سلام القلق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 البروتوكولات الستة التي تم التوقيع عليها السبت الماضي 5/6/2004م بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبية في نيفاشا الكينيةº أثارت من المخاوف والقلق أكثر مما أشاعته من الفرحة والرضا، وإذا استثنينا طرفي التوقيعº فإن أطرافاً كثيرة على المستوى المحلي والإقليمي أبدت تحفظاً، وأظهرت تشككاً، في مآلات البروتوكولات من جهة حفظها للسلام، وتوفيرها للأمن والاستقرار في أنحاء البلاد والإقليم.

 

ولعل الجانب المصري هو الأكثر قلقاً وتخوّفاً من نتائج البروتوكولات على مستقبل العلاقة بين مصر والسودان على كافة المجالاتº ابتداءً من نصيب مصر من مياه النيل، وانتهاءً بعلاقة متمردي الجنوب بإسرائيل، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، فرغم معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية والتي مضى عليها أكثر من ربع قرنº إلا أن طرفي المعاهدة ينظر كل منهما للآخر على أنه مهدد كبير لأمنه، وبالتالي تستمر المناوشات بين الطرفين على كافة الساحات دون المواجهة العسكرية، ويمثل السودان الآن أحد أهم الساحات للمواجهة بين مصر وإسرائيل، وهذه مناسبة لتذكير الذين يظنون أننا في السودان بعيدون عن الاستهداف الصهيوني المباشر. وهذه المخاوف المصرية عبر عنها الأستاذ فهمي هويدي بمقاله (بعد إعلان نيروبي كيف يرد قرنق الجميل لإسرائيل) والذي نُشر بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم الأربعاء 9/6/2004م، وتناول فيه علاقة قرنق بالكيان الصهيوني، وقد وجد المقال صدىً في الصحافة السودانية (انظر إسحق أحمد فضل الله: صحيفة الحياة السودانية، السبت 12/6/2004م. وعبد اللطيف البوني: صحيفة الصحافة السودانية، الأحد 13/6/2004م)

 

أما على الصعيد المحلي فقد احتج متمردو دارفور بأن البرتوكولات لم تُشِر إلى قضيتهم ـ رغم الاختلاف الواضح بين طبيعة القضيتين ـ ورتبوا على ذلك بأن البروتوكولات لا تحقق سلاماً ولا تؤمِّن استقراراً، وقضية دارفور تستعد الآن لتحتل موقع قضية الجنوب بعد الاهتمام العالمي الذي أبداه كوفي عنان بالمسألة، ومناقشتها على مستوى قمة الثمانية التي عُقدت قبل أيام بالولايات المتحدة. وعلى المستوى السياسي المحلي، اجتمعت بعض أحزاب الطائفية واليسار وبعض أحزاب التوالي بدار حزب الأمة قبل أيام وكوّنوا ما سُمي بتحالف القوى الوطنية، استعداداً لقيادة المعارضة الداخلية، بينما يتململ محمد عثمان الميرغني ليعجّل بالعودة إلى الداخل وينفخ الروح في التجمع المتهالك. أما رأي الجنوبيين فقد لخّصه بونا ملوال الوزير السابق في الثمانينياتº فكتب قبل أيام مقالاً بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية منتقداً تقاسم السلطة والثروة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.

 

وأكثر مظاهر القلق بروزاًº تلك التي أبداها الدكتور قطبي المهدي المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، فقد حذر الأسبوع الماضي من أندلس جديدة بالسودان، وفي نفس اليوم الذي نُشرت فيه تصريحاته على صفحات الصحفº اشتبك الطلاب الإسلاميون وطلاب الجبهة الوطنية الإفريقية الموالون لقرنق بجامعة النيلينº إثر اعتداء الجنوبيين على حجاب الطالبات بالجامعة، مما يُنذر بأخطار جمة على هذه الشاكلة في مقبلات الأيام.

 

لم تستطع الابتسامة الدبلوماسية أمام الكاميراتº تخفيف حدة القلق الذي تمدد واسعاً، والأمر بحاجة إلى أكثر من لعن الظلام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply