أزمة المثقف الجنوبي !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أخذتني تعيينات الحركة الشعبية لنوابها في البرلمان، وبعض المؤسسات الحكومية من نصيبها الذي حددته اتفاقيات السلام إلى ملاحظة صغيرةº وهي غلبت العناصر الشابة حديثة التخرج من الجامعات وقليلة التجربة في الحياة العامة، بالإضافة إلى وجود مقدر من أنصاف المتعلمين، وكذلك كاملي الأمية.. وأخذت أتتبع هل من أحد يشعر بذلك، وخاصة أولئك الذي يدَّعون أنهم القيّمون على الجنوب وشعبهº حيث إن وجود هذه العناصر بعدد كبير في هذا الظرف الدقيق والمفصلي في تاريخ السودان والجنوب خطر على الشمال والجنوب معاº فوجدت تقريراً نشرته رويترز بطلته إحدى العاملات بالمجلس البريطاني British councilº بالسودان، يقول التقرير: (يجلس موظفون بحكومة الجنوب الجديدة على مكاتب خاوية، وحجرات كئيبةº مما يدعو للتساؤل: كيف يمارس هؤلاء عملهم؟!.. ويقول المراقبون: إنهم لا يعملون في الواقعº فالحرب التي استمرت طوال عقدين من الزمان لم تدمر البنية التحتية للجنوب فحسبº بل وحرمت جيلا كاملا من التعليم.. والمقتدرون ماديا فروا من الموت والدمار.. ومع إبرام اتفاق السلام وتمتع الجنوب بحكم ذاتي، ورغم امتلاك الإدارة الجنوبية للمال إلا أنها تجد صعوبة في العثور على من يحسنون استغلاله، وإنفاقه)!!..

وقالت جيني بيلنكوت - وهي واحدة من المدربين لموظفي الجنوب على الإدارة الحديثةº وهي في الأصل تعمل في المجلس الثقافي البريطاني بالخرطوم -: هناك وزير لم يسبق له أن قرأ خبرا من ثلاثة أسطر طوال العشرين سنة الماضية، وقراءته لفقرة واحدة بصوت مسموع تحتاج إلى عشر دقائق.. ورغم وعد المانحين في وأسلو بتوفير أربعة مليارات ونصف المليار دولار ترى جيني أن المال غير مفيد إذا لم يجد من يحسنون التصرف فيه.. وهم قلة بالجنوب!!..

فأين المثقف الجنوبي من هذا الواقع؟ وأين التزامه نحوه؟ المثقفون الجنوبيون الذين يعيشون في المهجر يعلنون صراحة أنهم لن يعودوا إلى الجنوب ما دام الحال هو هذا الحالº رغم الإغراءات التي تمنحهم لها العودة من منصب رفيع، وأجر عال لا يعدله ما يحصلون عليه كأجر على عملهم في محطات الوقود، والأعمال الشاقة في المنافي.. بل لم يشجعهم وعد الرئيس الأمريكي بوش لهم بالإعفاء من الديون التي أنفقتها عليهم بلاده طوال سنوات دراستهم هناكº فالإشباع النفسي الذي حصلوه هناك أعظم عندهم من أهلهم وديارهم!!..

أما في الداخل فأصدق ممثل للمثقف الجنوبي المأزومº فـ (استيلا قيتانو) السكرتير الثقافي لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم لدورة (2003-2004م)، والقاصة الشابة التي استطاعت باقتدار إنتاج قصة جنوبية المكان والملامح والقضية، وبلغة عربية رفيعة تكفل لها الجلوس بين عمالقة الأدب العربي كأفضل ممثل للجنوبي العربي، مع نظيراتها من أدباء المشرق والمغرب العربيين، وقد احتفت بها المجالس الأدبية في الخرطوم أيما احتفاء (استيلا) لا تنتمي للأحزاب الجنوبية التقليديةº بل لمنظومةٍ, الأفكار وحدها هي الرابط بين أعضائها، ولكن مع ما يبدو من تصالحها وانصهارها في المجتمع السوداني إلا أنها وحين وجهت لها صحيفة الرأي العام سؤالاً عن خيارها من انفصال الجنوب عن الشمال لم تتوان أن تقول (إذا انفصل الجنوب عن الشمال فلن أعود إلى الجنوب، وكذلك لن أبقى في الشمالº وسأبحث عن وطن ثالث!).

فهل يحتاج المثقف الجنوبي لدراسة نفسية تفسر سلوكه واتجاهاته أم نكتفي بتحليل البروفيسير الكيني الشهير علي المزروعي، ورده أزمة المثقف الجنوبي إلى تعرضه على يد البريطانيين إلى تغريبٍ, ناعمٍ,º هو الخمر، والصليب، واللغة الإنجليزية؟!..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply