أزمة عقدية تعيشها النصرانية في أفريقيا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد يعتقد البعض أنني أبالغ أحياناً عندما أورد بعض الحقائق عن حياة رجال الدين النصارى وما يجري وراء جدران الكنائس، أو ما تعبر عنه ألسنة الأتباع، لكنني لست الشاهد الوحيد على تلك الحقائق، فلربما أصبح كل شيء في هذه الحياة يشهد بها حتى الدواب والشجر والحجر، ولكننا لا نفقه شهاداتهم، مما يدل دلالة قاطعة على اقتناع أتباع العقيدة النصرانية في قرارة أنفسهم بأنها عقيدة باطلة وزائفة، ومتعارضة مع الواقع والمنطق والفطرة، ولكنهم مع ذلك يتمسكون بها، ويدافعون عنها، ويحاربون ما سواها لحاجة في نفس يعقوب.

لقد اعترف لي عشرات القساوسة الذين قابلتهم في أماكن مختلفة في القارة الأفريقية أن لقمة العيش هي التي تشدهم إلى دين النصارى، ولولاها لأعلنوا إسلامهم دون تردد لاقتناعهم بأنه الدين القيم، ومما يؤكد هذا الواقع حرصهم الشديد على تربية أبنائهم خارج بيئة الكنيسة لعلمهم أنها بيئة ملوثة عقدياً وخلقياً وحتى مالياً: بسبب تعدد طوائفها، واختلافها على دينها، وتفشي الموبقات والرذائل فيها كالزنا، والاستهانة بالأعراض، والسرقات، وشرب الخمور، وأكل أموال الناس بالباطل, إلى حد أن بعض القساوسة تمردوا صراحة على كنائسهم، فأرسلوا أبناءهم إلى مساجد المسلمين ليتعلموا أخلاق الإسلام.

هذا على مستوى القمة، أما على صعيد قاعدة الأتباع فالأمثلة أكثر من أن تُعد وتحصى، وأحب هنا أن أذكر موقفاً واحداً يمثل صورة واقعية في المأساة العقدية التي يعيشها 'المؤمنون' بالنصرانية، كان ذلك قبل سنوات عندما خرجت في رحلة برية عبر طريق وعر نحو أحد مراكز الأيتام في وسط كينيا، وهو المركز الذي كان يعمل فيه بعض الصباغين النصارى الكاثوليك، حيث أتيحت لي فرصة محاورة أحدهم، وكان شديد التعصب لعقيدته.

فلما سألته عن معاملة العمال المسلمين به شهد شهادة حق بأنها معاملة حضارية، وأثنى كثيراً على خلقهم الرفيع الذي يمنعهم من ارتكاب المحرمات كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، واسترسل في مدحه أخلاق المسلمين، حتى إذا استوقفته بسؤال عن 'أخلاق' الكنيسة أطرق برأسه إلى الأرض فسكت ولم يجبني، وعملاً بخلق الكريم الذي لا يستقصي توقفت عن طرح المزيد من الأسئلة، فطفقت أبين له الدين الصحيح، وشعائره السمحة التي تلائم فطرة الإنسان، وترقى بسلوكه عن الدنايا والأباطيل، وتحرره من الجهل والتخلف، ومظاهر العبودية والاستغلال، والفقر الحقيقي، وكنت في نفس الوقت أظهر له إعجابي بإتقانه لعمله، وإخلاصه فيهº بغض النظر عن عقيدته, وقد بلغني عقب هذا اللقاء بأيام أن هذا العامل قد أسلم وحسن إسلامه، وأصبح من المحافظين على أداء الصلاة في المسجد.

إن هذه الأزمة العقدية التي تعيشها النصرانية في باطنها وظاهرها، والتي صنعت هذا الإيمان الزائف في نفوس رهبانها وأتباعهم منذ بدايتهاº تتفاقم عصراً بعد عصر، وجيلاً بعد جيل، وتتحول تدريجياً إلى دليل قاطع على أن المستقبل في أفريقيا وفي غيرها سيكون للإسلام - بإذن الله تعالى -، ليتحقق وعد الله - عز وجل - القائل: ((هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ))[الفتح:28].

 

اعترافات قس مهتدٍ,:

بوسيروكا قرية تقع على مقربة من بحيرة ألبرت الأوغندية، يعاني سكانها مشكلة النقص الحاد في مياه الشرب، حيث يضطرون إلى قطع مسافة نصف ساعة مشياً على الأقدام لبلوغ البئر الوحيدة التي يتزاحم حولها السقاة، ويتدافعون من أجل قليل من الماء.

إلى هذه القرية الفقيرة توجه وفد من دعاتنا ليطلعوا على أحوال إخوانهم المسلمين فيها، ويدعوا غير المسلمين إلى دين الله الحق، وكان في هذه القرية قسيس كبير يعد من الشخصيات البارزة في هذه المنطقة، حيث كان يشغل منصب رئيس لجنة المقاومة، ورئيس الدائرة الكاثوليكية التابعة لهذه المنطقة التي تضم سبع كنائس لمدة ثماني سنوات.

وقد عرف بإخلاصه في عمله، وتفانيه في خدمة الكنيسة، ولم يكن عمره يتجاوز ستة وأربعين عاماً عندما هداه الله لنور الإسلام.

ويورد هذا القس لدعاتنا الزائرين بقوله: 'لقد لاحظت أن الكنيسة لا تشجع الناس على قراءة الإنجيل خوفاً من أن يطلعوا على تعاليمه المضطربة، فيدفعهم ذلك إلى الخروج عليها، وإنشاء طوائف جديدة، ولذلك لم تسمح لي الكنيسة بقراءته إلا بعدما أصبحت قسيساً.

وكنت أشعر بالحزن والأسى في صلاة يوم الأحد التي اقتصر فيها على قراءة موعظة واحدة، ومن كتاب واحد موزع على أسابيع السنة، في الوقت الذي كان فيه المسلمون يطبقون في صلواتهم تعاليم الإنجيل التي تركها الكاثوليك والبروتستانت كسجود عيسى وحوارييه تقرباً إلى الله، وطلباً للنجاة.

وقد تزوجت ولم تنكر عليَّ الكنيسة ذلك رغم أن القساوسة الكاثوليك يحرم عليهم الزواج، فلما تبين أن زوجتي عقيم اضطررت إلى الزواج بثانية، فتدارس القساوسة أمري، وقرروا عزلي عن مسؤولية الكنيسة، وأعمال الرهبنة بما فيها صلاة يوم الأحد، واتهموني بأني شيطان أريد الزعامة من دون أن أفهم وجه العلاقة بين الوصول إلى هذه الزعامة والزواج من زوجة ثانية! ولكنهم لم يعزلوني عن رئاسة الدائرة الكاثوليكية لما عرفوا من حسن العلاقة التي تربطني بأتباعي وبعض المسؤولين الكبار في المنطقة، ومنهم وزير الأشغال الذي تربطني به علاقة صداقة خاصة رغم أنه كاثوليكي، لدرجة أنني كنت أقضي معه الأيام الطوال في بيته خصوصاً في فترة الحملة الانتخابية.

والذي أثار إعجابي الشديد بالإسلام هو مظهر التكافل الاجتماعي الذي يوحِّد المسلمين في سرائهم وضرائهم، ويؤلف بين قلوبهم ليجعلها قلباً واحداً على أساس التراحم، والتعاطف، والمساواة، كما هو مشاهد في مشروع إفطار الصائم، أو في تلك الأضاحي التي يبعث بها العرب المسلمون من أقطارهم البعيدة إلى إخوانهم في هذه المنطقة، رغم أنهم لا يعرفونهم ولا يرونهم، فأين هذه المعاني الجميلة والقيم الإنسانية الرفيعة في الديانات الأخرى القائمة على الاستعباد والعنصرية، والطبقية واستغلال الشعوب المستضعفة باسم الشعارات المضللة؟

فلما تبين لي الرشد من الغي، وعرفت الحق من الباطل، دخلت في دين الله الحق، وندمت أشد الندم على الفترة التي أفنيتها من عمري في الكفر والضلال، ولكن فرحتي كانت أعظم بهؤلاء الأتباع الذين أسلم أغلبهم بإسلامي، وحتى أولئك الذين لم يسلموا أمروا أولادهم باعتناق هذا الدين الفضيل.

وفي غمرة هذا العرس الرباني أهدانا أحد الكاثوليكيين الذي كان معجباً بآداب الطهارة في الإسلام غرفة في منزله كان يستخدمها خمارة قبل خمس سنوات لتكون مسجداً مؤقتاً في انتظار بناء مسجد مناسب لعدد المسلمين المتزايد - بإذن الله -، وروضة لأطفالهم، وبيتاً للإمام، وقد تمكنَّا بفضل الله من شراء قطعة أرض مساحتها أربعة آلاف متر مربع لإنجاز هذا المشروع بمساعدة المهتدين الجدد - إن شاء الله -.

 

من أسباب اعتناقي الإسلام:

التقيت في أحد الأيام بزعيم الكنيسة في منطقة رباي بدولة كينيا القس مالو 'Rev. Malau' الذي بلغ من العمر عتياً، وحدثني عن تلاعب السياسيين بمناصب الكنسية، مستشهداً بوزير الأمن السابق في الحكومة الكينية شارلز نجونجو 'charles njonjo' الذي أصبح يشغل منصب رئيس الأساقفة لكنيسة 'c.P.k' مع أنه - حسب كلام القس مالو - غير مؤهل لمثل هذا المنصب الذي يفترض أن يسند إلى القس: مانا سيس كوريا 'm.duria' باعتباره الزعيم المناسب.

بل حتى التوزيع الجغرافي للأساقفة - كما يقول مالو - يخضع للمد والجزر بتدخلات رجال السياسة، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى اختلافات وصراعات بينهم وبين رجال الدين، ينتهي بعضها باستخدام لغة السيوف والسكاكين، وسقوط قتلى وجرحى، ما يؤدي بدوره إلى نفور الأتباع من حياة الكنيسة.

وهو الوضع الذي لا تعرفه حياة المسلمين لعدم وجود طائفية دينية بينهم كما هو الشأن عند النصارى الذين يتوزعون بين خمس وثلاثين ألف طائفة، وإنني أعتقد أن هذا هو أحد أسباب اعتناق الكثير من النصارى دين الإسلام.

والذي يؤيد كلام هذا القس تلك المذكرات التي كتبها رئيس الجمهورية سيراليون الأول د. ستيفنسن التي يعترف فيها بأنه نشأ في مجتمع يؤلف بين المسلمين، وأنه متدين، ومحافظ على صلاته الأسبوعية في الكنيسة، ومع ذلك يؤمن بأن الخلافات الجوهرية التي توجد بين الطوائف الكنسية ستجعل من القارة السمراء قارة الإسراء في المستقبل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply