الانحلال هل هو وراء أزمة العنوسة؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تكن صاحبات الرايات الحمر يحلمن أن يأتي يوم ما يصبحن فيه في موقع الصدارة في المجتمع, حيث يتهافت الناس على سماع آخر أخبارهن - عفواً نزواتهن -، ولعلهن لم يكن يجرؤن أن يرقصن ويعلن الفواحش على الملأ كما يحدث هذه الأيام مع صاحبات الرايات الحمراء الجدد راقصات الفيديو كليب, اللاتي تخلين عن ملابس الراقصات التقليدية، واستبدلنها بملابس بدت منتمية للواقع بكل تشوهاته وخطاياه, وانطلقن بهذا النمط من الملبس خطوات واسعة في اتجاه المزيد من الخلاعة والمجون.

والقضية تتجاوز التبرج المزري للملابس, والذي يراد ترويجه كهدف قريب - بحيث يتم التأصيل لنمط من السلوكيات المنحرفة المرتبطة بهذا الشكل من الملبس، وهذا النوع من الغناء الراقص الفاحش -.

وفي هذا السياق تبدو كثافة هذا الشكل من الغناء والإلحاح عليه، وتكريس عدد مهول من القنوات الفضائية، والترويج له [في إحدى الباقات المشفرة البالغة 50 قناة احتلت القنوات المخصصة لهذا الفيديو كليب نصفها أي 25 قناة] بأن الأمر قد تجاوز حدود المصادفة بكثير, بحيث أصبح الفيديو كليب سلاحاً من أهم الأسلحة التي تبقي المجتمع المسلم بشبابه وفتياته في وضع أقرب إلى التخدير، وأبعد ما يكون عن الحمية لقضايا الأمة, بل حتى الإحساس بها, وإن كانوا قديماً يقولون: كأس وغانية تفعل في أمة محمد أكثر مما يفعله ألف مدفع, فأغرقوهم في الشهوات، فإن اليوم يشهد تطويراً مدهشاً في الكأس والغانية, حيث يقع الشباب المسلم بين المطرقة والسندان, الكأس الجديدة شاملة شتى أنواع المخدرات التي تباع في بعض الأماكن كما تباع "سجائر التبغ", والغانية الجديدة فتاة الفيديو كليب التي أصبحت هدفاً مزدوجاً للشباب والفتيات, فالشباب يحلم بها، والفتاة تتمنى تقليدها.

 

الانحلال وأزمة العنوسة:

ثمة علاقة جدلية بين شيوع العنوسة - تأخر سن الزواج - في مجتمع وبين شيوع الانحلال والانحراف فيه, بحيث يؤدي تزايد أي منهما إلى تزايد الآخر, وهي قسمة منطقية, فتزايد العري يسهل أبواب الفجور, وهو ما يؤدي إلى تناقص حالات الزواجº خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعانيها بلادنا.

وفي دراسة رسمية أعدها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاءº أشارت إلى ارتفاع نسبة غير المتزوجين بين الشباب المصري إلى 37%, وأن عدد الشباب والشابات العوانس - الذين تجاوزوا 35 سنة من دون زواج - أكثر من 9 ملايين نسمة منهم 3 ملايين فتاة و6 ملايين شاب.

ولعل هذا يفسر انتشار موضة الزواج العرفي - الوجه الآخر للزنا حيث السرية وعدم توفر الولي وغير ذلك - حيث أعلنت وزارة الشئون الاجتماعية في مصر أن 255 ألف طالب وطالبة يمثلون نسبة 17% من طلبة الجامعات قد تزوجوا "عرفياً"، ولا تتوقف أزمة العري التي يروجها الفيديو كليب إلى تناقص معدلات الزواج فحسبº بل إلى انهيار الرابطة الزوجية من الأساس, ووفقاً لأحدث دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فقد وصل عدد حالات الطلاق في مصر إلى 70 ألف حالة, حيث كانت القنوات الفضائية هي السبب الأول للطلاق, دل على ذلك بحث الدكتورة عزة كريم رئيس شعبة بحث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, التي أكدت أن عدداً لا بأس به من الأزواج أدمن مشاهدة القنوات التي تعرض هذا الفيديو كليب, حيث الراقصات العاريات المائلات المميلات اللاتي لا هم لهن في الحياة إلا التفنن في أشكال الإغراء, ثم يقوم هؤلاء الرجال بمقارنة زوجاتهن المتعبات من الأمور المنزلية والأطفال فتكون النتيجة لغير صالح الزوجات بالطبع, فتبدأ المشكلات بالمقارنة والاستهزاء, وقد تنتهي إلى الطلاق, وفي حالات أخرى الانفصال النفسي والجسدي.

 

تأصيل للفساد:

لا تكتفي هذه الفئة من الفاسدات بما هن فيه من أوحال الرذيلة والمعصية, بل العجب العجاب أن تجد إحداهن تتبجح بتأصيل هذا الفساد، وتعتبره لوناً من ألوان الاعتزاز بالأنوثة، وشكلاً من أشكال الثقة في النفس, وأصبحت النغمة المكررة عند من يطلق عليهن ممثلات الإغراء قولهن: "لا أمانع من أدوار الإغراء إذا كانت موظفة في السياق الدرامي"، ولكن الأسوأ من ذلك كله وأسوء من أقوال هؤلاء التافهات أن ثمة مخططاً مدروساً بعناية لتحطيم المجتمع العربي مثلما تفعل المخرجة السينمائية "إيناس الدغيدي", فأفلامها لا تقوم على مشاهد العري والزنا فحسب - ككثير من الأفلام التي يعتقد مخرجوها أنهم بهذا يضمنون لها النجاح -، وإنما غالباً ما تتضمن فكرة منحلة تريد تأصيلها كتصوير المجتمع العربي أن لا هم له إلا الجنس يبحث عنه بأية وسيلة "آخر أفلامها اسمه شلالات فياجرا".

أو تصوير الفتاة العربية أنها غارقة حتى أذنيها في العلاقات غير المشروعة, ففيلمها "مذكرات مراهقة" لم يقدم نموذجاً لفتاة شريفة واحدة, وعندما تواجهها وسائل الإعلام بهذا الانحلال المنظم الذي تقدمه في أفلامها لا تفكر في الاعتذار، أو حتى التبرير, بل تتهم المجتمع العربي كله بأنه لا يفهم مضمون أفلامها، لأنه لا يفكر إلا بنصفه الأسفل, فهل وراء ذلك استهانة بمشاعرنا وكرامتنا كأمة, ونحن نسمح لمثلها باتهامنا جميعاً بدلاً عن وضعها وصواحبها في قفص الاتهام.

 

ثقافة الاحتقار:

يقرر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة التي تتعطر ثم تسير في الطرقات قاصدة الفتنة تعد كالمرأة الزانية, فلقد روى ابن حبان والحاكم والنسائي والبيهقي في باب ما يكره للنساء من الطيب, وأبو داود عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).

وحالة هذه المرأة التي عناها الحديث حالة فردية فهل تنطبق هذه الحالة على فتيات الكليب، والإعلان وممثلات الإغراء، أم تنطبق عليهن أحكام الحرابة؟!! ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِن خِلافٍ, أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ ذَلِكَ لَهُم خِزيٌ فِي الدٌّنيَا وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ))(المائدة:33).

فهل هناك سعي في الفساد أكثر مما يفعله هؤلاء بكل تشكيلاتهم؟!! "منتج - مخرج - راقصة".

يقول سيد قطب في معرض حديثه عن كيفية المحاربة لله وللرسول: "فهم قطعاً لا يحاربون الله - سبحانه وتعالى – بالسيف، وقد لا يحاربون شخص رسول الله - بعد اختياره بالرفيق الأعلى -، ولكن الحرب لله ولرسوله متحققة بالحرب لشريعة الله ورسوله, وللجماعة التي ارتضت شريعة الله ورسوله, وللدار التي تنفذ فيها شريعة الله ورسوله"، وإذا كان لا يمكن تطبيق حد الحرابة, وإذا كان لا يمكن منع هؤلاء في عصر السماوات المفتوحة الذي نعيشهº فلا بديل عن تفعيل ثقافة الاحتقار, فامتناع الجمهور عن مشاهدة هذه الأفلام الهابطة صفعة حارقة على وجه الفساد" انظر سيد قطب في ظلال القرآن الجزء 2 ص879.

إن ثقافة الاحتقار تعني أكثر من النبذ والنفي النفسي, فإنها تعني البغض في الله، وفي الحديث عن أبي أمامة - رضي الله عنه -: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود.

إننا نريد أن يتم التعامل مع فتيات الفيديو كليب كما كانوا قديماً يتعاملون مع الراقصة "الغزية", بحيث يعمل مصطلح فتاة فيديو كليب نفس الإيحاء المتضمن للمعاني السالبة والمقيتة لمخلوق ناقص وحقير يريد أن يدمر حياتنا، ويقوّض أمننا, وما حدث من وقائع مروعة في أهم شوارع القاهرة مؤخراً يشهد بذلكº فلأول مرة في تاريخنا تحدث حالة هياج جنسي جماعي نتيجة للتعذيب الواقع على الشباب من هؤلاء العاريات شبه آدميات, حتى أن مخلوقاً اسمه الراقصة "دينا" لم تتورع عن الرقص في الطريق العام أمام السينما التي تعرض فيلمها المتخلف, فكانت الفتنة التي قصمت ظهر البعير, فانفجر الشباب في ثورة جنسية وقعت في شباكها من تسير في الطريق دون "بودي جارد", وإذا كان الشباب الذي لم يحاول غض بصره، أو جهاد نفسه مخطئاً، وإذا كانت الفتاة التي لا ترتدي الزي الشرعي، وتظن أنها بذلك نموذج لن تقع في شباك العنوسة مخطئةº فإن هؤلاء الشياطين الذين يشعلون الغرائز هم الخطيئة بعينها.

ولنتذكر هنا قول رجل غير مسلم وهو "جيمس رستون" عندما كتب في النيويورك تايمز: إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية المطاف أكبر من خطر الطاقة الذرية. انظر محمد الغزالي قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة ص45.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply