تركيا والدور الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تركيا ترغب بأن تأخذ دوراً فاعلاً في عام 2006م في حل الأزمات بالمنطقة، وفي هذا الإطار هي تطلب اليوم دوراً للوساطة في مشكلة سوريا، أما بالنسبة لطلبها السابق بالوساطة في أزمات فلسطين و"إسرائيل" ولبنان فإنها لم تتلق الرد من المسئولين المعنيين لحد الآن، الحكومة التركية التي بلورت سياستها الخارجية على المساهمة بلعب دور فعال وبنَّاء في أزمات المنطقة ستجدد طلبها بالوساطة في عام 2006م الجاري، وسوريا هي من أكثر المواضيع الحساسة.

(رئيس الوزراء التركي) رجب طيب إردوغان أعلن في مايو العام الماضي عن استعداد بلاده للوساطة في النزاع الفلسطيني "الإسرائيلي" الذي يعد من أكثر المسائل تعقيداً في منطقة الشرق الأوسط، حزب العدالة والتنمية طرح أكثر من مرة اقتراح "الوساطة"، وآخر محاولة كانت خلال زيارته للقدس المحتلة في الثالث من مايو عام 2005م، بينما عرض في قمة تونس بتاريخ 28 مارس الوساطة في الأزمة السورية اللبنانية التي تفجرت بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

 

لا رد لحد الآن:

تركيا لم تتلق رداً لحد الآن على اقتراحها من الدول التي لها شأن بالنزاع، وبالنظر إلى تصريحات رجب طيب إردوغان نستشعر بأن أنقرة ستواصل اقتراحها بالوساطة في عام 2006 أيضاً خشية من أن تتطور الأزمة السورية لتصل إلى حد وقوع عملية عسكرية كما حصل في العراق، ومن هذا المنطلق فإن إردوغان جدد مقترح الوساطة على ضيوفه الأمريكيين الذين زاروا أنقرة مؤخراً، ومما يعزز احتمال تولي تركيا الوساطة أيضاً في هذه المسألة هي تصريحات إردوغان الأخيرة من أن تركيا تلعب دوراً مهماً في مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا.

 

ماذا يحمل العام الجديد في جعبته:

إذا صح التعبير فإن الأجواء ستسخن في الشرق الأوسط عام 2006، وتركيا بدورها ستجد نفسها وسط هذه الأجواء المفعمة بالتوتر، ورغم الفاتورة الباهظة التي دفعتها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب احتلالها للعراقº إلا أنها لا زالت باقية على سياساتها وحساباتها في الشرق الأوسط، وتحاول بكل قوتها وضع يدها والسيطرة على كل مصادر الطاقة في منطقتنا، ولتحقيق هذا الغاية فإنها تصوب أسهمها نحو سوريا وإيران اللذين يعتبران من أهم أولوياتها.

الولايات المتحدة لا ترضى بأي شكل وتحت أي شروط بامتلاك إيران للأسلحة النووية، ولكي تمنع هذا التطور فإنها لن تتوانى عن ضرب المفاعل الإيرانية، بل وأكثر من ذلك فإنها تعتبر أن تَوجٌّه إيران لبيع نفطها الخام بعملة اليورو بدلاً من الدولار هو حملة ضدها تستحق العقاب، كما نذكر بأن توجه صدام حسين لاستخدام اليورو بدلاً من الدولار في تجارة النفط كان له تأثير كبير في توقيت الهجوم الأمريكي على العراق.

وأيضاً بنفس الشكل فإن الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لها ترى بأنها تملك مبررات مهمة لاستهداف سوريا، فقبل أي شيء هي تريد السيطرة المطلقة على سوريا من أجل كسر قوة المقاومة في العراق، وهذه السيطرة كما أنها سوف تريح كفة "إسرائيل" في المنطقة، فإنها أيضاً ستؤمن المشروعية لقيام دولة كردية في شمال العراق.

كل المؤشرات تؤكد بأن الولايات المتحدة ستستخدم "إسرائيل" في هجوم محتمل على المفاعلات النووية الإيرانية، وفي هذا الإطار يلفت المحللون النظر إلى تصريحات (مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي) ستيفن هادلي الذي قال: "يجب أن نبقى في العراق من أجل حماية أمن "إسرائيل" وبأن نوسع عملياتنا لتشمل إيران وسوريا".

تطورات ما بعد الحرب على العراق تظهر بوضوح أن طموح القوة العسكرية الأمريكية لا يحده السقف العراقي، لكن مع ذلك فإن الضغوط تتزايد عليها للانسحاب من العراق، ووسط هذه الشروط يبدو بأنه من الصعب أن تشن الولايات المتحدة لوحدها حرباً على دول أخرى في المنطقة، لهذا السبب فإن السيناريو الأساسي عندها لعام 2006 هي الاستعانة بـ"إسرائيل" لضرب المفاعل النووية الإيرانية، والسيطرة على سوريا، بالإضافة إلى منح تركيا دوراً ثقيلاً.

الصحفي في جريدة "يني شفق" المعروف بقربه من حزب العدالة والتنمية إبراهيم كارا غول كتب في مقالته الأخيرة: أن الولايات المتحدة اقترحت على تركيا القضاء على المنظمة الكردستانية بشمال العراق، والمساهمة في تنشيط العلاقات التركية مع مسعود البارزاني، مقابل أن تفتح الممر الجوي أمام هجوم أمريكي "إسرائيلي" محتمل على إيران، وجاء في الخبر أيضاً أن المساومات حول هذا الموضوع جرت أثناء زيارة (قائد القوات الجوية) الجنرال فاروق جومرت لـ"إسرائيل"، وخلال زيارة (رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي) دان هالوتز إلى أنقرة، وفي اللقاء الذي جميع بين المخابرات التركية والأمريكية في أنقرة، والمسئولين العسكريين الأتراك - الأمريكيين - "الإسرائيليين" - الأكراد في شمال العراق.

(وزير الخارجية) عبد الله غول نفى أي مساومات تركية أمريكية حول هذا الموضوع مقابل تأكيده على التقدم الكبير الذي طرأ في العلاقات التركية السورية، وهذه التصريحات إنما هي مؤشر على أن تركيا تحاول قدر الإمكان التنصل من الدور الذي فصلته لها أمريكا، لكن مع ذلك يبدو أنه من الصعب جداً عليها أن تتفادى لعب هذا الدور وسط الضغوطات الكبيرة الممارسة عليها.

ولنفرض أن أمريكا لم تطلب من تركيا أي شيء لحد الآن، لكن ماذا سيحصل في حال طلبت؟ وهل ستتمكن تركيا من الرفض؟ على سبيل المثال ماذا كان رد تركيا على الطلب "الإسرائيلي" بتدريب مغاوير الجبال في جنوب شرق البلاد؟ هل رفضت هذا الطلب من منطلق أن إيران قد تعده تمهيداً لضربة عسكرية ضدها مما قد يوتر العلاقات بين البلدين؟

من الواضح أن حكومة حزب العدالة والتنمية ستجد نفسها في عام 2006م أمام اختبار صعب في الشرق الأوسط.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply