جماعات مسلحة من دارفور
دخلت أزمة دارفور في منزلق يصعب الخروج منه، فعلى حين هناك إصرار من جهات دولية وخاصة أمريكية وأوروبية على إرسال قوات تابعة للأمم المتحدة إلى دارفور، نجد الحكومة السودانية ترفضها من حيث المبدأ، كما أن الظروف الدولية والطبيعية لا تساعد، بل تعرقل إرسال هذه القوات.
واشتدت الأزمة بعدما أصدر الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته تهديدات مبطنة باتخاذ مواقف أكثر صلابة إذا استمر السودان في رفض قوات حفظ السلام، في حين رفض الرئيس السوداني بحزم أن يلتزم بقرار (1706) الذي يدعو السودان لقبول انتشار 22 ألفاً من قوت حفظ السلام في دارفور.
ربما كان الشاهد الأكبر على صعوبة الأزمة ما ورد عن مبعوث الأمم المتحدة جان برونك إلى دارفور يوم 29 سبتمبر أن: "الحكومة السودانية ليس من المنتظر أن تسمح بدخول قوات (حفظ السلام) إلى البلاد في وقت قريب، وأن على المجتمع الدولي أن يدفع بدلاً من ذلك إلى بقاء قوة الاتحاد الإفريقي في هذا البلد الذي مزقته الحرب فترة أطول وتدعيمها".
وجاء تصريح المبعوث الدولي عاكساً للصعوبات التي تواجه انتشار قوات الأمم المتحدة في دارفور والتي يمكن تقسيمها إلى صعوبات تتعلق بالموقف الدولي، والموقف الإقليمي والمحلي، وأخرى تتعلق بالوضع الجغرافي السياسي للسودان ودارفور، وصعوبات تتعلق بالمهمة المطلوب من قوات الأمم المتحدة القيام بها، وأخيراً الصعوبات المالية.
الموقف الدولي غير مناسب
لاشك أن الموقف الدولي غير مناسب لمواجهة عسكرية، بعد أن قامت كل من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي بنشر قواتهما في أكثر من مكان من أماكن الصراعات، وعدم ظهور علامات على قرب انتهائها.
ويشكل العراق محوراً لكثير من القضايا، فللولايات المتحدة هناك أكثر من 130 ألف جندي، بالإضافة إلى إمكان انضمام قوات إليها، ويمكن القول دون تردد أن كثيراً من الموارد الأمريكية البشرية قد استُنزفت في العمليات السابقة، بالإضافة إلى عمليات أخرى سبق أن أثيرت.
أيضاً أضافت الظروف في لبنان مهام وأعباء جديدة على الأمم المتحدةº إذ تقرر تعزيز قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان المعروفة "باليونيفيل" من قوة يبلغ تعدادها ألفاً وخمسمائة تقريباً، إلى قوة قوامها خمسة عشر ألفاً.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن الولايات المتحدة في حاجة إلى وجود قوات تمكنها من مواجهة التطورات المحتملة في إيران.
هكذا فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يعودوا قادرين على القيام بتدخل عسكري واضح وعلى نطاق واسع، وإن كانت قادرة على استخدام بعض وسائل العنف، وهو ما يحكم بأن أي تدخل أجنبي في السودان وخاصة في دارفور لابد وأن يقتصر على استخدام النيران عن بعد "ربما قصف جوي" دون التحام أو اقتحام.
الموقف الدولي يدعو بالتالي إلى التدخل، ولكنه لا يشتمل على إمكانيات هذا التدخل، خاصة أنه في ظل رفض الحكومة السودانية، والظروف الداخلية السودانية التي سنتطرق إليها، فإن هذه القوات الدولية ينتظر أن تتعرض لخسائر ليست بالقليلة لو تدخلت بدون موافقة الخرطوم.
وأغلب الدول ليست على استعداد لتقبل هذه الخسائر، وقد سبق للولايات المتحدة أن أبدت عدم استعدادها للمشاركة في القوة، كما استبعد السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي مشاركة الحلف في قوات في دارفور، والدول العربية ترفض القرار، وهذا يعني أن هذه القوات يمكن أن تكون من دول أوروبا الشرقية التي قد تكون راغبة في استرضاء الولايات المتحدة، أو يتم الاقتصار على دول إفريقية.
الموقف الإقليمي لا يشجع
أيضاً الموقف الإقليمي لا يشجع على تدخل أو عمل قوات الأمم المتحدة، بعد أن ساندت جامعة الدول العربية قرار الحكومة السودانية رفض دخول هذه القوات، وأبدت الدول العربية استعداداً لتمويل عمليات قوات الاتحاد الإفريقي العاملة هناك.
ويزيد هذا القرار العربي من أمر التدخل الأجنبي في دارفور وتنفيذ قرار مجلس الأمن (1706) صعوبة، فإذا رفضت الدول العربية أن تسمح لقوات الأمم المتحدة بالمرور من خلال أراضيها وأجوائها في شمال إفريقيا في مصر وليبيا والجزائر وتونس، فإن مجالات حركة هذه القوات تصبح محدودة بالوصول إلى دارفور عبر غرب إفريقيا، أو من شرق السودان من البحر الأحمر مباشرة عن طريق بورتسودان أو من إثيوبيا وأرتيريا، مما يعني الحاجة إلى اختراق السودان من الشرق إلى الغرب للوصول إلى دارفور بما فيه من أخطار في ظل رفض ومقاومة السودان للمهمة.
ويبقى الاتجاه الجنوبي وهو يتطلب أيضاً مناورة واسعة من مناطق القوات الأوروبية للوصول إلى جنوب السودان أولاً في طريقها إلى دارفور.
الظروف المحلية: تزيد الخلافات المحلية في السودان حول نشر القوات وكذلك خلافات فصائل دارفور الأمر تعقيداً، خصوصاً بعدما أدت إلى صدام في أم درمان بين قوات وجماعات وقعت اتفاقية سلام مع الحكومة وقوات الحكومة، الأمر الذي يجعل السودان في وضع غير مستقر، وهو ما يجعل مهام الأمم المتحدة في السودان محفوفة بالأخطار. وبدلاً من أن تقوم هذه القوات بمعاونة الذين يتعرضون للعنف وتخليصهم تتحول المهمة إلى حماية نفسها والتخلص من العنف المحيط بها.
لا شك أن من بين الصعوبات التي تواجه هذه القوة أنها تسمى أو يطلق عليها قوات "حفظ السلام"، بما يعني أن هناك سوء فهم لطبيعة المهمة، وهي في تسميتها تفترض وجود اتفاق سلام، وأن قوات الأمم المتحدة تذهب إلى دارفور لمساعدة الأطراف على تنفيذ الاتفاق. وقد كان من الممكن اعتبار اتفاقية أبوجا هي تلك الاتفاقية، إلا أنه من المعروف أن تلك الاتفاقية قد وقع عليها فصيل واحد من المتمردين في دارفور، بينما رفضها الباقون، وأغلب الأفراد النازحين من دارفور والذين يفترض أن تحميهم قوات الاتحاد الإفريقي وقوات الأمم المتحدة من بعدها هم من المتمردين غير الموقعين على اتفاقية أبوجا.
ولقد وصف مبعوث الأمم المتحدة إلى دارفور اتفاقية أبوجا بأنها في حالة غيبوية عميقة، وأن كلاًّ من قوات الحكومة والمتمردين قد خرقت اتفاق وقف إطلاق النيران أكثر من سبعين مرة بين شهر مايو وشهر أغسطس، كما كانت هناك انتهاكات أخرى خلال شهر سبتمبر.
بالتالي فإن قوات الاتحاد الإفريقي وقوات الأمم المتحدة ليست مكلفة فعلاً بالحفاظ على السلام، وإنما بفرض السلام، وقد أثبتت التجارب حتى الآن أن السلام لا يمكن فرضه إذا لم يصل أطراف النزاع إلى اتفاق حوله، كما حدث في الصومال، وفي أفغانستان وفي العراق.
على ضوء ما سبق يمكن القول إن المتوقع أن تحدث محاولة للتوفيق بين مطالب الأمم المتحدة وقرار الحكومة السودانية وذلك عن طريق تمديد عمل قوات الاتحاد الإفريقي إلى أجل غير مسمى، مع تطعيمها بمستشارين من الأمم المتحدة يقدر عددهم بمائة وخمسة، وبعشرات من الشرطة التي يمكن إرسالها فوراً إلى دارفور، ويمكن زيادتهم تدريجياً.
وقد تعهد الاتحاد الإفريقي بدعم القوة بأربعة آلاف إضافيين بعضهم يمكن توفيرهم في الحال إذا توافر التمويل.
هنا يجب العمل على تمويلها سواء بواسطة جامعة الدول العربية أو بالأمم المتحدة، وإمداد هذه القوات بما تحتاجه من معدات، وخاصة الطائرات ووسائل الاستطلاع.
ويبقى السؤال عن قيادة القوات، فهي مختلطة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والحكومة السودانية، كما أنه لا بد من دور لجامعة الدول العربية عبر مفوضية للتعاون في قضايا دارفور!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد