الحرب الإسرائيلية القادمة.. المعطيات والاحتمالات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
-          نظريات ومفاهيم عسكرية تساقطت.

-          العام الأسوأ في تاريخ إسرائيل.

-          جدلية الهزيمة والسعي لاسترداد الرواية الردعية.

-          تقديرات هيئة الأركان الحربية الإسرائيلية.

-          تحالف وتنسيق حربي استراتيجي أميركي إسرائيلي.

وفق الاعترافات والشهادات والوثائق الإسرائيلية المتزايدة فإن هناك حقيقة كبيرة ساطعة تكرست على الصعيد الإسرائيلي وهي: أن إسرائيل منيت عملياً بهزيمة على يد حزب الله لن تنسى على مدى الأجيال الإسرائيلية.

ولهذا الاستخلاص المكثف في الميزان العسكري الإستراتيجي الإسرائيلي علاقة مباشرة بمفاهيم "إسرائيل العظمى" و"الجيش الذي لا يقهر"، وكذلك بـ" العقيدة والنظريات العسكرية"، و"التفوق المطلق"، و"قدرة الردع"، و"كي أو حرق الوعي" لديهم.

إذ سعت دولة الاحتلال منذ النكبة عام 1948 إلى إنتاج رواية خاصة بها حول كل حرب بهدف التأثير في وعي الإسرائيليين أنفسهم، واحتلال الوعي العربي والفلسطيني على نحو خاص، فضلاً عن احتلال الوعي العالمي.

 

نظريات ومفاهيم عسكرية تساقطت:

فقد سعت تلك الدولة على مدى العقود الماضية إلى الترويج لرواية خاصة متميزة تصورها كصاحبة جيش صغير وذكي وقوي لا يقهر، ويحقق الانتصارات السريعة الساحقة على مجموع الدول والجيوش العربية، ولكن حزب الله وفقاً لكافة المعطيات الإسرائيلية وغيرها في قلب كل الحسابات والتقديرات الاستراتيجية نجح في تحويل الانتصارات الإسرائيلية السريعة المذهلة إلى هزيمة حرقت الوعي والمفاهيم العسكرية الإسرائيلية.

ويمكننا القول في ضوء ذلك إنه على خلاف استراتيجياتهم ومخططاتهم ومفاهيمهم الأمنية، وعلى خلاف ثقتهم العالية بالنفس، وغطرستهم العسكرية المرتكزة أيضاً على تفوقهم الجوي، واعتقادهم إمكانية الحسم العسكري السريع في أي مواجهة حربية مع أي طرف عربيº فقد نجح حزب الله في هذه الحرب العدوانية الإسرائيلية الجرائمية المنفلتة في قلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية، وإسقاط النظريات والمفاهيم الحربية الإسرائيلية, بل أكثر وأبعد من ذلك رد نظرية "كي الوعي" إلى نحورهم.

وبذلك انقلبت كل الحسابات الإسرائيلية رأساً على عقب, وانسحقت التقديرات العسكرية الإسرائيلية, وتهاوت المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة, وتحول المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة أمام حزب الله الذي لم تلن قناته، ولم يضعف، ولم يتفكك، بل أراهم المزيد من البأس والقدرات والإرادة التي لا تهزم.

 

العام الأسوأ في تاريخ إسرائيل:

ولذلك فقد كان العام العبري المنصرم بحساباتهم هو الأسوأ في تاريخ الدولة العبرية منذ قيامها عام 1948.

وهذه ليست مسألة تنبؤية أو احتمالية أو استشعارية, بل هي حقيقة كبيرة دامغة أصبحت ملموسة في كافة بيوت وزوايا إسرائيل, فهذه الحرب التي شنتها إسرائيل بنوايا وخطط جاهزة مبيتة، وأسفرت في الحصيلة عن هزيمة كبيرة واستراتيجية لـ"إسرائيل العظمى"، ولـ "جيش النخبة"º أرخت ولا تزال بتداعياتها القاسية والمؤلمة والمحبطة على المجتمع الإسرائيلي برمته.

كما انتشرت شظايا الهزيمة الإسرائيلية الحارقة في لبنان أمام حزب الله، وتأججت وتمددت لتطال كافة المؤسسات العسكرية والحربية، والسياسية والإعلامية وغيرها، ووصلت إلى مرحلة قاسية بالنسبة لهم يطلقون عليها هناك "حروب إسرائيل الداخلية"، أو "حروب اليهود ضد اليهود"، أو "حروب الجنرالات"، أو "حروب المؤسسة العسكرية الاستخبارية"، أو "حروب المؤسسة العسكرية في مواجهة المؤسسة السياسية".

وكذلك كان من أبرز تداعيات الحرب على الجبهة والصراعات الداخلية الإسرائيلية ما يتعلق بالقادة الكبار التاريخيين في إسرائيل، وفي هذه المضامين كان إيتان هابر مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق رابين، والمعلق في صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد كتب مؤكداً: "كلما تتضح صورة الحرب أكثر فأكثر يتبين كم أنها كانت بالغة القسوة، فلا شيء لا شيء على الإطلاق في المجالين العسكري والمدني كان جاهزاً للحرب وعمل كما يجب في وقت المعارك"، وأعرب هابر عن اعتقاده: "أن الأزمة الكبيرة التي تجد إسرائيل نفسها في مواجهتها الآن هي أزمة القيادة", "لقد انتهى عهد القادة الكبار في إسرائيل (كما يستخلص)"، وأبعد من ذلك: "فإن أكثر من نصف الإسرائيليين يخشون على مستقبل الدولة، وأكثر من الثلثين يتوقعون هجوماً عسكرياً مفاجئاً على إسرائيل، كما جاء أن 70% فقدوا ثقتهم بالقيادة، و37% يفضلون الهجرة إلى خارج إسرائيل".

وكل هذه المضامين ليس فيها مبالغة أو تهويل أو تزييف, وإنما هي حقيقية وردت على لسان الرأي العام الإسرائيلي, فلم تعد القيادة الإسرائيلية التي قادت الحرب العدوانية على لبنان تحظى بثقة الإسرائيليين, ولم تعد دولة إسرائيل تشكل ملاذاً آمناً لأكثر من ثلث الإسرائيليين, وأكثر من 70% من الإسرائيليين يعربون عن انعدام ثقتهم مطلقاً في صورة إسرائيل السياسية الأمنية.

وكل هذه العناوين الخطيرة إسرائيلياً وغيرها كثير كانت حصيلة أهم وأخطر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجرته ونشرته صحيفة معاريف العبرية في ملحقها ليوم الجمعة 1/1/2006.

 

جدلية الهزيمة والسعي لاسترداد الرواية الردعية:

واستتباعاً وفي محاولة منه لاحتواء هذا البعد الأسوأº لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ليطلق ذلك التصريح أمام الكنيست الإسرائيلي الذي توعد فيه بجولة أخرى أمام حزب الله جزافاً, حيث أعلن أولمرت بمنتهى الوضوح: "يجب أن نضمن أن الأمر سيكون في المرة القادمة أفضل بكثير".

فإسرائيل إذن التي تهدمت صورتها وروايتها الردعية في هذه المواجهة مع حزب الله، وعجزت عن ترميمها حتى في عملياتها البرية المجنونة في الأيام الأخيرة من الحربº لا يمكنها وفق عقيدتها العسكرية ومنهجيتها الحربية أن تقبل مثل هذه الهزيمة, ذلك أن استقرار ومستقبل إسرائيل رهن عملياً حسب أدبياتها بتفوقها وقدراتها الرادعة.

وفي السياق الردعي ذاته ما زال عدد من الخبراء الإسرائيليين من الجيش والأمن يعكفون على دراسة آثار الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي لم تحقق أي إنجازات تذكر، وقال خبير عسكري إسرائيلي: "إن ترميم صورة إسرائيل وقوتها الرادعة أمام العالم العربي بحاجة إلى عشرات السنين".

ولكن تلك المؤسسة العسكرية الحربية المغرورة لا يمكنها أن تهدأ لسنوات عديدة, فلجأت إلى تصعيد همهمات الحرب ضد سوريا ولبنان مرة أخرى, وهذه الهمهمات في غاية الجدية والخطورة، ولا تقتصر أهدافها فقط على التغطية على المجازر المقترفة والقادمة ضد الشعب الفلسطيني، وإنما تستهدف أيضاً استرداد الرواية الردعية الإسرائيلية، وذلك إما عبر جولة حربية أخرى ضد حزب الله، والتقديرات العسكرية الإسرائيلية تعتبر المسألة مسألة وقت فقط, وإما عبر حرب إقليمية ربما تشمل حزب الله وسوريا معاً، أو عبر حرب استراتيجية أخطر تستهدف طهران العمود الفقري لهذا المحور, وربما عبر حرب إسرائيلية شاملة على غزة أولاً!

فدولة الاحتلال لا يمكنها في الحسابات الاستراتيجية أن تهدأ أربعين عاماً أو أكثر ما دام هناك الشعب العربي الفلسطيني المنتفض، والمقاومة المتبلورة المتعاظمة، وما دامت هناك قدرات عسكرية عربية أخذت تشكل تهديداً استراتيجياً للدولة العبرية.

 

تقديرات هيئة أركان الحرب الإسرائيلية:

وكما يتضح من المؤشرات الإسرائيلية والأميركية فإن خطة إعادة صياغة وترتيب الحالة الفلسطينية والإقليمية تستدعي حرباً شاملة على الفلسطينيين، وهي تحت التنفيذ منذ انطلقت حملات "السور الواقي"، ثم "الخطة الصارمة"، فـ"أمطار الصيف"، فـ"غيوم الخريف".

كما تستدعي حرباً شاملة أخرى في هذه المنطقة ضد سوريا ولبنان، والمسألة مسألة وقت، ومسألة استعدادات وحسابات استراتيجية دقيقة، ومسألة مناخ عربي ودولي.

وقد تحدث المراسل والمحلل العسكري الإسرائيلي "بن كسبيت" بمنتهى الوضوح أيضاً عن غيوم الحرب التي تتلبد فكتب في معاريف بتاريخ 25/9/2006 مبكراً عن طبول الحرب يقول: "هضبة الجولان" هكذا قال إيهود أولمرت "ستبقى في أيدينا إلى الأبد".

ويضيف "إن السماء تبدو مليئة بالغيوم المتكدرة، وأصوات طبول الحرب بدأت تُسمع في خلفية الصورة، ورئيس حكومة إسرائيل الذي يتحدث عن "هضبة الجولان" يعزف للحرب بدلاً من إشعار مواطنيه بالأمن، هكذا تسمع ولا تصدق"!

ولم تتأخر المؤسسة الحربية بدورها عن الإدلاء بدلوها في هذا التوجه الحربي, فقد أعربت أوساط في الاستخبارات الإسرائيلية عن تقديرها "أن عام 2007 سيشهد استئنافاً للقتال في الجبهة الشمالية بالتوازي مع تعاظم تهديد ما سمته بـ"الإرهاب العالمي" على (إسرائيل). الصحف العبرية 14/9/2006".

ولم تبق الأمور عند ذلك بل إن أحدث تقديرات هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أخذت تتحدث عن "أن سوريا وحزب الله قد يشرعا في حرب ضد إسرائيل في عام 2007" كما وثقه المعلق العسكري أمير أورن. يديعوت 6/11/2006، وجاء في التقديرات العسكرية الحربية لهيئة الأركان: "ولما كانت دروس المعركة في لبنان في يوليو/ تموز - أغسطس/ آب هذا العام لم تجمل بعد فقد تقرر في هيئة الأركان تجميد التخطيط المتعدد السنوات لبناء القوة العسكرية، والتعاطي مع عام 2007 كسنة "جسر" في نهايتها فقط تتقرر خطة التسليح الجديدة".

 

تحالف وتنسيق حربي استراتيجي أميركي إسرائيلي:

وفي هذا المضمون الحربي الاستعدادي فإن الجنرال الاحتياطي "بإسرائيل طال" طالب بـ"دراسة إمكانية الارتباط الرسمي مع الولايات المتحدة من جديد, ورغم أن التنسيق الأمني والسياسي الكامل قائم الآن بين الدولتينº فإن تحالفاً دفاعياً رسمياً بينهما سيكمل بالنسبة لإسرائيل نظام الردع الذي يجب بناؤه حول الدولة خلال العامين القادمين حتى يحين موعد المواجهة القادمة (صحيفة معاريف)".

وقصة الاستعدادات الحربية والنوايا العدوانية المبيتة ضد الشمال ليست بنت اليوم، أو هي قصة إعلامية استهلاكية، وإنما هي قصة بمنتهى الجدية والخطورة, فالسياسة الأميركية منذ ما قبل عهد بوش تعتبر سوريا في محور الشر والإرهاب، وتكن لها العداء الاستراتيجي، وتسعى دائماً لتغيير نظام الحكم فيها، وتتبنى الإدارة الأميركية في ذلك الرؤية الإسرائيلية تجاه سوريا, وتتبنى البرنامج السياسي الإسرائيلي تجاه السلام مع سوريا, كما تتبنى الموقف الإسرائيلي في مسألة عدم التنازل عن الجولان!

ولذلك نقول: لعل من أخطر ما يغذي النوايا والاستعدادات الحربية فضلاً عن الرغبة الإسرائيلية في استعادة الهيبة الردعية المتهشمة هو ذلك الموقف الأميركي الإسرائيلي المشترك من مسالة هضبة الجولان.

فقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية يوم 5/10/2006 في تقرير لها وصفته بأنه سري تحت عنوان "يجب على إسرائيل ألا تتنازل عن هضبة الجولان"º حديثاً للرئيس الأميركي جورج بوش أجراه مع عدد من الزعماء الأوروبيين قال فيه إنه: "لا جدوى من الحديث الآن مع السوريين حول الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان، فليس هذا هو الوقت المناسب".

وليس ذلك فحسب بل "إن رئيس حكومة العدو أولمرت أعلن بدوره قبل ذلك بمنتهى الوضوح أنه يفضل استمرار السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان (يديعوت أحرونوت 26/6/2006)".

وكان المراسل السياسي لصحيفة هآرتس ألوف بن قد جدّد التأكيد من جهته على أن رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت والإدارة الأميركية يتحفظان حالياً على إشراك سوريا في أي مسار سياسي".

إذن طالما أن الظروف من وجهة نظر إسرائيلية غير ناضجة للمفاوضات والسلام مع سوريا، وطالما أن الثنائي بوش وأولمرت يفضلان استمرار السيطرة الإسرائيلية على الجولان, وطالما أن من أهم تداعيات الهزيمة الإسرائيلية في المواجهة الأخيرة أمام حزب الله سقوط أهم الأساطير الإسرائيلية المتعلقة بسلاح الجو والردع، والجيش الذي لا يقهر, وأن "إسرائيل" بالتالي تبحث عن حروب جديدة تستعيد عبرها ما فقدته أمام حزب اللهº فإن همهمات الحرب الإسرائيلية أخذت تستعر وتتصاعد عملياً في الاتجاهات الأربعة الإيرانية والسورية، والفلسطينية واللبنانية (معاريف 1/10/2006)".

ولذلك نقول في الخلاصة المكثفة، وفي سياق قراءتنا الاستراتيجية لمعطيات واحتمالات الحرب الإسرائيلية العدوانية إن علينا نحن بالتالي عربياً أن نستعد ونعد العدة لحرب أميركية إسرائيلية عدوانية أخرى في الأفق المنظور إذ لن تطول الأمور, فهناك في فلسطين جبهة مشتعلة ومرشحة لمزيد من التصعيد نظراً لمخططات الاحتلال الإبادية للحقوق الفلسطينية التي لم تكتمل.

وهناك في لبنان هزيمة حارقة تكبدها الجيش الذي لا يقهر، وتمزقت صورته الردعية بصورة مذهلة، وهناك في الأفق المقروء حرب إقليمية تتزايد احتمالاتها على نحو خاص في ضوء تطورات وتعمق المآزق الأميركية الإسرائيلية في العراق ولبنان وفلسطين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply