ماوراء الأكمة !


  

بسم الله الرحمن الرحيم

 حالة السودان في الأجندة الأمريكية تختلف عن حالتي أفغانستان والعراق، والخلاف هنا في طريقة المعالجة والتعامل، لا في الأهداف والغايات، فغاية الولايات المتحدة تمزيق هذه البلدان واحتلالها والسيطرة عليها، لكن كل حالة يتم التعامل معها وفق معطيات محددة لا تنطبق بالضرورة على غيرها، فإذا كانت هجمات سبتمبر 2001م قد وفّرت غطاء مناسبا للولايات المتحدة لقيادة تحالف دولي لإسقاط حكومة طالبان، وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل والحكم الديكتاتوري لصدام حسين قد أوجد مسوّغا ـ وإن كان واهيا ـ لغزو العراقº فإن السودان يتم التعامل معه بصورة مختلفة تماما عن هذين الطريقتين.

والأسلوب العسكري المباشر ـ والمنفرد حقيقة ـ للولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، لم يعد مجديا تطبيقه في مناطق أخرى من العالم بعد المواقف البطولية للمقاومة العراقية ومقاومة طالبان في أفغانستان، كما أن السودان ليست لديه أسلحة دمار يمكن تبرير غزوه واحتلاله تحت دعاويها، والكراهية السودانية الشعبية لأمريكا ـ وحلفائها ـ قد بلغت ذروتها ولا تشجع على عمل عسكري مباشر، فما الحل؟

لعل الحل ـ بالنسبة للولايات المتحدة ـ قد تم التخطيط له مبكرا بعد فشل محاولات إسقاط النظام من الخارج، تلك السياسة التي كان يتبناها كلنتون الرئيس الأمريكي السابق ووزيرة خارجيته اليهودية الشمطاء مادلين أولبرايت، فبدأت مع عهد الرئيس الحالي بوش الابن سياسة جديدة للتعامل مع نظام الإنقاذ قائمة على الاحتواء ومحاولات التفكيك من الداخل، وكي يتم التفكيك من الداخل جيدا، لم يكن هناك أولى من الحركة الشعبية لتحرير السودان لتنفيذ السياسة الأمريكية في السودان، فبدأت الولايات المتحدة ترعى بصبر واسع مفاوضات السلام التي أفضت إلى اتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في يناير من العام الماضي 2005م، ومنذ أول وهلة بدا للمراقبين الذين لم يصابوا بالدوار أن هذه الاتفاقية ستعمل على تفكيك السودان، ورغم أنها أنهت الحرب في جنوب البلاد، لكن راسمو السيناريوهات الدوليين عملوا على إشعالها في غرب البلاد، ولاحقا في شرقه أيضا، حتى يتم تقسيم البلاد وفق اتفاقيات تراقبها الدول الكبرى وتشرف على تنفيذها، وهكذا فإن السيناريو السياسي- لا العسكري المباشر ـ كان هو المخطط الأمريكي لتفكيك السودان واحتلاله ـ بصورة أو بأخرى ـ لاحقا. وحتما سيجد الأمريكان من ساسة السودان من يسوّغون ـ ويسوّقون ـ البضاعة الأمريكية تحت حجج أوهى ـ للمراقب الواعي ـ من خيط العنكبوت. وهكذا بدأ الفرسان الأربعة: نقد والمهدي والترابي وحسنين يرحبون جهرة بالقوات الدولية ـ الغطاء الدولي للاحتلال الأمريكي ـ وتبعهم أخيرا سلفاكير الشريك الأوفر نصيبا في الحكم بترحيبه مؤخرا بالقوات الدولية في مؤتمر مشترك مع برونك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان!!

ولكن الرئيس المشير البشير ـ كعادة العسكريين دائما ـ قد قلب الطاولة على الجميع برفضه القاطع مسألة دخول القوات الدولية في دارفور، ولعل هذا القرار إذا مضى فيه الرئيس إلى نهايته يكون بداية لإحباط المخطط الأمريكي في السودان، والمضي بالقرار إلى نهايته يتضمن عدة أشياء تبدأ بإعلان التعبئة العامة وفتح المعسكرات للتدريب لمواجهة القوات الأجنبية، إلى غيرها من الخطوات التي تستوجب مراجعة البطانة وحسم الشريك المشاكس بشتى السبل.

الأيام القليلة القادمة قد تشهد تطورات مثيرة في هذا الملف، ونسأل الله - تعالى -أن يكون ما وراء الأكمة خيرا للإسلام وأهله في السودان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply