قامت الحكومة السودانية في سبيل حل مشكلة البطالة بفتح بضعة عشر ألف وظيفة جديدة في مؤسساتهاº من أجل استيعاب جزء من الخريجين المتعطلين عن العمل، وعزمت أن تستمر في فتح الوظائف سنوياº كاستراتيجية في المساعدة على حل أزمة البطالة المتفشية وسط الخريجين.
إن هذه المسألة تحتاج إلى تدارس عدة نقاطº حتى تظهر جوانبها المختلفةº والتي أرجو أن أكون فيها موضوعياً:
البعد الأول:
في هذا البعد أتحدث عن مقصد الدولة في فتح فرص عمل كبيرة كهذه..وأحسب أنه مقصد مراد حسن..وقصدت بإضافة كلمة (مراد) أن يفهم من كلمة المقصد: النيةº وإلا فإنني أحسب أن المقصد بمعنى السبيل غير موفق.. وعلى كل حال فإن الدولة استوعبت خطورة المشكلةº وأبدت اهتماماً بها، ثم عملت نحو إيجاد حلول لها، وبدأت في التطبيق بهذه الخطوة.. وهذا أمر ينبغي الإشادة به.
البعد الثاني:
أن كمية ضخمة من الموظفين الجدد كهذه تحتاج إلى نفقات ضخمةº بدءاً من تكاليف التعيين، إلى تكاليف التدريب، ثم انتهاء بتكاليف المرتباتº وهي تكلفة دائمة، ومستمرةº فمن الذي سيتحمل عبء هذه التكلفة؟.
إن الدولة تخطو خطوات واسعة في مجال التنمية الحضريةº والبنى التحتية.. خطوات أدت بها إلى الاستدانة عن طريق ربوي استعجالاً في تنفيذ مشروعات ضخمة.. ثم إن موارد البترول لا تكفي لمستلزمات التنميةº ناهيك عن إضافة عبء بضعة عشر آلاف موظف دولة جديد.. فمن أين ستسد هذه الفجوة؟. أقول: إن هذه الفجوة سيعمل على تجسيرها بمزيد من التكاليف، والفروض، والجبايات على العاملين في النشاطات الصناعية والاقتصادية والخدمية المختلفة.. وإلا فمن أين؟!.. وهذا معناه أن إخراج بعض الناس من دائرة العطالة سيكون على حساب القطاعات المنتجة في الدولة، كما سيؤدي إلى الهروب من العمل المباشر والظاهر إلى العمل المستتر الخفي، وأول ما كان يعلمنا إياه أساتذة التاريخ ومناهج التاريخ أن من أعظم أسباب قيام الثورات والمشكلات والصراعات: الضرائب الباهظة.
البعد الثالث:
أليس هناك ترهل أصلاً في أجهزة الدولة؟ أليس الأولى إعادة هيكلة أجهزة الدولة، وتنظيمها بدلاً من إدخال آلاف العاملين الجدد فيها؟.
البعد الرابع:
إن من واجب الدولة تسهيل حياة المواطنين، وفض النزاعات بينهم، وإصلاح عاداتهم وسلوكهم، وصيانة أعراضهم وأموالهم، والمحافظة على شرعية المعاملات بينهم.. وهذا الواجب هو واجب تنظيمي في المقام الأول، قضائي في المقام الثاني.. كما أن من واجبها حماية الدين والعباد، وإنفاذ الأحكام ورقابتهاº وليس عليها أن تدخل في كل مجالº مستثمرة، أو مشاركة في الاستثمارº منافسة مع المتنافسين في الأسواقº فإن ذلك يسبب الضرر الجسيم بالمتعاملين والعاملين، ويصير قطاع كبير من الأسواق رهينا بأيدي موظفي الدولةº يتصرفون فيه بنظرة الفتوة المعهودة وعدم الاكتراث وضعف المسؤولية.. هذا مع امتيازات لا حق لها، ومستحقات لا تعد.. وأحسب أن الدولة لو أفسحت المجال للمواطنين في التعامل النفعي بالأموال، والتجارة، والصناعة، والخدمات، والزراعةº وقصرت جهودها على التنظيم، والأحكام أنه خير وأجدى وأنفع للناسº ليجدوا الحرية في التعامل، والتسهيل من الدولة في تنمية أعمالهم.
لا بد من الانتباه إلى مآلات مثل هذا التوجه في حل مشكلة البطالة، وآثاره، وحبذا لو اهتمت الدولة بتيسير سبل العمل الحرº حتى ولو مثل سقات الماء في الطرقات، وبيع الهتش في المفارشº فهذا خير من توظيف آلاف دون حاجة، وخير من هدر الموارد، والتضييق على المنتجين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد