من بؤس العلمانية في السودان ـ والمنطقة ـ أنها بدأت من حيث انتهت العلمانية في الغرب، وأصبحت تتابع ممارسات واتجاهات العلمانية الغربية حذو القذة بالقذة كما ورد بالحديث الشريف حتى أدخلونا جحر الضب الخرب الذي دخلت فيه العلمانية الغربية، والعلمانية في السودان لها رعاة كُثر يقفزون فوق حقائق الواقع السوداني ويتجاوزون الموروثات والتقاليد السودانية القائمة ـ في معظمها ـ استنادا على الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي مكوّن أساسي في الشخصية السودانية لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، والعلمانية السودانية بقفزها فوق هذه الحقائق قفزات عالية إنما تسعى إلى دك عنقها وانصراف الناس عنها ـ دون أن تدري ـ وفي هذا خير كثير بالنظر إلى مآلات الأمور.
وعلمانية الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ الشريك في الحكم الآن في الخرطوم ـ علمانية من النوع الذي نشأ غريبا على التربة السودانية، وأصبحت تسنده البندقية والدعم الغربي اللامحدود لفتنة الناس عن دينهم باسم السودان الجديد، لذلك تأتي بممارسات غريبة حتى بمقياس المنفعة السياسية العاجلة لأن هذه الممارسات لا بد أن تجلب سخط الناس وتذمرهم وهذا أمر لا يُقدم عليه سياسي محنك يريد أن يكسب الناس لصفّه.
ومن الممارسات المنكرة التي يقترفها مسئولي الحركة الشعبية وهم على مقاعد الحكم ومناصب المسئولية ما أقدم عليه وزير التربية والتعليم والتكنولوجيا بولاية أعالي النيل ـ إحدى ولايات جنوب السودان ـ فقد أوردت صحيفة (الوطن) السودانية على صدر صفحاتها يوم الأربعاء 24/5/2006م الآتي: (منع السيد وزير التربية والتعليم والتكنولوجيا بولاية أعالي النيل السيد سايمون فوك تدريس مواد التربية المسيحية والإسلامية بالمدارس بحجة أن الحكم في الجنوب علماني، وعلى الطالبات ارتداء اسكيرت تحت الركبة وألا يرتدين الطرح فوق رؤوسهن لأنها من سياسات وقانون حكم الجنوب، ومن جانب آخر قام مدير مدرسة الإنقاذ بنات بطرد الطالبات اللائي يلبسن الطرح ويرتدين اسكيرتات طويلة ورفضن نزع الطرح لأن دينهم يدعو إلى الحشمة ولا يدعو إلى التبرج).
ووزير التربية بالولاية تجاهل مشاكل التعليم التي تعاني منها ولايته ـ والجنوب عموما ـ والمعروف أن الإقليم الجنوبي قد خرج من حرب شنتها الحركة الشعبية على القوات الحكومية السودانية لمدة اثنين وعشرين عاما قبل أن يتم توقيع السلام في يناير من العام 2005م، وقد خربت الحرب البنية الأساسية في الإقليم وحرمت أبناء الإقليم من التعليم والخدمات الأساسية، وكان الأحرى أن يقوم وزير التعليم بمواجهة مشاكله في الحقل الذي يتولى مسئوليته بدلا من الاهتمام ـ أو شغل الناس ـ بموضوع الإسكيرت القصير ونزع طرحة الرأس عن رؤوس الطالبات.
إن الحركة الشعبية لتحرير السودان تأتي ببرنامج موغل في التطرف العلماني، وهذا تذكير لمن لا زالوا يدسون رؤوسهم في الرمال خوفا من مواجهة الحقائق، والذين يتحالفون من أبناء المسلمين مع الحركة الشعبية في أي ميدان من الميادين، وتختلف علمانية الحركة الشعبية عن علمانية بقية الأحزاب السودانية التي تتبنى طرحا علمانيا على استحياء بجرأتها في محاربة الإسلام والدعم الغربي المكشوف والإنفاق الغربي الحاتمي على برامج وتوجهات الحركة الشعبية في السودان لمحاربة الإسلام في القطر الذي يدين أكثر من 80% من سكانه بالإسلام، والاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة العربية ـ والإسلامية ـ في المرحلة القادمة تعتمد على دعم الأقليات وتمكينها من الحكم حتى تحارب الإسلام من داخل الأقطار الإسلامية بهذه الحركات التي تمثل حصان طروادة في المجتمعات العربية ـ والإسلامية ـ والحركة الشعبية لتحرير السودان تأتي في مقدمة هذه الحركات التي يساندها الغرب بلا حياء وبلا حدود.
إن الإسلام راسخ في التربة السودانية بأكثر مما يتوهم أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان ومسانديها والمغرورين بها، وهذه الإجراءات الغريبة والخاطئة لن تزيد الناس إلا تعلقا بدينهم، لكن المطلوب قرار حكومي مركزي يوقف مثل هذه الممارسات التي تنافي أبسط حقوق المواطن في بلد يدين غالبيته بالإسلام، والذين وقعوا مع الحركة الشعبية اتفاقية السلام التي أوقفت الحرب لا أظنهم كانوا يتوقعون مثل هذه الجرأة على دين الله - تعالى -من شركائهم في الحكم، فهل من غضبة لله تعالى؟ وعلى الحركة الشعبية أن ترعوي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد