الصومال بين مطرقة التنصير وسندان الفقر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تمكنت الحملات الاستعمارية الأوروبية أن تحفظ وجودها في القارة السوداء حتى بعد رحيلها ومنحها الاستقلال الصوري للدول الأفريقية، وذلك عبر التقسيم المتعمد للدول، بحيث تتناثر النزاعات الحدودية الدموية في أنحاء القارة، وتشتعل الثورات والاضطرابات الداخلية في كل دولة، وتحرك القوى الغربية مسارات الصراع, وتتوالى النداءات المستغيثة بقواتها لحفظ السلام، وتتبدد قوى الشعوب الأفريقية في دوائر مفرغة للصراع، وتصبح غاية الثروات الموجودة في هذه الأرض أن تسد رمق البطون الجائعة.

أما عن استغلال واقع الحروب والمجاعات والأمراض في أفريقيا في مجال التنصير فهو أمر معروف، فأفريقيا هي الغنيمة الباردة، حيث الضعف البشري، والتعاون بين القوى العسكرية الغربية والقوى البابوية والكنسية من الحقائق الشهيرة في هذا العالم.

 

الصومال في سطور:

تقع الصومال في شرق أفريقيا، ويحدها خليج عدن والمحيط الهندي شرقاً، وتجاورها كل من 'جيبوتي'، و'إثيوبيا'، و'كينيا، أما مساحتها فتصل إلى  246200 ميل مربّع.

تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وتعد من أكثر دول العالم فقراً بسبب قلة الموارد، وكثرة الحروب.

يزيد عدد سكانها عن سبعة ملايين ونصف المليون نسمة، وإن كان الحصول على أرقام دقيقة لتعداد السكان أمر صعب نظراً لحالة الاضطراب، ووجود لاجئين صوماليين في الدول المجاورة، ودول الخليج، وأوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، ونيوزيلنده.

ويشكل المسلمون 100% من السكان، أي أن الصومال بلد بلا أقليات على الرغم مما تدعيه وسائل الإعلام الغربية من أن نسبة المسلمين 98% لإيجاد المبرر للوجود الكنسي في البلاد.

ويمثل البدو وأشباه البدو الغالبية العظمى من السكان، ويعتبر المجتمع الصومالي مجتمعاً قبلياً، ولكل قبيلة سلطات وشيوخ ووجهاء وهم الذين يشرفون علي نظام الحياة اليومية، ويسهرون علي أمن أفراد القبيلة.

ويعد رعي الماشية من أهم النشاطات في الصومال ففيه أكبر قطعان للجمال والبقر على مستوى العالم.

وتعاني الصومال من المجاعات، واستخدام مياه شرب ملوثة، وتفشي الأمراض والأوبئة، وضعف الرعاية الصحية، والنزاعات القبلية.

 

فن اختراع الأقليات:

اخترعت المنظمات الكنسية أقلية مسيحية صومالية، وبالطبع فإنها تعاني من الاضطهاد والتضييق!!

وسارت لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن الصومال على هذا النهج مدعية وجود أقلية مسيحية في الصومال تتعرض لـ[ الإساءات الدينية]، بالإضافة لاعتبار اللجنة تجريم التبشير في لدستور ومحاربته من قبل الصوماليين اضطهاداً دينياً.

وكانت منظمة كنسية بريطانية تدعى [ بارنبس فاند] قد زعمت في تقرير لها لأواخر عام 2003 عن وجود أقلية مسيحية مضطهدة في الصومال، ولكنها تناقضت إلى حد بعيد في تعداد هذه الأقلية المزعومة، فالإحصاء الذي أوردته ذكر أنها تتراوح بين الخمسمائة والألف، بينما ذكرت في ثنايا تقريرها أن نسبتهم تصل إلى 5.% من السكان، وهي نسبة مضاعفة لما ذكرته من قبل أضعافاً كثيرة.

والواقع الذي تؤكده رابطة علماء الصومال أن بلادهم إسلامية بلا أقليات على الرغم من الجهود التنصيرية الكبيرة منذ عقود طويلة، وأنه لا يوجد صومالي غير مسلم إلا أفراداً يعدون على أصابع اليدين يعيشون في أوروبا.

 

الصومال والاستعمار:

قسم مؤتمر برلين عام 1885 الصومال إلى 3 مناطق وزعها على 3 دول غربية هي: فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، فكان من نصيب الأولى الجزء المطل على مضيق باب المندب والمعروف اليوم بـ'جيبوتي'، وكان من نصيب الثانية جنوب البلاد، وحصل المستعمر البريطاني على شمال البلاد وإقليم الأوجادين الذي منحه لاحقاً لأثيوبيا، بالإضافة إلى أجزاء أخرى منحها لكينيا.

وقد أدى هذا التقسيم إلى صراعات بين الصومال وجيرانه، وفجوة داخلية بين شماله وجنوبه حتى بعد الاستقلال الرسمي عام 1960.

 

الصومال بين أنياب المنصرين:

على الرغم من أن الصومال كان له تميز ديني حيث إنه بلد بلا أقليات، إلا أن عمليات التقسيم التي تعرض لم تجعله محصناً، فإقليم الأوجادين منح لأثيوبيا، وأجزاء منحت لكينيا، أما الدولة الصومالية الحالية فأصبحت بين فكي قطرين هما بمثابة مركزين للتنصير في القارة الأفريقية عامة، وفي شرقها خاصة.

وقد استغلت المنظمات التنصيرية [ حرب الأوجادين ] في تثبيت أقدامهم، وممارسة نشاطاتهم في الصومال، فبدءوا بإقامة الكنائس، ومن الغريب أن العاصمة 'مقديشيو' يوجد بها أربع كنائس كبيرة على الرغم أنه في وقت إقامتها لم يكن ثمة نصراني واحد في البلاد!.

واتخذ النشاط التنصيري الشكل الإغاثي، بل إن هذه الكنائس ذاتها أعدت ميزانية خاصة لوجبات يومية تقدمها للزائرين وتتضمن الحبوب واللحوم، والعصائر والحلوىº في بلد يعاني من المجاعات المضنية.

وأقيمت المراكز الثقافية التنصيرية في العاصمة والمدن والقرى الكبيرة، واستطاع المنصرون في وقت سابق أن يبسطوا نفوذهم على مراكز حساسة في الدولة، كما خصصت إذاعات للصومال تبث من مناطق مختلفة وبخاصة إسبانيا.

 

نماذج للأنشطة والمنظمات التنصيرية بالصومال:

ونظرًا للحالة الأمنية المتدهورة تدار معظم أنشطة تلك المنظمات من العاصمة الكينية 'نيروبي' والتي تعد مركز التنصير في شرق القارة الأفريقية.

-  منظمة [ مجتمع التوراة] من أقدم المنظمات العاملة في الصومال حيث يعود نشاطها هناك إلى ما قبل عام 1968، حيث طبعت أكثر من أربعين ألف نسخة من [العهد الجديد]، ووزع منها قرابة ثلاثة آلاف نسخة في حينها على الصوماليين في الداخل والخارج.

- منظمة [آباء كونسولاتا] تمارس عملها التنصيري في ثوب إغاثي عبر إدارة وحدات طبية، ودور أيتام ومدارس.

- منظمة [ أخوات كونسولاتا] في عام 2002 برنامجاً للإغاثة الكاثوليكية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية يتضمن برامج غذائية إضافية للأطفال المصابين بالسل - الوباء الأكثر انتشاراً في الصومال -، ومستشفى للأطفال في العاصمة 'مقديشيو'، ويهدف هذا المشروع للوصول إلى تنصير 300 طفل سنوياً، ويوزعون على الأهالي الأرز والذرة والسكر والحليب.

أما منظمة كاثوليك ريليف فقد آلت على نفسها مساعدة المنظمات التنصيرية المختلفة في الصومال منذ عام 2002، ومن بينها [ أخوات كونسولاتا].

- منظمة [ المينونايتيون]: وهي طائفة نصرانية تنتسب إلى القس الهولندي 'مينو سمونس' الذي تحول من الكاثوليكية إلى البروتستانية، وأضفى معايير جديدة عن أهمية التبشير الإغاثي، ويمارس المينونايتيون نشاطهم في الصومال منذ خمسين عاماً، حيث يعلنون عما يسمونه 'طريق يسوع بين الصوماليين' عبر الوسائل الإغاثية التي تتركز في:

* توزيع البذور والأغذية على شيوخ القبائل، دفع تكاليف المراقبة الصحية غير الحكومية لوباء الكوليرا الذي تفشى في منطقة 'جوبا'، ويركزون على التعليم بدعم المدارس المحلية، وإمدادها بالكتب الدراسية والمناضد والكراسي والأدوات التعليمية، وأحياناً بدفع الرواتب للمعلمين.

* الاهتمام الخاص بـ[الأيتام] - كعادة المنصرين - وذلك عبر مشروعهم المسمى [ البرنامج العائلي العالمي]، كما يهتم هذا البرنامج بالنساء، حيث أقام لهن مركزاً في 'مقديشيو' يقوم بتعليم القراءة والكتابة والحياكة، أما النساء المتعلمات فيعلمهن مهارات الحاسب الآلي.

* تقديم خدمات اجتماعية يدربون شباب البدو فيها على أمور مثل: الصحة الإنسانية، والصحة الحيوانية والبيئية، بالإضافة إلى تعليم الشباب.

* توزيع الكتب الموجهة مثل كتيب [ معاني السلام] هو كتيب طبعته المنظمة ليستعمل في قاعات التدريس الصومالية، حول أهمية السلام والطرق إليه.

- منظمة التطوير الإغاثية الكنسية [CRDE] تهدف إلى الدعوة الصريحة إلى المسيحية، وتقدم الدعم الإغاثي للصوماليين عبر مشاريع إنمائية زراعية شمال غربي الصومال، ويتم فيها إيواء ما يزيد عن 300 ألف لاجيء.

 

الحرب القذرة [محاربة العمل الخيري الإسلامي]:

واجهت عمليات التنصير في الصومال فشلاً حقيقياً تمثل في ثبات شعبه على الإسلام، ومواجهته للحملات الكنسية بقوة الكلمة، وقوة السيف، وعلى مدى سنوات طويلة - ورغم الفاقة - فإن الصومال استعصى على عمليات التنصير.

إلا أنه في السنوات الأخيرة وبعد زوال الحكومة عام 1991 ساءت الأوضاع، وسال لعاب المنصرين من جديد نتيجة حالة الفوضى السائدة.

ومارس شياطين التنصير حرباً قذرة لم تحتج إلى مزيد جهد باستعداء أمريكا على العمل الخيري الإسلامي الذي كان ملاذاً للمسلمين الصوماليين.

وبمنع المنظمات الخيرية الإسلامية من ممارسة نشاطاتها في الصومال ازدادت حدة الحملات التنصيرية وصفاقتها في إعلانها عن هدفها، ونشرها للأناجيل، ومجاهرتها بالصلبان.

وإن الفراغ الذي أحدثه غياب الدعم الإسلامي جعل النشاط التنصيري في الصومال الآن خطراً حقيقياً يسترعي كل انتباه.

وكمثال على استغلال شياطين التنصير لفاقة مسلمي الصومال فقد فرضت منظمة تنصيرية على الفتيات الدارسات في قرية دار السلام الواقعة جنوب غربي مقديشيو نزع النقاب مقابل دعم المدرسة مالياً.

وقد تظاهر آلاف الصوماليين في شوارع مقديشو احتجاجاً على الممارسات التنصيرية للهئيات التي تعمل تحت ستار [الأعمال الإغاثية].

وقام العلماء والدعاة المسلمون بتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات بعد قيام هيئة تنصيرية تابعة للكنيسة السويسرية بتوزيع المساعدات على التلاميذ بالمدارس مع الهدايا التي تحمل الشعارات النصرانية، والعبارات التي تخالف العقيدة الإسلامية.

وأحرق المتظاهرون مئات [الهدايا] التي كتبت عليها عبارات التثليث، والصور المزعومة للمسيح المصلوب، مع توقيع الكنيسة السويسرية.

وكان المنصّرون قد أهدوا الطلاب في مدينة 'مركا' أدوات مدرسية [أقلام وملصقات ولعب مسلية] عليها صورة 'العذراء' وصلبان، وملصقات المنظمة، وأنكرت 'رابطة علماء الصومال' هذا النشاط التنصيري المعلن في بلد إسلامي عريق مثل الصومال.

 

الدور الخبيث لأثيوبيا:

تشترك أثيوبيا مع شمال الصومال في حدود طويلة مفتوحة على مصراعيها، ونظراً لغياب الضوابط الأمنية، والتداخل بين الصوماليين والإثيوبيين من حيث الشبه الكبير في اللون، وبعض العاداتº فقد دخل عدد من الأثيوبيين إلى شمال الصومال للترويج للفواحش، ونشر الفساد الأخلاقي والعقدي.

ويعمل هؤلاء الأثيوبيين على إشاعة الفاحشة، وبيع الحشيش والخمر والمخدرات لإغراق المجتمع الصومالي المسلم بها.

أما عن الجهد التنصيري الأثيوبي فقد أشار مسئولو الأمن في وقت سابق إليه، حيث ضبطت عدة مجموعات تنصيرية أثيوبية تعمل في البلاد بطريقة منظمة.

وينطلق الأثيوبيين الأرثوذكس من مركز 'ديردوه' على الحدود الأثيوبية الصومالية بعون من المنظمات الغربية لممارسة نشاطاتهم التي تبدأ من زرع الشقاق بين الصوماليين، والتشكيك في عقائد الإسلام، وتنتهي بالنشر الصريح للنصرانية.

 

مقتل منصرين:

تأخذ بعض  الصوماليين الحمية من وقت لآخر فيستهدفون بعض المنصرين الذين يكشفون عن وجوههم بممارسة أعمالهم في وضح النهار، ففي أواخر عام 2003 قتلت المنصرة الإيطالية الكاثوليكية 'أنالينا تونيلي' عن عمر 60 عاماً في منزلها ببوراما الصومالية.

وقد نشطت 'أنالينا' في العمل التنصيري بالصومال لما يزيد عن 30 عاماً، عبر إدارة مشفى وملجأ للأيتام في مدينة 'ميناء ميركا' وبوراما، بالإضافة إلى نشاطات في مجال التعليم.

وفي الثاني والعشرين من شهر أكتوبر لعام 1995 قتل منصر إيطالي يدعى 'جرازيلا فوماجالي' في ميناء ميركا، بعد عمله لمدة عام في الأنشطة التنصيرية برعاية منظمة [ كاريتاس] التنصيرية الشهيرة.

 

استخدام المرأة:

دعم المعهد الكاثوليكي للعلاقات العالمية بلندن منظمة اتخذت لها اسم [ منتدى النساء الصوماليات السياسي] يهدف إلى حصول المرأة الصومالية على حق المساواة في العملية الانتخابية، وإيجاد دور سياسي فعال لهن في الحالة الصومالية المتدهورة، وتوفير حق اتخاذ القرار للنساء داخل نظام العشائر.

 

إسلام رئيس بعثة تنصيرية:

نشرت جريدة المسلمون في عددها الستين بعد المائتين خبراً عن إسلام مسؤول بعثة تنصيرية قادمة من ألمانيا للعمل في الصومال تحت شعار إغاثي وتحمل اسم [ المشروع الوطني لمحاربة أمراض العمى].

وقد تحركت البعثة التي رأسها طبيب العيون 'جي ميشيل' - 36 عاماً - إلى الصومال عام 1978 للميلاد، ولكن الأمور تغيرت تماماً عندما بدأ والد أحد أصدقائه المسلمين الصوماليين يدعوه إلى الإسلام في الوقت الذي كان 'ميشيل' يسعى جاهداً لجذبه إلى النصرانية.

وأسلم الطبيب الألماني متأثراً بتفسير بعض آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وبدأ عمله الخيري لمحاربة أمراض العيون تحت لواء رابطة العالم الإسلامي.

 

وختاماً:

فإن الجهود الإسلامية الصادقة لا تنكر في الصومال، ولكن حملات التضييق على العمل الخيري الإسلامي في الآونة الأخيرة يتطلب جهداً مضاداً يتمثل في دعم العلماء والمصلحين داخل هذا البلد، والتوعية الدينية، ونشر روح التكافل، وشن الحملات على المنظمات التنصيرية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply