الوقت من دارفور

لو أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتحركان دوماً لمواجهة المشكلات بالسرعة والحسم اللذين تحركا بهما لمواجهة "مشكلة دارفور" لكنا فعلاً شعرنا أن العالم بخير، بل سيكون أفضل يوماً بعد يوم.

فجأة برزت مشكلة دارفور، ليس من عدمٍ, بالتأكيد، إذ هي قديمة الأسباب، وبسرعة فرضت نفسها على الساحة الدولية بشكل لافت حتى الريبة فعلاً، إذ قلما نال السودان البلد العربي - الإفريقي اهتماماً كهذا حتى في عز الحرب الأهلية بين الشماليين المسلمين وبين الجنوبيين الأرواحيين بالدرجة الأولى والمسيحيين، عندما كان الغرب - وبتأثير من الكنائس - ينشغل بين حين وآخر بهمّ السودان، خصوصاً بعدما وصل "أصوليون" إلى السلطة في الخرطوم في حزيران 1989 رافعين شعار الجهاد لتجييش الشماليين، بعدما كادت الكفة الميدانية تنقلب كلياً لمصلحة المتمردين الجنوبيين، ما أعطى التبشيريين ذريعة الحشد ضد المد الإسلامي خشية اتساعه نحو وسط القارة الإفريقية.

وهكذا شهدنا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي انخراط 3 "متحدات" ضد السودان: المملكة المتحدة، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، الأولى تتولى إثارة الطابع الديني، الثانية تروج لمعاناة اللاجئين، والثالثة تتكفل بالشق الدبلوماسي في مجلس الأمن.

اليوم لا تبدو الصورة مختلفة كثيراً، فـ"المتحدات" الثلاث ذاتها تقود الحملة الجديدة لكن بعزم أقوى من السابق لـ"أسباب خاصة" لدى كل منها: فالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إفريقي، ولن يتحمل أن يقال يوماً أنه تقاعس عن العمل لمساعدة أفارقة في محنة، تصورها وسائل إعلام غربية "إبادة".

المملكة المتحدة وجدت في "دارفور" قضية أخلاقية يمكن أن تساعدها في التخفيف من "أزمة الضمير" التي ابتلت بها جراء انكشاف عدم صحة المبررات التي اتخذها رئيس الوزراء توني بلير للانخراط في حرب العراق.

أما الولايات المتحدة فتعيش موسم انتخابات، ومن شأن رفع "قضية إفريقية" جذب اهتمام الناخبين السود الأفارقة الأصل وأصواتهم.

المشكلة في "مشكلة دارفور" أن حكومة الخرطوم لا تنكرها بل تعترف بوجودها، وإن ليس بالتضخيم الإعلامي الغربي المحاط بها، لكن الضغط الدولي عليها يستهدف حلاً في أسرع وقت، في حين أن هذا الحل لن يكون متوافراً بسهولة، نظراً إلى تركيبة دارفور، التي تشكل خُمس مساحة السودان العملاق، وخُمس عدد سكانه (الإجمالي 30 مليون نسمة)، ويتداخل في مشكلتها ما له علاقة بالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وما له علاقة بحرب ليبيا - تشاد في الثمانينيات من القرن الماضي، إضافة إلى تنوع وتشابك التكوين الأهلي هناك.

الوقت هو المشكلة الحقيقية، إذ في الوقت الذي تستعد الخرطوم لتوقيع اتفاق سلام تاريخي مع المتمردين الجنوبيين يؤمل منه وضع حد لصراع مفتوح منذ أكثر من أربعة عقودº فإنها بأمس الحاجة إلى فسحة لتأمين مناخ مؤات للتوقيع على الاتفاق المتوقع نهاية آب المقبل، أما إغراقها في الدارفور فمن شأنه أن ينعكس سلباً على هذا المناخ، باعتبار أنها قدمت الكثير من التنازلات في المفاوضات مع المتمردين الجنوبيين ليمكن التوصل إلى مشروع اتفاق نهائي مفتوح بالتساوي على خياري انفصال الجنوب أو عدم انفصاله، وهذا مأخذ لدى كثيرين على حكومة الخرطوم التي إن أبدت تراخياً في التعامل مع مشكلة دارفور فإنها ستبدو أكثر وكأنها راضية بالتفريط بوحدة البلد.

المشكلة وقتٌ، لكن "المتحدات الثلاث" تبدو على عجلة في أمرها بشكل غريب.