تسخير موجات الأثير لخدمة أغراض التنصير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لم تعد الحروب اليوم مقصورة على الحروب العسكرية التقليدية، ولم يعد الغزو محدوداً بالغزو العسكري المعهود، أصبحت الحروب والغزوات الحديثة ذات أوجه متعددة، وتستخدم أسلحة متنوعة، بل إن بعض القوى المتسلطة في عالم اليوم تحقق كثيراً من أهدافها وغاياتها بأسلحة ليس بينها القنابل والدبابات والبندقية والرصاصة، إنها تحارب وتغزو بسلاح الكلمة والصوت والصورة فتصيب ما ترجوه من أهداف وتحقق ما تأمل فيه من مصالح ومنافع!.

 

ولقد أدرك أصحاب الأديان والأفكار والمذاهب ما لوسائل الإعلام الحديثة من تأثير خطير في حياة الأفراد والمجتمعات، وما لسلاح الكلمة المسموعة من دور بارز في تبليغ الأفكار ونقلها عبر الحدود الجغرافية والحضارية، فقاموا باستثمار وسائل الإعلام الحديثة والإذاعة المسموعة بشكل خاص ـ واستغلالها للترويج لأفكارهم والتعريف بمذاهبهم ودعوة الناس إلى اعتناق مبادئهم.

 

وكان دعاة التنصير أسبق الجماعات إلى إدراك هذا الأمر فبدأوا صلتهم بوسائل الإعلام الحديثة منذ وقت مبكر، وقد بدأ (راديو الفاتيكان) ببث برامجه الدينية في عام 1931م عندما قام مخترع الراديو (ماركوني) بإهداء مرسلة إذاعية بموجة قصيرة إلى البابا، وقدمه إلى الناس عبر الأثير لأول مرة في تاريخ النصرانية.

 

وقد توسعت هذه الإذاعة وتطورت فأصبحت اليوم تبث برامجها الدينية والثقافية والإخبارية عبر ست مرسلات إذاعية ذات موجات قصيرة بطاقة تصل إلى 500 كيلو وات، ويذيع (راديو الفاتيكان) الآن بخمس وثلاثين لغة إلى أنحاء العالم ويخصص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ساعتين أسبوعياً باللغة العربية، وكانت هذه المحطة تذيع في نشأتها الصلوات الدينية، ولكنها الآن تبث ـ إلى جانب ذلك ـ الموسيقى والأغاني وغيرهما وذلك لجذب المستمعين واستمالتهم إلى رسائلها الدينية التي تتخلل هذه المواد الإذاعية المنوعة.

 

إذاعــات شـــتى:

إن استخدام الراديو لخدمة أغراض التنصير غدا اليوم ظاهرة إعلامية واضحة، وتذكر إحصائية قديمة نشرت عام 1981م أن هناك أكثر من أربعين محطة نصرانية في العالم يبلغ إجمالي عدد ساعات بثها ألف ساعة في الأسبوع، ومعظم هذه المحطات يتبع الكنائس والجمعيات الكنسية الأمريكية، ولبعض هذه المحطات تعاون وثيق مع إذاعة (صوت أمريكا) كما أن إذاعة (عبر العالم) التنصيرية المشهورة تستخدم موجات إذاعة (مونت كارلو).

 

وبالإضافة إلى هذه المحطات الإذاعية التنصيرية، فإن هناك إذاعات دينية محلية في بعض البلدان الإفريقية أنشأتها الدول الاستعمارية فيها وبقيت بعد استقلال هذه الدول، وما تزال هذه الإذاعات تقدم برامجها في المجتمعات المحلية، كما أن بعض إذاعات الدول الإفريقية تخصص بضع ساعات من بثها الإذاعي لبرامج تنصيرية تعدها المنظمات الكنسية مثل إذاعة نيجيريا وزامبيا مع أنهما بلدان فيهما أغلبية مسلمة!.

 

وقد أنشأت الهيئة التنصيرية العالمية عام 1970م مركزاً ضخماً للإنتاج الإعلامي في دولة زامبيا، ويقوم هذا المركز بإمداد الإذاعات الدينية وغيرها من الإذاعات الإفريقية بالبرامج والمواد الإعلامية المختلفة.

 

وتعد إذاعة (حول العالم) Transworld Radio أهم الإذاعات التنصيرية العالمية وأقواها، وتقدم هذه الإذاعة برامجها من محطة إرسال الإذاعة (مونت كارلو) ولها جهاز إرسال قوي في جنوب إفريقيا، وتستهدف المستمعين العرب والمتحدثين بالعربية في القارة الإفريقية.

 

ومن الإذاعات التنصيرية الأخرى في إفريقيا إذاعة "إلوا" ELWA وتعني عبارة "بمنتهى الحب نكسب إفريقيا" ومقرها ليبيريا التي تحوي نسبة كبيرة من المسلمين، وتتبع هذه الإذاعة البعثة الأمريكية السودانية وتبث برامجها بخمسين لغة ولهجة من لهجات إفريقيا، وهناك إذاعة أخرى هي إذاعة صوت الإنجيل التي بدأت إرسالها من أديس أبابا سنة 1963م وهي تابعة لهيئة الكنائس اللوثرية، وتستهدف الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

وفي قارة آسيا هناك إذاعة الشرق الأقصى التي تبث برامجها التنصيرية من جزيرة (سيشيل) وتوجهها إلى الهند والباكستان وبعض أجزاء الساحل الشرقي لإفريقيا، أما إذاعة (راديو أدفانتست العالمي) فهي تستأجر ساعات بثها من محطات تجارية وتبث من خلال هذه المحطات برامجها التنصيرية للقارتين الأوروبية والآسيوية.

 

وفي أمريكا (إذاعة واير) وهي محطة خاصة تعمل على الموجه القصيرة ومقرها في ولاية كاليفورنيا، وتبث باللغة العربية ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً، وتدير مؤسسة التنصير الدولية بالراديو ومقرها في ولاية فلوريدا إذاعة (صوت الانديز) البروتستانتية في الأكوادور بأمريكا الجنوبية، وتبث برامجها بالاتفاق مع حكومة الأكوادور.

 

هذه الإذاعات الدينية الموجهة، التي تمولها المنظمات والهيئات الكنسية العالمية، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تستهدف نشر الأفكار والمبادئ المحرفة وترويج السياسات التي تنتهجها القوى الغربية الصليبية، ولكن الملاحظ كما تشير بعض التقارير والدراسات الميدانية ـ أن حركة التنصير العالمية تركز نشاطاتها على بلدان المسلمين ومناطقهم وتسعى إلى بلبلة أفكار المسلمين ـ وبخاصة في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها أقليات أو جاليات ـ ولذلك نجد أن معظم الإذاعات التنصيرية يتوجه بثها إلى الدول المسلمة والمجتمعات التي تحوي نسباً كبيرة من المسلمين وخصوصاً في قارتي آسيا وإفريقيا، فهي ـ إذاً ـ غزوة تنصيرية مقصودة، والمسلمون هم المستهدفون بالدرجة الأولى، وقد لا يكون الهدف من هذه الغزوة الشرسة تحويل المسلمين إلى النصرانية، إذ يعلم المنصرون من خلال تجاربهم أن ردة المسلمين عن دينهم واعتناقهم للنصرانية أمر صعب المنال، لذلك يكفي دعاة التنصير أن يشككوا ضعاف المسلمين وأجيالهم الناشئة في مبادئ دينهم، وقد صرح أحد زعمائهم بقوله: "ليس من الضرورة أن يترهب المسلمون، لكن يكفي أن نزعزع إسلامهم" وكم يصيبنا الحزن والأسى ونحن نرى هذه الجهود الضخمة والمتواصلة لدعاة التخريب الفكري التي تستهدف عقائد المسلمين وأخلاقهم وحضارتهم في الوقت الذي يقف فيه المسلمون يتفرجون، أو يحاولون مجابهة هذه الغزوة بوسائل غير مكافئة وبجهود شحيحة عرجاء!!.

 

إن الأمر جد خطير ويحتاج من المسلمين ـ حكومات ومؤسسات ـ وقفة جادة لإنقاذ أجيال المسلمين في كثير من المجتمعات من هذا التخريب الفكري الرهيب. وسلاح الإعلام اليوم يقتل من أبنائنا وشبابنا ما لا تقتله القنابل، ولابد من مجابهة هذه الهجمة الإعلامية التنصيرية بيقظة إعلامية قوية تسخر الوسائل الحديثة لخدمة أغراض التحصين الفكري ورد الكيد وحماية المجتمعات المسلمة من التلوث والخراب.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply