مرة، إننا بصدد دولة تقرب مساحتها من مساحة أوروبا الغربية، وتفتقر تماماً للبنى التحتية، ولذلك ففضلاً عن التحديات التي تتضمنها العملية، فهناك تحديات لوجيستيكية هائلة، إلا أننا متفائلون، فقد قبلت غالبية الأحزاب ميزانياتنا، فيما عدا [زعيم المعارضة السياسية، ورئيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، إتيان تشيسيكيدي]، الذي رفض الاشتراك، وقد واتتني الفرصة للالتقاء به، إلا أنني أرجو أن يقبل الآخرون قواعد اللعبة، ويحترموا النتائج.
س: لماذا لم تصرح سيادتك ولو بكلمة واحدة لصالح عبد الرحمن الأفغاني المدان بالإعدام لتنصره، والذي لجأ في نهاية الأمر إلى إيطاليا؟
- شخصياً لم أصرح بشيء، إلا أن منظمة الأمم المتحدة قد صرحت، فقد كان ممثلي في المنطقة من بين أوائل من صرحوا في هذا الصدد، ولم نقتصر على التحدث فقط فقد عملنا مع السلطات الأفغانية، إلا أننا لم نرد إثارة ضجة أكثر من اللازم.
س: وسط رد الفعل 'العنيف' ضد الرسوم الكاريكاتورية لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، آثرت طلب احترام جميع المعتقدات؟
- إنني أعتقد في الفصل بين الكنيسة والدولة، حيث أنني أرى أنه لا ينبغي دمج المجالين، وفي الوقت ذاته عندما أدليت بتلك التصريحات أوضحت أنه بالرغم من مساندتنا لحرية الصحافة فينبغي أن تتم ممارسة هذه الحرية بشكل حساس، ومعيار سليم، واحترام لمقدسات الآخرين، ولا يعني ذلك أنني أدافع عن تدخل الدين في الشئون العلمانية، فالرسالة التي كنت أريد نقلها هي أننا نتمتع بحقوق، إلا أنه ينبغي ممارسة هذه الحقوق بشكل مسئول.
س: كان البعض ينتظر المزيد من الأمين العام للأمم المتحدة خلال الأيام التي سبقت حرب العراق؟
- لقد عملت بشكل شاق للغاية محاولاً تجنب وقوع هذه الحرب، إلا أنه ينبغي كذلك إدراك أنه عندما تعاني المنظمة من الانقسام، عندما يعاني الأعضاء الذين يشكلون منظمة الأمم المتحدة من الانقسامº يكون على الأمين العام محاولة تقريب المواقف، وتوحيد الرغبات من أجل الوصول إلى اتفاق يسمح بمواصلة التقدم، وكان موقفي من الحرب معروفاً، لم أكن أؤيد الحرب، لم أساندها، وأوضحت وجهت نظري خلال محادثاتي مع الأمريكيين والأطراف الأخرى، وفي الوقت ذاته كأمين عام يكمن عملي في العمل على تقريب المواقف وليس زيادة تعميق الانقسامات، فما يبقى أمامك عقب ذلك سوى أن تحاول مواصلة عمل ما ينبغي عليك عمله.
س: خلال انتداب سيادتك الثاني والأخير على رأس منظمة الأمم المتحدة لا يبدو أن إصلاح المنظمة وأهداف الألفية لخفض الفقر في العالم قد وصل إلى حد بعيد.
- لا أعتقد أنه يمكننا انتظار معجزات في العالم الذي نعيش فيه، ويبدو لي أن التاريخ الصحيح بالنسبة لأهداف التنمية للألفية هو 2013، لديك حق فبعض الدول قد لا تكون تمكنت من تحقيق كل الأهداف، إلا أن دولاً أخرى تمكنت من تحقيقها، بل وتخطتها كذلك، الأهم هو أن نكون قادرين على الحفاظ على إطار عام للتنمية، وفي هذا الصدد فقد تم قبول أهداف الألفية بشكل عالمي، وهو ما يدركه المواطنون في الوقت الراهن، إن مكافحة الفقر لازالت مستمرة، وكذلك إصلاح منظمة الأمم المتحدة، وكما سبق وأن أشرت فإننا بصدد عملية وليس حدث، وفي كل الأحوال أعتقد أنه تم تحقيق أشياء كثيرة منذ شهر سبتمبر الماضي مثل موافقة الدول الأعضاء على مفهوم مسئولية الدول عن حماية مواطنيها، كما قمنا بتشكيل لجنة لإرساء السلام من أجل مساعدة الدول على الخروج من النزاعات، فضلاً عن إصلاح لجنة حقوق الإنسان، وشكلنا كذلك مركزاً لتقييم النزاعات الأمر الذي قد يسمح لنا بالعمل بشكل أسرع، كما أنشأنا صندوقاً جديداً للمساعدة على الانتقال إلى 'الديقراطية'، واقترحت أيضاً إعادة النظر في مدة الانتدابات داخل منظمة الأمم المتحدة، وسوف تخضع كل الانتدابات التي تزيد عن خمسة أعوام على رأس أية هيئة لتقييم من أجل التأكد مما إذا كانت قد أدت التزاماتها بشكل ملائم أم لا.
س: ماذا أخطرك [رئيس الحكومة الإسباني] خوسيه لويس ثاباتيرو بشأن [الحركة الباسكية الانفصالية المسلحة] إيتا، وماذا قلت سيادتك لرئيس الحكومة فيما يتعلق بإمكانية نهاية الإرهاب في إسبانيا؟
- لم ندخل في تفاصيل دقيقة بشأن الأمر، فقد تحدثنا عن إعلان الهدنة من قِبل إيتا، الأمر الذي أعتبره حدثاً إيجابياً، وآمل أن تضع جميع الأطراف السياسية في إسبانيا في اعتبارها التوصل إلى نهاية للعنف، ومحاولة العمل من أجل ذلك، فقد استغرق ذلك وقتاً طويلاً، أعلم أنه هناك الكثير من المواطنين الذين عانوا كثيراً، فبعضهم فقد أقرباءه، وينبغي أخذ الضحايا في الاعتبار، لا يمكن إيجاد أعذار للعنف، وأقول ذلك بينما تواصل منظمة الأمم المتحدة وضع اتفاقية دولية لمكافحة العنف، وبالرغم من وجود معاهدات كثيرة إلا أننا نتعرقل دائماً في نفس المفهوم: هل ينبغي استثناء 'المقاتلين من أجل الحرية' ومقاومة الاحتلال، الأمر الذي تصر عليه غالبية الدول العربية بسبب الوضع في فلسطين، وشخصياً أعتقد أنه ينبغي أن نكون واضحين أخلاقياً تماماً في مواجهة 'الإرهاب'، وكنت قد طرحت اقتراحاً خلال زيارتي الماضية لإسبانيا في مارس في هذا الصدد: إنني أعتبر أن أي هجوم يستهدف مدنيين غير مسلحين بهدف القتل أو الإصابة أو الإرهاب هو إرهاب بحت أياً كانت القضية التي يدافع عنها، وإذا قبل الجميع هذا المبدأ الأخلاقي فقد يمكننا المضي قدماً، والموافقة على اتفاقية بهذا الشأن، ولكن عودةً إلى قضية إيتا فقد شاهدنا نزاعات طويلة الأمد تم التوصل إلى حلول بشأنها، لذلك آمل أن نكون بصدد بداية النهاية لعنف إيتا.
س: هل كوفي أنان في العام الأخير لانتدابه هو نفس الشخص الذي تولى منصب الأمين العام منذ عشرة أعوام؟
- لا يمكنني أن أزعم أنني نفس الشخص منذ عشرة أعوام، فقد تعلمت الكثير بشأن الطبيعة الإنسانية، إلا أنني لم أفقد الأمل أو التفاؤل، وأعتقد أنني لم أفقد قدرتي على التعاطف مع الناس، والشعور بمعاناتهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد