القبائل العربية في دارفور والخيار الصعب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أصدرت القبائل العربية في دارفور بيانا عقب توقيع الحكومة والحركات المسلحة في الإقليم على وثيقة اتفاق السلام بالعاصمة النيجيرية.. وهذا البيان أصاب الحكومة السودانية بصدمة قاسية أذهبت طعم حلاوة السلام من فمها، وأربك حسابات جهات كثيرة داخلية وخارجية، وأدخل معطى جديدا في الساحة السياسية السودانية الشمالية على وجه الخصوص..

والقراءة الفاحصة له تشير إلى أبعاد عميقة بدأت تأخذ مكانها ودورها في صناعة مستقبل السودان القريب والبعيد.

 

القبائل العربية وحسابات الربح والخسارة:

موقف القبائل العربية المؤيد والمناصر نسبياً للحكومة أثناء الصراع فُهم في إطار انحياز الحكومة الإسلامية العربية كما ظلت الحركات المسلحة في الجنوب ودارفور وشرق السودان تردد - إلى جانب القبائل العربية في دارفور، ولم يشر أي من الخبراء، ولا الدوائر ذات الاهتمام بقضية دارفور إلى أيِّ عملية احتماء تام من هذه القبائل في مواجهة حملة تستهدف هذه القبائل.. كما اعتبر ذلك موسى هلال في حوار معه نشره موقع إسلام أون لاينº حيث قال: (إن المتضرر الحقيقي من أحداث دارفور هم العرب).. مؤكدا أن التمرد لم يكن إلا محاولة لتنفيذ أجندة سياسية تسعى لطردنا من دارفور، بل ومن السودان الغربي كلهº لإنشاء دولة خالية من العنصر العربي في الغرب..

وقال: منذ الثمانينات وهم يروجون لمنشورات تطالب بطردنا من السودان، وتحريره من العربº باعتبارنا غرباء عنه.. كما دأبوا على نهبنا، وسرقة أموالنا، وقتل رجالنا منذ ذلك الزمن البعيدº وبطريقة منظمة.. وقد حذرنا نحن من ذلك..

وقال: لكن الحكومات المتعاقبة - بما فيها حكومة الإنقاذ بزعامة الرئيس عمر البشير - تجاهلت تحذيراتناº وتركتنا نواجه مليشياتهم الإفريقية المدربة بمفردنا، ولم نسمع للمجتمع الدولي صوتا يطالب بالحفاظ علينا مثلما يحدث الآن.. فأين كانوا؟!..

ونفى هلال أن يكون قد دخل معركة مع القبائل الإفريقية لصالح الحكومة، وقال: أتحدى أن يكون هناك عربي واحد يتبع قبيلتي ونفوذي قد هاجم قرية، أو ارتكب عملا ضد أي إفريقي.. وما كان يحدث بيننا وبين الفور، أو والزغاوة، والمساليت - قبائل إفريقية بعض أفرادها يقودون، أو يشاركون في التمرد - كان رد فعل على اعتداءاتهم عليناº فهم مدربون، ولديهم مليشياتهم، وكل ما كنا نفعله هو الدفاع عن مصالحنا، ورد الاعتداءº ولم نكن نبدؤهم باعتداء..

وبصورة أكثر تفصيلاً لموقف عرب دارفور أضاف هلال: (كل ما قمنا به عندما بدأ الصراع بين الحكومة والمتمردين هو الانضمام لقوات الدفاع الشعبي، وعندما أعلنت الحكومة (النفرة) في 2003م لمواجهة التمرد توجه 3 آلاف من أبنائنا، وسجلوا أسماءهم في قوات الدفاع الشعبي، وهي قوات ليست من العرب فقط، بل يوجد بها كل القبائلº حتى من الفور، والمساليت، والزغاوةº ممن رفضوا التمردº وانضموا إلى هذه القوات للدفاع عن دارفور.

ولكن الكاتبة الصحفية سلمى التجاني المتخصصة في شؤون دارفور أخذت على القبائل العربية خطأ موقفها أثناء الحربº إذ ألزمت نفسها بخيارات محددة سلفاً: إما الانضمام لجانب الحكومة لتكون جنجويدا رسمياً، أو حمل السلاح مع المتمردين، أو الحياد.. ولكن هذه القبائل انقسمت موزعة بين الخيارات الثلاث..

وخطأ القبائل العربية كما تراها سلمى أنهم لم يحددوا موقفهم المستقل مما يجري في دارفور لحظتهاº فلم يحاولوا إنشاء كيان يجمعهم، ويقولون عبره كلمتهمº بعيدا عن الحكومة والمتمردين.. ربما لم يستشعروا بخطورة أن يتفرق أبناء هذه القبائل بين الطرفين.. وربما لم يفكروا في اليوم الذي تجلس فيه هذه الحركات لتحاصص الحكومة السطة والثروة..

مستقبل القبائل:

لم يبق اتفاق السلام - الذي ينص على تجريد الجنجويد من السلاح - أمام القبائل العربية من خيار سهلº رغم تصريحات د. مجذوب الخليفة من أن المقصود بالجنجويد ليس القبائل العربية.. ولكن القبائل ترى أن ينزع سلاح الجميعº إذ أن الاتفاق يحفظ للحركات 4 آلاف جندي بكامل سلاحهم في دارفور، بينما يجرد القبائل من السلاحº وهو عين ما ظل هلال يردده منذ العام 2004مº مؤكدا أن نزع السلاح إذا لم يشمل الجميع فلن يلتفت إليه، وأنه ليس من المنطقي أن تنزع سلاحيº وتتركني عرضة للإبادة، والانتقام من قبل الآخرين.

وكذلك دخول القوات الدولية - الذي أضحى مسألة وقت - يجعل هذه القبائل تشعر بقلق بالغ منه.. ويحذر موسى هلال أمريكا، ومجلس الأمن من الوقوع في شرك التهويل الذي ينسجه المتمردون.. وحذر من الإسراع في التدخل في السودان.. وأضاف: لو حدث ذلك فلن يكون أفضل حالا مما حدث في العراق الذي ضللتهم فيه مخابراتهمº وأوقعت بهم في مستنقع لم يستطيعوا الخروج منه حتى الآن، ولم يجلب لهم غير كراهية شعوب المنطقة.. وهو ما يهدد مصالحهم.

وكل ذلك يجعل للقبائل خيارات محدودة: فإما أن تستوعب مليشياتها في المؤسسة العسكرية السودانيةº وتخضع لقوانينها، وما قد يجري عليها مستقبلاً.. أو تتحالف مع الحركات المسلحة - التي رفضت التوقيع على الاتفاقº والتي ينتسب أفرادها إلى قبائل كبيرة كالفور، وبعض الزغاوة - في سبيل تشكيل جبهة عريضة - ضد الاتفاق - ذات أجندة واضحةº تحمي حقوق القبائل.. أو تتعاون مع الإسلاميين الجهاديين من أتباع القاعدةº والذين ينتشرون على طول محور (أبوجا، انجمينا، السودان وجزيرة العرب)º وهو المحور الذي يمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية في إفريقياº كما ورد في وثائق الأمن القومي الأمريكي للعام 2002م.. أو تفي الحكومة بالتزامتها الوطنية مع شعبها هناك في دارفور!..

لن تفلح مقاومة والبلاد تمضي نازفة.. وأهل دارفور - خصوصاً الذين كانوا بالأمس ذخيرة الجهاد وعدته في المهدية وفي الإنقاذ - هم اليوم بين ناقم متمرد، ومغبون مقهور، وحائر صامت!!..

لن تفلح مقاومة والمجتمع منقسم، والحركة السياسية مشرذمة، وكثيرون لن يتبرعوا حتى بأن يرفعوا أصواتهم بالتأييد المعنوي، وآخرون لا شك سيرمي بهم الشيطان في أحضان الشماتة..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply