النصارى يحاولون احتلال تركيا!


بسم الله الرحمن الرحيم

"تركيا الآن تحت احتلال المنصرين" هكذا وبكل بساطة يقول سنان آيغون (رئيس غرفة تجارة أنقرة)، التي أصدرت تقريراً مفصلاً وشاملاً حول النشاط التنصيري في تركيا.

ليس التنصير في تركيا موضوعاً جديداً للمناقشة، ففي الأشهر الأخيرة كان يظهر هذا الموضوع من وقت لآخر في وسائل الإعلام، لكن البيان المكتوب الذي أصدرته رهشان زوجة بولنت أجاويد (رئيس الحكومة السابق) قبل ثلاثة أسابيع، وحذرت فيه من انتشار النصرانية في تركيا، وتكاثر عدد الكنائس في الشقق والأبنية، والخشية من "ذهاب الدين (الإسلامي) من أيدينا" أعطى زخماً للسجالات حول مسألة التبشير النصراني في تركيا.

ولم يقتصر تفاعل الموضوع على النقاشات الفكرية، بل شاركت في المساهمة فيه القوات المسلحة التركية، وهيئات اقتصادية علمانية وإسلامية، ولم يتأخر أيضاً (رئيس الحكومة) رجب طيب أردوغان في الإدلاء بدلوه، على أن البعد الأكثر دلالة من هذه المسألة هو انتقالها إلى الشارع، حيث بادر العديد من الشبان المسلمين بتوزيع القرآن الكريم في ساحة "قيزيل آي" وسط أنقرة رداً على توزيع مجموعات تنصيرية في الساحة نفسها لنسخ من الإنجيل، مما يجعل السؤال ممكناً حول ما إذا كانت تركيا ستكون مسرحاً لحرب من نوع جديد بين الإسلام والنصرانية عشية بدء مرحلة مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي.

في المعطيات المتوافرة أن عدد النصارى في تركيا يقارب الستين ألفاً، فيما تستخدم مجموعات التبشير النصرانية ما يقارب الثلاثمئة كنيسة، ومكتبات بأعداد كبيرة، وتمتلك هذه المجموعات ست مجلات، وخمس محطات إذاعية، وسبع شركات، وسبع صحف، ومقاه ووكالات سياحية، وفندق واحد وعشرات الجمعيات الأخرى، وقد سجل عام 2003م مئة وتسعين نشاطاً تنصيرياً، ومع أن للبهائيين بعض النشاط إلا أن الجماعات البروتستانتية لها حصة الأسد، حيث تدار من مدينة شورمدورف في ألمانيا، ويمثلها اتحاد الكنائس البروتستانتي لتركيا ومقره في أنقرة، وفي عام 2000م فقط افتتح المنصرون البروتستانت حوالي عشرين كنيسة في تركيا، ويمتاز التنصير البروتستانتي بإقامة معسكرات صيفية للطلاب، مع الإشارة إلى أن كنيسة "فورتولوش" تقوم بالدور المخطط لهذه النشاطات، في إطار مجموعة مؤلفة من مئة وثلاثين فرداً، وينشط هؤلاء في الأحياء الراقية من اسطنبول، وفي معظم المدن الرئيسة التركية، وإلى البروتستانت هناك نشاطات متفاوتة لجماعات أخرى مثل: شهود يهوه، والكاثوليك، والأرثوذكس، والسريان، وإن بصورة محدودة قياساً إلى النشاط البروتستانتي.

ويعلق سنان آيغون على النشاطات التنصيرية بقوله: إنها استمرار للذهنية النصرانية، وإن السبب الرئيس وراء تصاعد هذه الموجة هو صدور قوانين المواءمة مع الاتحاد الأوروبي التي سهلت عمل المنصرين تحت ذريعة الحريات الدينية، ويقول: إن هؤلاء المبشرين يجولون على المنازل ومعهم المال، مغررين بالشبان، وهم ينتظمون في كل زاوية بأنقرة، ويقومون بتنظيم رحلات وسياحة واجتماعات، ويدرّسون ولا أحد يستطيع أن يسألهم: من أنتم وماذا تفعلون؟º لأن الجواب جاهز: القوانين الأوروبية تسمح لنا بذلك، ويتساءل آيغون: إذا لم يكن هذا احتلالاً فماذا يكون؟ وهل يتطلب الاحتلال حمل السلاح؟ إن سلاحهم الدين، ولا حاجة لهم لسلاح آخر.

يؤكد أنور مهتشي أوغلو (رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في غازي عينتاب) ما ذهب إليه رئيس غرفة تجارة أنقرة، إذ حين يسأله الأكاديمي مصطفى أوزيل قبل عامين عن القطاع الأكثر حيوية في عينتاب (وكان يقصد بسؤاله القطاعات الاقتصادية) أجابه مهتشي أوغلو: التنصير! في دلالة على المسألة الضاغطة على السكان في غازي عينتاب وغيرها.

يذكر أوزيل الناشط كذلك في "مركز دراسات العلم والصناعة" أن النشاط التبشيري البروتستانتي الكاثوليكي فاعل جداً، وهم يسعون للتديين على الصعيد الفردي، فيما اجتماعياً يقومون بخدمات دنيوية، وينقل أوزيل في حوار له في مجلة "أنلايش" مع عالم الاجتماع الإنجليزي مايكل مان أن النخب الأوروبية اتخذت قرارها بإلحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي، النخب تعرف عملها، وسيأخذون تركيا إلى حيث يريدون، أما الشارع الأوروبي المعارض الآن لتركيا فسيتغير قراره ومزاجه مع الوقت.

ويعلق أوزيل على كلام مان بالسؤال: هل تريد أوروبا تنصيرنا؟ ويلمح أوزيل إلى الإجابة: بنعم غير مباشرة عندما يستشهد بقول شهير لرئيس إحدى القبائل الأفريقية: "عندما جاء الأوروبيون إلى بلادنا كانت الأرض بيدنا، والإنجيل بيدهم، أما اليوم فبيدنا الإنجيل، وبيدهم أرضنا".

ويدخل إيلبير أورتايلي أحد أبرز المؤرخين الأتراك المعاصرين على الخط بمقال في صحيفة "حريات" بعنوان "التنصير" ويرى فيه أن النشاط التنصيري خلق من المشكلات أكثر مما أعطى من سعادة، وأن المدارس التي أنشأتها البعثات التنصيرية في الأناضول أثارت بلبلة دفعت بأنصار أتاتورك في مطلع الثورة إلى إصدار قانون توحيد التدريس الذي ألغى هذه المدارس، ووضع كل مدارس الجمهورية تحت رقابة الدولة، ويتهم أورتايلي الطبقة العلمانية المثقفة في تركيا باللامبالاة واللامعرفة، محذراً من أن تغيير جغرافية الإيمان يخلق نتائج خطيرة بقدر التغيير في جغرافية السكان.

ويتهم مصطفى فايدا (عميد كلية الأديان بجامعة مروة) تقاعس الدولة في مجال التربية الدينية بأنه أفسح أمام نشوء فراغ استغلته البعثات التنصيرية، يقول فايدا: إن المادة 24 من الدستور تعهد إلى الدولة بالتعليم الديني، وإذ لا تقوم الدولة بواجبها يحصل فراغ، لذا يجب تفعيل التربية الدينية.

ويتساءل أحمد شاهين في مقال له بصحيفة "زمان" عما إذا كان ممكناً تنصير الشباب المسلم بتوزيع الإنجيل، ويجيب: لا، هذا غير ممكن عقلاً وعلماً ومنطقاًº فالإسلام يؤمن بكل الأنبياء والكتب السماوية، ويستشهد عدد كبير من الكتاب الأتراك بما كان يقوله (المفكر الإسلامي الراحل) جميل ميريتش من أن "هدف التبشير ليس تنصيرنا بل قطعنا عن الإسلام"، أي كما يقول مصطفى أوزيل: "جعل إسلامنا بلا معنى، وضرب قوة الممانعة والمقاومة عندنا، فمن لا يستطيع أن يحمي إيمانه لا يستطيع أن يحمي وطنه".

دخل رئيس الحكومة بقوة على خط السجال الدائر حالياً بقوله: إنه قبيح جداً أن يعمد نصراني إلى محاولة تنصير مسلم، فيما يذهب تقرير للقوات المسلحة التركية إلى أن هدف النشاط التنصيري رفع عدد المتنصرين في تركيا من خمسة آلاف اليوم إلى ثمانية ملايين عام 2020م! داعياً إلى التوعية لمواجهة هذا الخطر.

فهل تركيا فعلاً أمام خطر التنصير؟ أم أن انضمامها المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي كفيل لوحده بنزع "الخطر الكامن" من دولة كانت رأس حربة الإسلام في مواجهة أوروبا نفسها على امتداد ألف سنة؟

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply